العدد 3054 - السبت 15 يناير 2011م الموافق 10 صفر 1432هـ

العبـرة من أحـداث تونس

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تطور شبه دراماتيكي «أطاحت الاضطرابات الدامية التي تعصف بتونس منذ شهر بالرئيس زين العابدين بن علي الذي غادر البلاد، فيما اعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي تولي السلطة مؤقتا، وفي واشنطن اعلن البيت الابيض ان للشعب التونسي الحق في اختيار زعمائه في رد فعل على مغادرة بن علي». مما يعني عدم شرعية نظام «بن علي» على المستوى الداخلي، وخيبة أمل الحلفاء فيه على الصعيد الخارجي.

تفاوتت ردود الفعل على تلك التطورات، وتباينت التحليلات التي رددها من تابع الأحداث التونسية منذ اندلاعها حتى سقوط النظام الحاكم فيها، وتمحورت أهمها حول الرؤى التالية:

الأول تبسيطي مسطح حاول أن يحصر أسباب سقوط امبراطوية «زين العابدبن بن علي»، وتداعي أركان نظامه القائم لما يزيد على ربع قرن، في إقدام الشاب التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه كتعبير صارخ على تردي الأوضاع المعيشية في ولاية «سيدي بوزيد»، ومن ثم في كل أرجاء تونس.

الثاني تبريري، وفيه محاولة مبطنة لتبرئة ذمة النظام التونسي، وإلقاء المسئولية على الحلفاء الغربيين، فيرجع ما جرى إلى ذلك تلاشي «الحضور الإيجابي» الذي كان يحظى به نظام «بن علي» لدى الدوائر الحاكمة في الغرب، وخصوصا لدى «الأم الحنون»، فرنسا، مما أدى بها إلى ان ترفع أيادي دعمها الذي كان يتمتع به، الأمر أغرى القوى الداخلية الأخرى وشجعها على الإقدام على إزاحته، والاستيلاء على السلطة في البلاد.

الثالث، شمولي، متكامل، وواقعي، شخص تداعى أركان نظام «بن علي» في ثلاثة أسباب رئيسية هي، الأول داخلي مصدره طبيعة الحكم الاستبدادي الذي كان يوفر غطاء الحماية البوليسية/ الاستخباراتية التي كان لا يستغني عنها «بن علي»، لإحكام قبضته على مقدرات الحكم في البلاد، وتفاعل ذلك - إيجابيا لكن بشكل سيئ - مع أمراض النظام الأخرى من ظلم اجتماعي، وفساد سياسي، كي يتكامل كل ذلك في نخر النظام من داخل دوائره الذاتية، وتنامي الإحباط وخيبة الأمل في صفوف المواطنين خارج إطار القوى المستفيدة منه على المستوى الوطني الشامل.

والسبب الثاني خارجي، يستمد رؤيته من ان تردي الأوضاع الداخلية في تونس أوصلت الدوائر الحاكمة في الغرب إلى قناعة راسخة باستنفاد النظام التونسي القائم، كل مقومات الاستمرار، ومقومات الاستقرار، وبات جراء كل ذلك، حصانا خاسرا في سباق السيطرة على مقدرات الأمور في تونس، وخدمة أغراض تلك الدوائر للاستفادة من تونس، والثالث، وهو القشة التي قصمت ظهر البعير، أو القطرة التي أدت بكأس الماء كي تفيض، وهي انتحار البوعزيزي، الذي، كما يرى هؤلاء، لم يجد امامه من وسيلة للتعبير عن حالة اليأس التي تحيط به سوى الانتحار.

خطأ من يعتقد ان انتحار البوعزيزي وحده هو الذي أطاح بنظام «بن علي»، وخطورة هذا الطرح هو إمكانية أن تتلقفه بعض القيادات السياسية الانتهازية في البلدان العربية، فتروج لمثل هذا الطريق، فنشهد المزيد من الانتحارات في الأيام القليلة القادمة، مصدرها ثقة الشباب الساذجة في تلك القيادات التي سوف تغطي على كل العوامل الأخرى، وتبرز هذا العامل وحده وتضخم من دوره في الإطاحة بنظام «بن علي» خدمة لمصالحها الذاتية، كي تفاوض الأنظمة الحاكمة، ومن منطلقات أكثر قوة، كي تحقق المزيد من المكاسب الحزبية الذاتية، او الفردية الشخصية.

ويرتكب خطا أكبر، من يحصر الأسباب في العوامل الخارجية، حيث يحاول المروجون لمثل هذه التفسيرات، إلغاء الدور الاستراتيجي الكبير الذي تمارسه القوى الداخلية، ويهمش قدرتها في إحداث أي تغيير داخلي، ما لم يكن مربوطا ومرضياً عنه من قبل القوى الخارجية.

تغليب دور القوى الخارجية على ما يمكن ان تقوم به القوى الداخلية، مفهوم ساقط سياسيا، وأثبت فشله في أكثر من موقع عبر التاريخ. يمكننا، لإثبات سقوطه الملموس، أن نستعين بالطرح السوفياتي، ومن ورائه آلة الإعلام السوفياتي الدولية الضخمة حينها، الذي صفق للتدخل السوفياتي في أفغانستان في السبعينيات من القرن الماضي، أو مثيله الغربي الذي لايزال يعيث فسادا في أفغانستان ذاتها. كلاهما همش دور القوى الداخلية الطامحة للتغيير، كي تحل مكانها قواته، وكلاهما فشل في تحقيق الأهداف التي غزا أفغانستان من أجلها، لكن بعد أن أطاح بالمعارضة الوطنية الأصيلة، وأزاحها من مقاعدها الطبيعية.

نصل إلى التحليل الثالث، والذي برأينا هو الأقرب للصواب، فما جرى في تونس وقاد إلى ما قاد إليه، هو تفاعل الرفض الداخلي للنظام، وتقاطعه مع يأس الحلفاء الخارجيين من جدوى التمسك به، مما أدى إلى تجريد نظام «بن علي» من قوى قمعه الداخلية، وفقدانه لعوامل الإسناد الخارجية.

بقيت نقطة لابد أن نتوقف عندها ونحن نعالج الحدث التونسي، فقد أعلن الغنوشي لحظة تسلمه قيادة البلاد بصفته رئيساً بالإنابة، أنه «بوسع كل المعارضين السياسيين المهجرين العودة إلى بلدهم، من دون أن يتعرضوا لملاحقات قضائية أو تضييقات»، وأكد في الأثناء «إطلاق كل الموقوفين في الاحتجاجات».

كثيرا ما تدعي القيادات العربية تقيدها بمثل هذه السياسات، لكنها لا تلبث أن تتراجع عنها، وتلعق ما التزمت علناً به، وما يأمله المواطن التونسي، ويشاركه ذلك المواطن العربي، ان تصف نوايا حاكم عربي واحد كي يشكل الاستثناء في تاريخ الوطن العربي المعاصر، هذا أولا، وأن يتعظ الحكام العرب، من الدرس التونسي، القائل إن الظلم والفساد عمرهما قصير، طال الزمان بهما أم قصر

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3054 - السبت 15 يناير 2011م الموافق 10 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:27 ص

      لو بيعتبرون

      اعتبروا من زمان

    • زائر 1 | 10:34 م

      كانت المؤتمرات تعقد في تونس للإشادة بتجربتها في شتى مناحى التنمية المستدامة

      خلال العام 2010 عقدت عدة مؤتمرات تدعي فيه تونس الريادة في التنمية المستدامة ورغم المبالغ الضخمة التي صرفت على تلك المؤتمرات وشاركت الدول العربية فيها ،، يجب توضيح للناس اللى صفقوا لتلك التجارب سبب فشل تلك المؤتمرات لما ترى مجريات الأمور تسير عكس ما يتم طرحه من إدعاء للتميز

اقرأ ايضاً