العدد 3038 - الخميس 30 ديسمبر 2010م الموافق 24 محرم 1432هـ

هموم العام 2010

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم نودّع العام 2010 كي نستقبل غداً العام 2011. وغالباً ما يشكل هذا الوداع وذاك الاستقبال مناسبة لمراجعة ما مضى، والتخطيط لما هو قادم. وبالنسبة للمواطن البحريني، كثيرة هي الهموم التي أرهقته، وقضت مضاجعه خلال العام 2010، وكثيرة أيضاً هي الآمال التي يطمح أن يراها وقد تحققت في العام 2011. وإذا ما أردنا أن نقف أولاً عند أهم محطات 2010 وهمومها، فسوف نجد أنها كثيرة، لكن الأكثر أهمية من بينها هي:

1. تعمق الطائفية في صفوف المواطنين المنتخِبين، وخاصة خلال فترة الانتخابات البرلمانية، حيث شهد المجتمع البحريني تخندقاً طائفياً لم يعرفه من قبل، وتحولت قاعات صناديق الانتخابات، جراء ذلك، إلى ساحات تمترس طائفي، لم يكن في وسع أي أحد أن يخفيها أو أن يتجاوزها. أصبحت أصوات المواطنين ضحايا ذلك التخندق الطائفي، بدلاً من أن تكون مشاعل تنير طريق المرشحين الأكفاء.

خطورة الطائفية، إلى جانب أنها تشطر الوطن والمواطن إلى قسمين متناحرين، تكمن في قدرتها على تلويث أدمغة ضحاياها بفيروسات فتاكة تهاجم خلايا الإبداع الدماغية، وتنجح في تدمير قدرتها على التفكير البناء القائم على التطوير. فيتمحور التفكير، بفضل تلك الفيروسات، حول قضية مركزية واحدة هي تعزيز مطلق لحضور الطائفة، ونفي كلي للطوائف الأخرى. وتتراجع، بفضل ذلك، المطالب الوطنية الكبرى أمام الاحتياجات الطائفية الضيقة. محصلة ذلك شل حركة الطائفتين المنتجة، شاءتا ذلك أم أبتاه، إلا في اتجاه واحد يقود إلى تدمير بعضهما البعض. والطائفية، شأنها شأن الأمراض الأخرى، سريعة في إصابة ضحاياها، لكنهم بطيئون في التخلص منها. وبالتالي فعلى المجتمع البحريني أن ينتظر أجيالاً أخرى قبل أن يبرأ من لوثة الطائفية، التي ينعم البعض بما كسبه، شخصياً أو فئوياً، من جراء تفشيها.

2. ترسخ الإحباط السياسي، في نفوس الأفراد، وفي صفوف المؤسسات. ويجب التمييز هنا بين عدم الرضا والرغبة في الحصول على ما هو أفضل منه، وبين الإحباط. فبينما تسهل معالجة الأول وبطرق في غاية البساطة، هناك صعوبة في اقتلاع الثاني حتى بالوسائل المعقدة. ومن مساوئ تفشي الإحباط السياسي في صفوف المجتمع أنه يبتر حبل السرة بين المواطن وقياداته، سلطة تنفيذية كانت تلك القيادات أم معارضة، ويتنامى الإحباط، وبشكل بطيء، لكن مستمر، إلى عدم ثقة مطلقة في كل ما تطرحه تلك القيادات. رويداً رويداً يصبح ذلك المواطن فريسة سهلة تصطادها كل القوى المعادية للمجتمع، خارجية تلك القوى أم داخلية، وتنتعش بفضله برامج التخريب والتدمير، كي تحل مكان خطط البناء والتطوير. خطورة الإحباط السياسي، أنه، تماماً مثل مرض «الإيدز» يبدأ في أعراض متخفية لا تكتشف إلا في مراحل متأخرة من الإصابة بالمرض، ما يعيق الشفاء منها أو يطيل من مدة المعالجة.

3. ضمور روح الإبداع والابتكار، الصادر عن نظرة سوداوية للمستقبل، تنتقل من الأفراد إلى المؤسسات. يقود كل ذلك إلى شلل قاتل يفرز حالة جمود شاملة تحول المجتمع برمته إلى جثة هامدة. خطورة حالة السكون التي يولدها ذلك الضمور، هو انتقالها إلى الأجيال الشابة، التي يقع على عاتقها التأسيس لمجتمع المستقبل. ولابد لنا هنا أن ندرك أن الإبداع والابتكار لم يعودا سلوكاً محصوراً في المجالات الفنية، كما كانت عليه المجتمعات في الماضي، بل أصبحا عنصرين مهمين يدخلان في صلب خطط الإنتاج للتطوير الاقتصادي، وبرامج تأهيل الموارد البشرية التي تناط بها مهمات التنمية الاجتماعية والسياسية على حد سواء. ولمن يريد أن يدرك خطورة هذا الضمور عليه أن يقدر بشكل علمي مقومات ومتطلبات ما أصبح يعرف اليوم بالاقتصاد المعرفي، أو ما هو أكثر تطوراً منه، والذي هو الاقتصاد الابتكاري.Innovative Econom

4. ضعف الثقة في السلطة، جراء تمأسس الفساد وانتشاره في العديد من مؤسسات الدولة، ووصول فروع شجرته إلى بعض مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي يعني أن رياح الفساد تجاوزت حدودها التقليدية، وبدأت تولد حالات جديدة غير مسبوقة كشفتها وسائل الإعلام المحلية. ضعف الثقة يقود إلى بتر العلاقات المثمرة بين المواطن وقياداته، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى شق المجتمع إلى نصفين تفصل بينهما هوة يصعب ردمها، وتحول دون تواصلهما، وتئد أي شكل من أشكال البناء الاقتصادي أو الاجتماعي، أو حتى السياسي، الذي يحتاجه المجتمع في خططه التنموية أو برامجه التوعوية. وتكمن خطورة الفساد في سرعة تسرب جذورها في التربة التي تنتشر فيها، حيث يصعب تتبع تلك الجذور، دع عنك اقتلاعها.

5. تشظي قوى التيار الوطني الديمقراطي، التي بدلاً من أن تكون الانتخابات النيابية مناسبة لتكاتفها، وتوحيد صفوفها وراء برنامج عمل وطني ديمقراطي متكامل، وجدناها، ودون الحاجة للغوص بحثاً عن الأسباب، تزداد تشرذماً، وتتسع هوة الخلافات بينها إلى درجة أنها هشمت إطارات الأبنية التي كانت تلتقي تحت ظلالها. الخوف الذي يبدأ ينتاب أنصار هذا التيار، مصدره احتمال أن يلجأ كل طرف من أطراف هذا التيار، بالإضافة إلى حالة التنابذ الذي يمكن أن تسود تلك الأطراف، إلى نسج تحالفات جديدة مع قوى أخرى، تتحول مستقبلاً، إلى قيود تأسر كل واحد منها، وتبطئ، إن لم تفشل، أية محاولات، لرأب الصدع بين قوى هذا التيار أو التنسيق فيما بينها. الأسوأ من ذلك كله هو أن هذا التشرذم يفسح المجال أمام تصدُّر قوى أخرى حركة المعارضة، وتقزم قوى التيار ذاتها، واضطرارها، بوعي منها أو بدون وعي، للسير في دبر تلك القوى المتصدرة، بفضل المكانة المتميزة التي نالتها جراء ذلك التصدر.

مرة أخرى نكرر أن تلك ليست سوى مجموعة مختارة من قائمة الهموم التي سيطرت على تفكير المواطن البحريني خلال العام 2010، التي لا نزعم أنها مكتملة، فمن الطبيعي أن يكون لدى الآخرين قوائم مختلفة نأمل أن تشكل في مجملها قائمة موحدة يعمل الجميع من أجل اجتثاث جذورها الخبيثة خلال مسيرة العام 2011.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3038 - الخميس 30 ديسمبر 2010م الموافق 24 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً