العدد 3035 - الإثنين 27 ديسمبر 2010م الموافق 21 محرم 1432هـ

أصل المشكلة في جنوب السودان

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

ما لا يعلمه الكثيرون عن مشكلة جنوب السودان أن هذا الإقليم كان مستعمرة داخل المستعمرة البريطانية الأم (السودان) في أوائل القرن العشرين. بمعنى أن جنوب السودان كان منطقة مغلقة في وجه الشماليين العرب والمسلمين منذ صدور قانون المناطق المقفولة في العام 1920 ومذكرات السكرتير الإداري الانجليزي آنذاك هارولد ماكمايكل وحتى استقلال البلاد في العام 1956 إذ لا يسمح لهم بدخول الأقاليم الجنوبية إلا بإذن من الحاكم الانجليزي بينما يسمح بالدخول لبعثات التبشير والتنصير إليها.

الهدف المعلن لقانون المناطق المقفولة الذي أصدره الحاكم الانجليزي آنذاك، كان محاصرة تجارة الرق الذي زعم المستعمر أن الشماليين العرب كانوا يمارسونه، بينما كانت هناك أهداف غير معلنة تتمثل في منع أسلمة الجنوبيين، بدليل أن نظام التعليم كان باللغة الانجليزية بينما في الشمال باللغة العربية. وكان يمنع على الجنوبي أن يطلق اسماً عربياً أو إسلامياً على مولوده. أحدث هذا الفصل العنصري بين المواطنين في القطر الواحد إلى خلق عدم ثقة بينهم إذ ينظر المواطن الجنوبي إلى أخيه في الشمال بأنه يستغله دائماً وأنه يحتقره وأنه مواطن من الدرجة الثانية.

قبيل خروج المستعمر حدث توافق مبدئي بين ممثلين للشمال والجنوب في مؤتمر جوبا 12-13 يونيو/ حزيران 1947م على توحيد شطري القطر عند الاستقلال، آخذين في الاعتبار مخاوف أهل الجنوب من التوحيد العاجل أي أن قبول وحدة السودان كان مبنياً على شروط جنوبية. ولكن عقب الاستقلال استأثرت القوى السياسية الشمالية بالحكم بدعوى أن الجنوبيين لم يبلغوا بعد درجة من الوعي والتعليم تؤهلهم لاحتلال المناصب الرفيعة في الدولة عند سودنة الوظائف أو التعبير الرشيد عن مصالحهم. قاد ذلك إلى فقدان ممثلي الجنوب لما يريدونه في مؤتمر جوبا إذ لم تشرك الأحزاب الشمالية الجنوبيين وأهل الغرب والشرق السوداني في المفاوضات المصيرية مع بريطانيا التي تمت قبل إعلان الاستقلال. ورفض السياسيون الشماليون الشرط الذي وضعه الجنوبيون لقبول إعلان الاستقلال من داخل البرلمان ذلك الشرط الذي تمثل في اعتماد الفيدرالية أساساً للحكم في الجنوب. وكان لهذا السلوك والتصرف ردود فعل كثيرة، من ضمنها اندلاع تمرد في الجنوب في العام 1955 في مدينة توريت. ومنذ ذلك التاريخ ظل ينطفئ تمرد في الجنوب ليظهر آخر. وهناك حقيقة جوهرية من حقائق الواقع السوداني وهي التعدد والتنوع الثقافي، حيث يوجد في المليون ميل مربع التي تشكل مساحة جمهورية السودان الحالية 572 قبيلة أعاد الباحثون تصنيف هذه القبائل في (56) أو (57) فئة إثنية على أساس الخصائص اللغوية والثقافية، تتحدث هذه القبائل أكثر من (500) لهجة.

في الفترة الزمنية التي استمرت من الاستقلال 1 يناير/ كانون الثاني 1956م إلى 1958م لم تقدم القوى السياسية الشمالية أية حلول للمشكلات العالقة التي ذكرناها وخصوصا استمرار الحرب في الجنوب إلى أن جاءت فترة الحكم العسكري الأول الذي استمر من 1958م إلى 1964م وفي ظل هذا الحكم وفقاً للباحث السوداني إبراهيم خاطر مهدي تفاقمت المشكلات وازدادت نار الحرب وخاصة بعد أن بدأ الرئيس إبراهيم عبود بتنفيذ سياسة التعريب وأسلمة دواوين الحكومة في جنوب السودان وغيره من المناطق في السودان.

وبعد أن أكتوى الشعب السوداني بنار الحكم الديكتاتوري العسكري خرجت الجماهير إلى الشوارع في ثورة أكتوبر الشهيرة العام 1964 وتم إسقاط النظام. تشكلت حكومة انتقالية بعد ذلك استمرت لعام واحد من نهاية 1964 إلى نهاية 1965 إذ جرت بعدها انتخابات عامة آلت السلطة بنتيجتها للأحزاب. وهناك حدث مهم تم في هذه الفترة وهو مؤتمر المائدة المستديرة 1965 كأول محاولة في ظل هذه الحكومات الديمقراطية لإيقاف صوت البندقية في جنوب السودان، لكن الشمال رفض الحكم الإقليمي الذي كان من المقرر أن يمنح الجنوب سلطات واسعة كما طلب الجنوبيون في المؤتمر، وبذلك انتهت المحاولة بالفشل وازدادت الأمور سوءاً. استمرت الديمقراطية الثانية إلى 1969م إذ وقع انقلاب عسكري مستهلاً الحكم العسكري الثاني بزعامة الرئيس الراحل جعفر نميري الذي استمر حكمه حتى 1985.

الميزة الوحيدة التي اتسم بها هذا الحكم هي التوصل إلى اتفاقية سلام دامت لمدة عشر سنوات مع حركة التمرد (الانانيا) عبر اتفاق أديس أبابا 1972م. بيد أن نميري قام بهدم هذا الاتفاق وإلغاء بعض بنوده ومنها تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم بدلاً من إقليم واحد كما نصت اتفاقية السلام وانهارت بذلك اتفاقية أديس أبابا في 1982م واندلعت الحرب من جديد بزعامة جون قرنق.

وعندما تراكمت الضغوط على الشعب السوداني واحتدم أوار الحرب في الجنوب خرجت الجماهير إلى الشارع وأطاحت بالحكم العسكري الثاني . جاءت بعد ذلك فترة الديمقراطية الثالثة حيث ترأس الصادق المهدي الحكومة التي استمرت حتى 1989م في ظل عدم وجود أية بوادر إيجابية لحل المشكلات المتراكمة التي أشرنا إليها سابقاً وخصوصا في الجنوب، باستثناء مؤتمر كوكادام 1986م واتفاقية الميرغني/ قرنق 1988م وانتهاء المحاولتين بالفشل مع اختلاف الدوافع والأسباب التي أدت إلي ذلك الفشل وتحولت الجمعية التأسيسية (البرلمان) إلى مغالطات ومكايدات ومزايدات سياسية بين الزعيمين لأكبر حزبين آنذاك (الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني) إلى أن وقع الحكم العسكري الثالث بقيادة عمر البشير مع استمرار وتوسع حركة التمرد بزعامة جون قرنق في الجنوب والشرق. استمرت فترة الحكومة العسكرية الثالثة من 30 يونيو/ حزيران 1989م (ثورة الإنقاذ) التي تحملت المسئولية في التوقيع على اتفاقية السلام 2005م التي عرفت باتفاقية نيفاشا في كينيا وكان من أبرز بنودها إعطاء حق تقرير المصير لجنوب السودان عبر استفتاء من المقرر أن يفضي خلال الأيام القليلة المقبلة إلى تقسيم السودان إلى دولتين ويلهم بقية أقاليم البلاد للتطلع إلى الانفصال أيضاً.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 3035 - الإثنين 27 ديسمبر 2010م الموافق 21 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:55 ص

      3

      أصل المشكله برطانيا المستعمره بسياسة لعينة سياسة فرق تسد

    • زائر 1 | 7:17 م

      الظلم في توزيع الثروة و عدم وجود عدالة إجتماعية هما السبب

      "خالتي و خالتك و تفرقت الخالات" ، مشكلة الدكتاتورية و حكم الناس بالحديد و النار تنتج أكثر من الإنفصال.

اقرأ ايضاً