العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ

منتدى المستقبل على مفترق طريق تونس

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

خاطبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون اجتماع «منتدى المستقبل» على مستوى وزراء الخارجية المنعقد في العاصمة القطرية (الدوحة) في 13 يناير/ كانون الثاني 2011 بقولها «إن مؤسسات المنطقة تغرق في الرمال»، مطالبة الأنظمة الحاكمة بـ «فتح أنظمتهم الاقتصادية والسياسية».

وحذرت دول المنطقة من أن البطالة تجاوزت 20 في المئة في أوساط الشباب. وأن الناس تعبت من فساد الاقتصاد وركود النظام السياسي وتطالب بالإصلاحات.

أما صلاح الدين الجورشي، القادم من تونس الانتفاضة، وممثل المجتمع المدني فخاطب الحضور بصراحة معبرة عن معاناة الجماهير العربية بقوله «لن أتحدث عن تونس فكل البلدان العربية تعيش إرهاصات تونس». وطرح ملاحظات جوهرية أهمها:

1 - إننا اليوم نمر في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية مركبة هي نتيجة الحكم الاستبدادي المديد، فحتى العديد من البلدان الإفريقية سبقتنا في التنمية وإرساء الديمقراطية.

2 - تجري في البلدان العربية انتخابات صورية، تحاول إضفاء الشرعية على الأنظمة الحاكمة، لكن هذه الانتخابات تفتقد إلى الشرعية الجماهيرية ولا تؤدي إلى التغيير.

3 - لقد تراجع سقف الحريات، وضيق بالعمل السياسي الشرعي وبآمال التغيير السلمي مما لا يترك أملاً أمام الجماهير سوى الانتفاض، ومع غياب منظمات قيادات سياسية جاهزة لتداول السلطة، فإن هناك مخاطرة كبيرة بالعنف والخراب. بل والحرب الأهلية.

4 - إن أمامكم خياراً واضحاً وهو إما الاعتراف بالمجتمع المدني بما في ذلك المجتمع السياسي، والتعاون جميعاً للخروج من الأزمة بسلام وإحداث التغيير والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة وإما الانزلاق إلى المجهول.

هذان الموقفان وإن كانا من موقعين مختلفين ودوافع متباينة، إلا أنها تلتقي في تشخيص الوضع العربي الراهن.

تختزل تونس هذا الوضع ما بين نظام استبدادي فاسد وعاجز في طريقه إلى الزوال وتونس المستقبل الديمقراطي الزاهر، بفضل ثورة الياسمين التي روتها دماء الشهداء وتضحيات أجيال من التونسيين.

ساد الوجوم وجوه غالبية وزراء الخارجية والمسئولين من الدول العربية وغرب آسيا المجتمعين مع نظرائهم من الدول الثماني الكبرى وبعض الدول الأوروبية.

المنطق التبريري والهروب إلى الأمام:

لم يحاول أي من وفود الدول العربية، التصدي لجوهر المشاكل التي طرحها ممثلو المجتمع المدني في وثيقتهم التي قدموها للمؤتمر، والصادرة عن مؤتمرهم الموازي يوم 11 يناير 2011 في الدوحة والذي سبق المؤتمر الرسمي، والتي تشخص معالم الأزمة التي تعيشها المنطقة العربية ولا التوصيات الواضحة التي خرج بها المؤتمر الموازي كحصيلة لثلاث ورش إقليمية وست ورش وطنية ومنها ورشة البحرين.

غالبية المتحدثين الرسميين العرب سرد الجهود الكبيرة التي تبذلها بلدانهم في التحديث والتحول الديمقراطي ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي هم غير مسئولين عنها. وتغزل العديد منهم بالمجتمع المدني والحريات الواسعة التي يتمتع بها والتنمية السياسية والاهتمام بالشباب ورعايتهم وبالمرأة وشراكتها مع الرجل.

كما لم يتوانوا بالتوجه إلى الدول الثماني الكبرى بعرض المشاركة والتعاون بل وتوجيه اللوم لهذه الدول في عدم دعمها الكافي لهم لتنفيذ هذه الإصلاحات.

لكن بعض الدول العربية وفي محاولة للهروب إلى الأمام فإنها استندت إلى التلويح بسلاح السيادة الوطنية والتشريعات الوطنية والخصوصية الوطنية، بحيث لا تتعارض المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية، ومحاربة الفساد، والإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية والمشاركة المجتمعية بهذه المسلمات، وهو كلام حق يراد به باطل.

إن الدول ذاتها قد فتحت بلدانها للقواعد الأميركية والغربية وهي منصاعة للسياسة الأميركية والغربية بما في ذلك ما يخص قضية العرب الكبرى قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني.

أما التشريعات الوطنية فهي إما غير عادلة أو متخلفة أو غير موجودة فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق المواطنين. وحتى الدساتير يجري الاستهانة بها وتغييرها لتتواءم مع إرادة الحاكم. والخصوصية الوطنية يلوح بها فقط لتكريس العبودية وكأننا شعوب لا تستأهل الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.

الحدث التونسي حاضر بقوة في المؤتمر لكن الجميع تحاشوا التعرض له مباشرة، فالدول العربية محرجة والدول الغربية غير متيقنة من انتصار ثورة الشعب التونسي ولذلك لا تريد المجازفة بالتخلي عن نظام خدمها طوال أكثر من عقدين، ولذلك استخدمت لغة مزدوجة. وحتى بعض ممثلي المجتمع المدني ورغم فرحتهم وتفاؤلهم بما يجري من أحداث تاريخية في تونس فلم يكونوا متيقنين بانهيار النظام الاستبدادي بسرعة.

الموقف الغربي وليس الأميركي وحده يدرك خطورة الجمود الذي تعيشه دول المنطقة وتكلس أنظمتها، وشيخوخة زعمائها، وتوارث الحكم في الأسر ذاتها سواء أكانت ملكية أو جمهورية.

وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل ايلوى ماري كررت تأكيدها تمسك فرنسا بالحريات والديمقراطية والحريات الدينية والتسامح والتنوع ومواجهة التعصب والإرهاب، ليس في فرنسا وحدها بل في العالم أجمع. وحذرت الحاضرين من أن حكم التاريخ علينا بالأعمال وليس التصريحات.

الدول الثماني الكبرى والدول الغربية عموماً عبرت ومن زوايا مختلفة عن قلقها من أوضاع دول المنطقة (الشرق الأوسط وغرب آسيا كما يسمونها)، وعرضت لبعض الإيجابيات التي تحققت مثل النمو الاقتصادي المرتفع لدول مجلس التعاون والتجارب الرائدة لرواد الأعمال الشباب وتمكين النساء.

كما أكدت هذه الدول على ما يجمعها مع هذه الدول في إطار منتدى المستقبل من أهداف مشتركة تأسس عليها منتدى المستقبل وعرض كل منها المشاريع التي يقترحها لمساعدة هذه الدول. أحد ثمارها مؤسسة المستقبل التي أقيمت في عمان والتي تقوم بتمويل مشاريع منظمات المجتمع المدني وتنظم الندوات والورش لمنظمات المجتمع المدني لتعزيز معرفته وقدراته.

كما أن هناك بعض البرامج الناجحة مثل دعم وتمويل رواد الأعمال الشباب وتمكين النساء وتوفير منح تعليمية. كما تم إقرار مركز النوع الاجتماعي ليقام في مراكش بالمغرب وبتمويل إماراتي وخبرات متنوعة.

لكن كل ذلك لا يخفي مأزق منتدى المستقبل وهو ما سنتعرض له في حلقة أخرى. وقد تجسد هذا المأزق في عدم صدور البيان الختامي الذي جرى التفاوض عليه طوال شهرين، وعندما دقت ساعة الحقيقة فشل المجتمعون في إصدار البيان نتيجة الخلاف حول فلسطين هل ستكون دولة ذات سيادة على أراضي 1967 وعاصمتها القدس، أم تكون مجرد محمية إسرائيلية منزوعة السلاح وضم أكثر من 45 في المئة من الأراضي التي تقوم عليها المستعمرات الإسرائيلية وكامل القدس إلى إسرائيل؟، وهو أيضاً ما سنتعرض له وغيره من الخلافات في القادم من الأيام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً