العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ

«مجاريح» قطر يكتسحون المنافسة، سلوقي يزيد الحماس والبحرين تخرج خالية الوفاض

إبان انعقاد الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح الخليجي بالدوحة

اختتمت نهايات الشهر الجاري بالعاصمة القطرية (الدوحة) أعمال الدورة الحادية عشر لمهرجان الفرق المسرحية الأهلية بدول مجلس التعاون الخليجي الذي أقيم هذا العام في الفترة 22-28 ديسمبر كانون الأول الماضي بدلاً من شهر أبريل/ نيسان، وذلك ضمن فعاليات احتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010.

دولة قطر، المضيفة للمهرجان، تمكنت بجدارة شهد لها كثير من حضور المهرجان، من أن تكتسح المنافسة وتحصد معظم الجوائز. عملها «مجاريح» حصد ثلاثاً من جوائز المهرجان التسع عدا عن جائزة تقديرية ارتأت لجنة التحكيم منحها لإحدى المشاركات في العرض. بداية حصدت الفنانة البحرينية فوز الشرقاوي جائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ عن دورها في العمل، بعدها حصد الفنان القطري علي ميرزا الجائزة نفسها للفئة الرجالية. ثم جاءت جائزة الشارقة للإبداع المسرحي الكبرى، فيما منحت لجنة التحكيم جائزة تقديرية للفنانة فاطمة شداد التي قدمت أغنيات المسرحية التراثية وتميزت بأدائها «الأوبرالي» الشجي.

«مجاريح « قدمته فرقة قطر المسرحي بمشاركة كل من الفنان القطري القدير علي ميرزا والفنانين القطريين عبدالله أحمد، محمد الصايغ، راشد سعد وفاطمة شداد من قطر، وعبدالله سويد وفوز الشرقاوي من البحرين، ونهاد عبدالله من سلطنة عمان. صمم ديكورات المسرحية المهندس عبدالله دسمال الكواري فيما تولت منى محمدي تصميم الأزياء أما السينوغرافيا والإخراج فكانت لناصر عبدالرضا، فيما تولى يوسف الحمادي الإشراف الإداري، وحمد عبدالرضا الإشراف العام، علماً بأن المسرحية من تأليف الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله. وكانت المسرحية عرضت للمرة الأولى في شهر يوليو/ تموز الماضي بالدوحة.

تسلط «مجاريح» الضوء على قضايا الطبقية وتنقل المتفرجين إلى زمن الحب الجميل من خلال قصة العبد الذي يحب ابنة أحد الوجهاء، وذلك في طرح وأسلوب متميزين من حيث سرد الأحداث أو توظيف بعض الفنون التراثية مثل الطنبورة والليوة بطريقة ذكية خدمت النص المسرحي وحققت لجمهوره متعة فكرية وسمعية وبصرية في آنٍ واحد، إذ جاء النص الموسيقي مكملاً للنص المسرحي لا دخيلاً عليه.

وكما أشار الناقد حمدي الجابري في الندوة التطبيقية التي تلت العرض وتحدث فيها الجابري بشكل رئيسي فإن «مجاريح» «هي عبارة عن قصة حب قديمة قدم عنتر وعبلة، عبد يقع في غرام حرة، ومثل عنتر يتميز فيروز بالفتوُّة والشجاعة والقدرة على المواجهة فيتصدى للظلم دفاعاً عن الغير وعن حبه ولا يشفع له كل ذلك بسبب التقاليد البالية التي تتحقق من خلالها أبشع درجات التمييز الطبقي وسط مجتمع يعاقب الإنسان على لون بشرته رغم أنه لم يرتكب جريمة اختيار لونه أو تغييره».

وأشاد الجابري بمؤلف المسرحية إسماعيل عبدالله «ككاتب خليجي ينبغي التعامل معه بجدية مستحقة بسبب ما يطرحه في نصوصه من قضايا فكرية مهمة وأساليب مبتكرة في التناول الدرامي لموضوعه الذي يعتمد عادة على التصدي لبعض الجروح والنقائص الاجتماعية المفتوحة والتي تنتظر العلاج أو ينبغي التنبه لها على كافة الأصعدة ومنها المسرح».

الجابري توقف عند «المفردات التي لجأ إليها المؤلف خاصة المفردات التراثية الخليجية التي تجعل مشاهد العرض المسرحي يشعر بأنه يكتب عملاً للعرض وليس للقراءة، وخاصة أن هناك نوع من الإبداع الإخراجي الذي صاحب النص ليعطي عملاً واضح الرؤية والمعالم».

وأشار الجابري إلى أن مخرج العرض ناصر عبدالرضا «أتاح لممثليه ليس فقط تقديم شخصية مسرحية واضحة المعالم، وإنما أيضاً استعراض إمكانياتهم الصوتية والجسدية من خلال حركة معبرة كاشفة عن الحالات الانفعالية التي تمر بها الشخصيات في مراحلها المختلفة» مشيداً في ذات السياق بأداء الفرقة الشعبية التي «تفانى الكثير من أفرادها في تقديم كل ما يتمتع المشاهد سمعياً وبصرياً وخاصة نجمة الفرقة الفنانة فاطمة شداد، حيث تحمل كل الأعضاء مسئولية كبيرة وصلت حد التمثيل في بعض الأحيان بجانب الرقص والغناء، وإن كان البطء في دخول وخروج المجموعة قد أدى إلى بطء الإيقاع أحياناً».

الجابري اختتم مداخلته بخلاصة اعتبر فيها «مجاريح» عمل قطري خليجي تتحقق فيه أمنية قديمة عن الوحدة العربية» مؤكداً إمكانية تصدير هذا العرض إلى العالم «لما يمثله من تجسيد فني رفيع المستوى يتفق مع الدعوة العالمية لتمكين المرأة من حقوقها».


المجهول تجريبي أم عبثي...

لم تحصد فرقة مسرح الريف التي مثلت مملكة البحرين في المهرجان أية جوائز، عرضها الذي تابعه الجمهور في ثاني ليالي المهرجان والذي قدمته تحت اسم «المجهول» كان محل اختلاف الحاضرين، بعضهم وجده نصاً تجريبياً تجريدياً ينحو نحو العبث، أو ربما عبثياً، لكن آخرين وإن أكدوا أنه لا يمت للعبثية بصلة، إلا أنهم وجدوا فيه نصاً بعيداً عن تحقيق رسالة المعهد في الاقتراب من هموم الناس. تم الإشادة بتميز موسيقاه التي وضعها حسن المحاري، لكنه رغم كل شيء خرج خالي الوفاض.

وتدور أحداث «المجهول» حول الإنسان الذي يحاول الهروب من الواقع فيصطدم بخوفه من أن يكون الغد أسوأ عندما يضعف الأمل في التغيير، وعندما يصبح الإنسان رهينة لهواجسه، فتصبح هذه الهواجس جداراً وسدّاً لا يستطيع الهروب منه، ليبحر في سفينة المجهول.

«المجهول» من إخراج وسينوغرافيا حسين العصفور وتمثيل عبدالحسين مرهون، حسن العصفور، ابتسام القاضي، علي بدر، إبراهيم البيراوي، وهديل كمال الدين. مدير إنتاجها هو جاسم العالي وهو أيضاً المخرج المساعد، أما الإضاءة فكانت لمحمود الصفا. وكانت المسرحية قد فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي في البحرين لموسم 2009-2010 في مسابقة جوائز التميز التي تنظمها إدارة الثقافة والفنون بقطاع الثقافة والتراث الوطني.

في الندوة التطبيقية التي تلت العرض وقدمها الناقد المسرحي العماني طالب البلوشي أشار البلوشي إلى أن «مجهول الريف البحريني يحمل الكثير من التأويلات من خلال انتظار المخلص الذي أبرزته ولذلك فنحن نساير أحداثها بالتفكير والتحليل كما أن فضاء المسرح تكوم كله في طاولة تفرغ الكثير من صور حياتنا كما أنها تعني التفكير في مصائرنا وحياتنا الخاصة».

وأضاف بأن (المجهول) «رسم صورة أخرى في نفوس الشخوص التي جعلت العصفور المخرج يهيم فيها إعجاباً كما أعجب بهذا النص فانتقاه حيث لعب على حكاية المشاهدة للذات ومحاولة كسر جدار الإيهام في نفوسنا وبالتالي كسر كل الهواجس والأفكار من خلال اجترار الفراغ الوهمي الذي خلق من أجله الجدار العازل.

وأشاد البلوشي بالموسيقى المؤثرة المصاحبة للعرض المسرحي مؤكداً أنها «رسمت بعناية وأظهرت فواصل مهمة تنشط ذرات التفكير» لكنه انتقد «نزوع النّص إلى السوداوية فلم يفتح بريق الأمل فالمخرج من جيل الشباب المفعم عادة بالأمل».


جمعان: العبثية لا تعني الفوضوية

من جانبه، قال الناقد والكاتب المسرحي السعودي سامي جمعان أن «المجهول»: «عرض مسرحي منتمٍ لمزيج من المدارس المسرحية على مستوى النص والإخراج أيضاً، وإن اتكأ كثيراً على التجريب في جانبه الإخراجي، واتكأ على الرمزية في جانبة الكتابي، وغالباً ما يجنح النص الرمزي إلى مثل هذا التجريب الإخراجي المنظم إن صح التعبير».

وأشار جمعان إلى أن العرض «لم يخلُ من شيء من العبثية، والعبثية كمدرسة من مدارس الفن لا تعني التلازم مع الفوضوية، إنما العبثية في خشبة المسرح من شروطها أن تكون منظمة أو بشكل أدق مقننة، وعرض «المجهول» كما وصلني من خلال إشاراته الحوارية وأحداثه يقدم مجموعة من الشخوص يعيشون حالة انتظار لقادم هم يعرفونه ويدركون أبعاد شخصيته، بل وأهميته، والانتظار بحد ذاته حالة مسرحية مكرسة اقتربت من أن تشكل مدرسة بحد ذاتها، لذا فلها أهمية كبيرة في إسقاط العرض أو إحياء، على اعتبار أن الانتظار قابل لأن يكون مملاً كما إنه قابل لأن يكون محفزاً وسريعاً ومفاجئاً».

ويرى جمعان «أن مخرج العرض تنبه لهذا الفخ لذا ركز على حالة الانتظار المتوهجة إيقاعاً، السريعة في ردود أفعالها، وهو ما جعلنا حيال حركة مسرحية ديناميكية إلى حد بعيد، لم تهدأ فورتها منذ أن افتتح العرض حتى نهايته وهي نقطة تسجل لصالح المخرج بلا أدنى شك، الذي لعب على مساحات المسرح ودوزن مستويات الممثل بما يلائم حالة القلق التي يعيشها هو ويعيشها المتلقي معه».

ويشير إلى أن «السينوغرافيا حاضرة على مستوى الديكور والإضاءة، ورغم قلة القطع المستخدمة إلا أن المخرج حاول استثمار القطعة الرئيسية الصندوق بوصفها الطريق الطويل الذي يقطعه القادم، وقد كانت حالة التدوير الحركي التي قدمها المخرج خلال تعبيره عن انتقال الشخوص من مكان إلى آخر أحد الحلول الجميلة والمبهرة أيضاً على مستوى بصرية العرض، إذن ركز التجريب في هذا العرض على ثيمة الانتظار وسعى لأن يخلق لها حلولاً مناسبة، وفي رأيي أن كثيراً من الحلول كانت جيدة».

حول رمزية النص وتأويلاته يفيد جمعان «شعرت في بعض الأحيان أن رمزية النص كانت تقترب كثيراً من الكشف والوضوح وكأنها تريد أن تدلي بواقع معيشة، حتى أن التأويلات في وجهة نظري بدأت تنحصر في حقائق بعينها وهذا شيء لا يعيب الطرح، ولكن يخرجه من حالته الرمزية التي يجب أن تبقى مستغرقة في لعبة تضليل المتلقي، لذا كنت أتمنى أن يجد المخرج حلاً مغايراً للشخصية القابعة فوق الصندوق والتي بدأ عليها الثبات معادلاً لفورة الشخوص الأخرى وحركتها الدائبة».

ويعترف «لم أتفاعل مع الشخصية تلك، وإن كان ممثلها على قدر كبير من الأداء، وسر عدم قبولي كمتلقٍ لتلك الشخصية أنه بدا لي مشتتاً لتلك الحالة الفوارة التي ينتظر فيها الشخوص قادمهم الذي لا يأتي».

ثم يضيف «ولكون الانتظار مسألة جدلية فهو قابل لأن يخلق مفارقات مضحكة وساخرة أحياناً وهو ما كنت أتمنى وجوده كدليل على تباين الشخوص في التعاطي مع حالة الانتظار إلا أن العرض قدمهم جميعاً في قالب واحد تهيمن عليه السوداوية واليأس والانكسار، وهو ما جعل تقبل العرض رغم الصورة الجميلة يشوبه شيء من التلقي الفاتر».

أخيراً يقول جمعان «أمنيتي كقارئ لعرض كهذا أن تضاف عليه بعض التعديلات بحيث تتباين الشخوص في منظورها للانتظار على اعتبار أن النص المسرحي نص بولوفوني قابل لتعدد الأصوات وتنوع وجهات النظر. الحقيقة إن هذا العرض كان يفترض به الدخول في حيز التسابق على الجوائز لاسيما في جائزة الإخراج حيث يحمل شيئاً من الانضباطية لم أرَها في عروض أخرى».


العرض السعودي: اكتشاف من نوع جديد

فرقة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون - فرع الإحساء دخلت حلبة التنافس على جوائز المهرجان من خلال مسرحية البندقية. حصل أحد ممثلها نوح الجمعان على جائزة السينوغرافيا، كما حصلت إلى جانب ذلك على إجماع الحضور بكونها «اكتشاف من نوع جديد على مستوى الإخراج والتأليف والتعامل مع الخشبة».

وتدور أحداث المسرحية ذات النص الرمزي حول العديد من الإسقاطات على حياة صاحب البندقية، والتي تحدد لنا مصيره ومواقفه وقناعاته، من خلال حياة إنسان يعاني العزلة والهروب الدائم والخوف من المواجهة حيث ينتقل من مكان إلى آخر في محاولة مستمرة للبحث عن ذاته والخلاص من مصابه.

يتكون العرض من أربع لوحات تجمع بين عالمي الوعي واللاوعي نزع من خلالها مخرج العرض سلطان النوة إلى توظيف لغة سينوغرافية ذات دلالات عميقة من خلال فضاء مسرحي فارغ مليء بمجموعة من العناصر البسيطة التي تتشكل وتتحول لترسم لنا الأمكنة والأزمنة في آنٍ واحد.

المسرحية من تأليف الكاتب عبدالعزيز الطايع وتمثيل نوح الجمعان، منصور الذكر الله، عبدالرحمن المزيعل، خالد الخليفة، عثمان الدحيلان، عبدالله التركي، التقنيات الفنية لزكريا المومني، الإضاءة لعباس الشويفعي، أما أغاني المسرحية فقد قام عمر الخميس ومحمد الحمد بتلحينها وأدائها. وكانت المسرحية قد سبق وأن شاركت في الدورة الأخيرة لمهرجان الجنادرية في مسابقة «12 ساعة مسرح دون انقطاع».

في الندوة التطبيقية التي تلت العرض اعتبر المسرحي السعودي القاص والناقد فراج الشيخ الفزازي «البندقية» «نموذجاً حيّاً للحراك الثقافي الواضح في المملكة العربية السعودية» مفيداً بأنه استحضر أرسطو وهو يقلب في النص المسرحي باحثاً عن ريح الإبداع فيها والتأثر، مشيراً إلى أنه أشفق على المخرج وهو يقوم بهذه العملية إذ «كيف سيتعامل مع النص الذي يحبل بالكثير من التحامل وخاصة أنه عبارة عن قصة قصيرة تتكون من أربع لوحات يتحامل بعضها على بعض لكونها أشبه بالغرف المغلقة التي لا نوافذ ولا أبواب ولا إضاءة ولا تهوية يمكن للمخرج النفوذ من خلالها لتقديم العرض المسرحي».


غلوم: «البندقية» بشارة موازية لنص مكثف

أستاذ النقد الأدبي الحديث الدكتور إبراهيم غلوم أشاد بالعرض السعودي الذي «يعتمد على نص مغلق الحبكة ومكثف اللغة وفيه نوع من الشح في الصور الدرامية» مشيراً إلى أن «النص نص لغوي ذو متن لفظي أكثر من كونه دراما محسوسة ولكن من حسن الحظ أنه وقع النص في يد مخرج موهوب وعنده حساسية درامية دقيقة وشعرية متوترة درامياً».

وأضاف رئيس اللجنة الدائمة لمهرجان المسرح الخليجي للفرق الأهلية بأن «المخرج سلطان النوة يمتلك حساسية درامية متوترة وقدرة على استنباط الصور الدرامية من نص مكثف مغلق الحبكة تهيمن عليه متنيه لفظية شديدة» مشيراً بأنه نتيجة للتقاطع بين هذه الحساسية التي يمتلكها المخرج وخصوصية النص «فقد خرج العرض متميزاً بصفة لم يتميز بها عرض آخر في المهرجان، إذ إن المخرج استطاع أن ينحي النص أو يهمشه أو يؤجل عمل المتن اللفظي طوال فترة العرض. هذا التأجيل أفاد تجربة هذا المخرج الشاب بأن قدم لنا عرضاً لا يمكن تقييمه إلا من حيث كونه عرضاً وبصرف النظر عن النص وحتى عن التمثيل».

وحول إمكانات العرض، أضاف غلوم «التمثيل عادي وبسيط ومتواضع الإمكانيات وكذلك النص وقد وصفته بالانغلاق والكثافة والمتنية اللفظية لكن المخرج رغم ذلك صنع عرضاً يمتلك قدرة درامية تصويرية مدهشة والسبب في ذلك أنه استخدم صورة درامية موازية للنص لا أقول معبرة عن النص ولكن موازية تماماً للنص، فالاشتغال الموازي هنا في العرض كون صورة درامية محددة مكثفة ومركزة وتمتلك رؤية شعرية وقدرة تجريبية عالية جداً وتمتلك إمكانيات التواصل الدرامي مع المتلقي لكن قبل ذلك كله تمتلك خاصية منفردة وهي أنها كونت كل هذه الطبيعة الدرامية من خلال مفردة واحدة محسوسة وهي سعفات النخيل المتحجرة المتيبّسة.

وأضاف «المخرج استطاع أن يكون من هذه السعفات الصفراء اليابسة لغة كاملة مجموعة من المفردات الدرامية المتكاملة المتواشجة في صيغة العرض. لم تكن السعفات سعفات يابسة يبّستها الشمس والظهيرة لكنها كانت مجموعة إشارات سيميائية لا حصر لها فهي تربة وهي أرض اغتصب كما يقول العرض وهي طيور أحياناً صغيرة أو ضخمة أو خرافية وهي تربة تتساقط وهي بناء يشيد وهي منبر يصل إلى أعلى مستوى في فضاء المسرح هي أكثر من ذلك هي شفرة أيضاً تدل بشكل مباشر على الوطن وعلى المكان بكل منظومته السياسية والاجتماعية والثقافية. هذه المفردة استطاعت أن تكون مجموعة هائلة من المفردات وكونها فعلت ذلك فقد نحت تماماً النص أو المتن المنغلق المحكم بكثافته الخاصة نحته وتركت لنفسها حرية أن تتشكل في هذه الفضاء وأن تعطي المتلقي فسحة أو حرية كاملة لأن يؤول أو يرى فكرة العرض من هذه السعفات فقط لا غير».

واستطرد مشيداً بالعرض «هذه الحالة التي ولدها هذا العرض حالة فريدة من نوعها ولا أعتقد أن عروض المهرجان كلها قد استطاعت أن تحقق ما حققه هذا العرض ولذا أعتقد أن لجنة التحكيم كانت مصيبة عند ما أعطتها جائزة السينوغرافيا. هذا العرض مكسب كبير لهذه الدورة والمجموعة التي اشتغلت وجدت فيها الكثير ما أحبس به الجيل أو الصف الجديد في السعودية الذين يقفون الآن في مقدمه الحركة المسرحية وفي موقع مهم جداً يطمح إلى أن يحقق خطاً متميزاً لحركة مسرحية غير مستهلكة في أي مكان في الوطن العربي، ما يعبر عنه العرض خط جيد في مسار الحركة المسحية العربية وأنا أتصور أن وقوف المخرج سلطان النوة والمؤلف عبدالعزيز الطايع ومجموعة الشباب من أمثال سامي جمعان الذي يمتلك تصور نظري وإبداعي في سياق يتصل بما ذكرته عن هذا العرض أعتقد أن هذا العرض بشارة قوية جداً لأفق أو لمستقبل الحركة المسرحية في المملكة العربية السعودية.


المنصور: «مواء القطة» سوداوي يرسل إشارات فلسفية

فرقة فكر وفن العمانية التي تشارك للمرة الأولى في هذا المهرجان، قدمت عرضاً مسرحياً تحت اسم «مواء القطة» فازت ممثلته ميمونة البلوشي بجائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي. العمل كان قد حصل على عدة جوائز في مهرجان المسرح العماني، من بينها جائزة العمل المسرحي المتكامل إضافة إلى جوائز أفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل إخراج بالإضافة إلى جائزة أفضل نص مسرحي. المسرحية من تأليف بدر الحمداني وإخراج مالك المسلماني، أما التمثيل فكان لميمونة البلوشي وحمود الجابري. السينوغرافيا كانت لحمد الزدجالي وأثمار عباس، فيما تولى الإضاءة حسين العلوي، وإبراهيم المحروقي في الديكور.

تمتلئ المسرحية بكثير من الإسقاطات الإنسانية وتدور فكرتها حول الإنسان المنكسر الذي يحشر نفسه في غرفته كما تحشر القطة نفسها بين الباب، بحيث يصبح غير قادر على مواجهة العالم ما يضطر زوجته لبيع نفسها من أجل لقمة العيش.

الناقدة المسرحية البحرينية زهراء المنصور قالت في تعقيبها على العرض، إذ كانت المتحدثة الرئيسية في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، بأن «مواء القطة» يرسل مجموعة من الإشارات إلى المتلقي من خلال مجموعة من الحكايات التي يمكن إعادة بنائها لتمنح في النهاية نصاً ينفتح على كل الاحتمالات» وأفادت بأن المتلقي يجد نفسه أمام نص فلسفي ملغوم يفتح النوافذ على كل الاحتمالات خاصة في ظل مجموعة من الإشارات والعلاقات التي تولد في ذهنه مجموعة من المعلومات. وأشارت المنصور إلى رمزية الأسماء التي تم استعمالها في العرض من خلال شخصية «أبوشوارب» التي تقابل في الخيال العربي معنى الفحولة والرجولة وعذراء التي تعتبر مرادفاً للبراءة والطهارة. كذلك تحدثت المنصور عن رمزية الباب الذي تم توظيفه في النص وهو ما يعني عادة البحث عن طريق، لكن المؤلف كما تشير المنصور وظفه لتبيان ذلك الحشر الذي يحصل وراء الباب من خلال القطة التي تم حشرها. وحول رمزية الألوان توقفت زهرة عند كل لون تم توظيفه فوق خشب المسرح إذ اعتبرت الأحمر إحالة إلى الحرب والحب، رغم عدم تماشي ذلك مع صفات البطل أو البطلة.

كذلك توقفت المنصور عند بعض المشاهد التي تحبل بالدلالات الرمزية مثل استعجال فتح الباب. أما السينوغرافيا فقالت عنها المنصور إنها كانت ذات طابع سوداوي وأنها تكرس التعبير عن قلق البطلة والبطل.


«تاتانيا»: محطة اختبارية

مهمة تكشف السلطة الدينية

مخرج العرض الكويتي «تاتانيا» عبدالعزيز صقر حصل على جائزة الإخراج المتميز، لعمله الذي تشارك به فرقة مسرح الخليج العربي، وهو من تأليف بدر محارب، ومن تمثيل ميثم بدر، ناصر الدوب، عبدالعزيز بهبهاني، فاطمة الصفي وإبراهيم الشيخلي، وفاطمة القلاف. الإضاءة لفهد الفلاح، أما الموسيقي فهي لبدر سالمين وعبدالله محمد وعقيل بدر.

تعرض المسرحية الصراع بين العلم والجهل من خلال قصة قرية «تاتانيا» وهي قرية متخيلة يقطنها مجموعة من الفقراء والمهمشين، يسودها الجهل بسبب تحكم القس في حياة أهل القرية وبسبب قرارات العمدة التي يرأسها. يبدأ الصراع بعد وصول أحد المعلمين إلى القرية لتعليم سكانها إلا أنه يواجه بالقس ورئيس الشرطة. وقد تميز العرض بالحركات الإيقاعية والتعبيرات الحركية التي امتلأت بها مشاهدة وباستخدام المخرج لتقنية الفيدباك لربط كثير من اللحظات.

في تعقيبه على العرض اعتبر الناقد يوسف الحمدان محطة اختبارية يدشنها الفنان المخرج عبدالعزيز صقر برؤية فكرية وفنية فاحصة ليقتحم من خلالها أفضية النص المغلقة والقلقة والمقلقة في آنٍ.

وأشار الحمدان إلى أن المخرج جعل العرض المسرحي حدثاً متوالياً ومثيراً لا تشوبه أية إنشائية طافرة أو عابرة وخاصة أن الأحداث المتوالدة لا تشوبه أية إنشائية طافرة أو عابرة وخاصة أن الأحداث المتوالدة المشفرة يرسى صفر من خلالها دعائم تجربته المختبرية».

وقال الحمدان إن «العرض يتمتع برؤية حفرية مدركة لأبعاد اللعبة وخاصة أنه نجح في تحويلها إلى شظايا في لحظات أشبه في مجملها بلحظة السخرية التي تختزل عفن السلطة الدينية في لعبتها المكشوفة والفتكية في آنٍ لأي لحظة تتنفس فيها كلمة الحرية أو حق الاختيار».

وأكد الحمدان بأن المسرحية «محطة اختبارية مهمة وجديرة بالتأمل وخاصة أن النص معاصر لمخرج معاصر قدم عرضاً معاصراً وأجساداً كلها تدرك أهمية وجودها وحضورها وفعلها في العرض».

«سلوقي»: مسرحية

غير بريئة تجمع ثنائياً جميلاً

خاتمة العروض جاءت مع العرض الإماراتي «سلوقي» الذي حصد ممثله حميد فارس جائزة أفضل ممثل في دور أول، فيما حصل كاتبه إسماعيل عبدالله على جائزة أفضل نص مسرحي، كذلك حصل العمل على جائزة أفضل العروض المسرحية، أفضل عرض ثانٍ.

المسرحية التي قدمها مسرح الفجيرة القومي مستوحاة من رواية «قلب كلب» لميخائيل بولفاتوف، وقد قام الكاتب إسماعيل عبدالله بمعالجتها وكتابة الحوار، فيما أخرجها الفنان حسن رجب.

وتتناول المسرحية فكرة تحكم طباع الطمع والجشع في نفوس البشر ما يدفعها إلى خيانة من أحسن عليه. والمسرحية من تمثيل هدى الخطيب، أمل محمد، جمعة علي محمد، حميد فارس، وحسن البلوشي.

الندوة التطبيقية التي تلت العرض تحدث فيها أستاذ المسرح بجامعة الكويت الدكتور نادر القنة الذي اعتبر «سلوقي» «نموذجاً لمجموعة من المقاربات التي تكرس الإمارات كعاصمة للمسرح العربي الذي انطلق منذ تسعينيات القرن الماضي وتبنى التوجه العربي القومي وبالتالي فإن أي عرض إماراتي يكون محملاً بهذا المعنى».

وأشاد القنة بالثنائي المسرحي الجميل الذي كونه مؤلف العمل إسماعيل عبدالله مع مخرجه حسن رجب كما أشار إلى أن وجود الفنانة هدى الخطيب «يمنح بعداً آخر للعرض المسرحي خاصة أنها مكسب لأي عمل تشارك فيه».

كذلك أشار القنة إلى أن العرض «عرف نوعاً من التجاوب بين الشعر والنثر والأغنية والإيقاعات المصاحبة وهو ما أعطاه ميزة خاصة».

أما السينوغرافيا فقد أشار القنة إلى أنها جاءت على استحياء وغير فاعلة كما إن جمودها أعطى انطباعاً بالخروج عن الإطار الجمالي»، وأفاد بأن المسرحية «غير بريئة من النقد الاجتماعي الداخلي إذ يبدو المؤلف وكأن عينه على المجتمع حال كتابته».

العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:24 ص

      شكرا

      شكرا للكاتبه منصوره عبدالامير علي تغطيتها للعروض المسرحيه التي قدمت خلال فترة المهرجان وان اختلفنى مع بعض الاراء النقديه لتقيمها للعروض وللحقيقه المكسب الحقيقي من هذه العروض ان يكون للمسرح الخليجي طابع خاص فيه

اقرأ ايضاً