العدد 3063 - الإثنين 24 يناير 2011م الموافق 19 صفر 1432هـ

قمة شرم الشيخ وضياع فرصة المراجعة (1 - 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقدت القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية الثانية في شرم الشيخ في 19 يناير/ كانون الثاني العام 2011 في ظل الحدث التونسي الذي فرض نفسه بقوة على القمة، ولكن مرة أخرى فقد ضيع الزعماء العرب فرصة ثمينة لمواجهة تحدي الحدث التونسي بما يحمله من دلالات للبلدان العربية كلها.

وحده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من بين المسئولين العرب تعاطى مع الحدث التونسي ودلالاته عربيا بقوله: «إن ما يحدث في تونس من ثورة ليس أمراً بعيداً عن موضوع هذه القمة، أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودرجة توازنها وتصاعدها وشموليتها وحسن توزيعها. وليس بعيداً عما يدور في أذهان الجميع أن النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية التي تزخر بالإشارة إليها تقارير دولية وتقارير الأمم المتحدة بصفة خاصة».

وأشار إلى «أن كل ذلك يضاف للمشكلات السياسية التي لم تستطع حل غالبها ولم تتمكن القوى الكبرى من حسن إدارتها ولم تكن قد زادتها تعقيداً وأوردتها موارد الفشل فأدخلت المواطن العربي في حال غضب وإحباط غير مسبوقة».

«إن ما نحتاج إليه بكل قوة هو أن نحدد عنوان المرحلة ونحن على أبواب عقد جديد والعنوان في رأيي هو كلمة النهضة».

لقد طرح عمرو موسى لب المشكلة لكنه قفز إلى الاستنتاج بمسئولية الدول الكبرى لما نحن فيه من أوضاع محزنة. والدول الكبرى ليست بريئة بالطبع فيما نعانيه لكنها مسئوليتنا الأولى عما نحن فيه. كما أننا حكامنا هم من يمكن الدول الكبرى للتدخل في شئوننا. وكان البيان الختامي قد عبر عن ذلك بالقول: «إن القادة العرب يعربون عن رفضهم الكامل لما تم رصده من محاولات لبعض الدول والأطراف الخارجية التدخل في شئون الدول العربية بدعوى حماية الأقليات الشرقية، وأنهم يدركون أبعاد ومرامي هذه التحركات المريبة ويرفضون أي محاولات للتدخل في الشئون العربية تحت أي مبرر».

لقد تعاطت القمة مع جانب فقط من تدخل الدول الكبرى ويقصدون به تعاطيها مع قضية المسيحيين في مصر والعراق، وتغاضت عما هو أهم وهو الارتهان السياسي والاقتصادي لمعظم الدول العربية للإرادة الغربية، وخصوصا الولايات المتحدة، وفيما يخص أخطر القضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتتبعها لبنان والسودان والعراق والأمن الخليجي وغيرها.


الحدث التونسي وتحدي المواجهة

طرح الحدث التونسي نفسه بقوة على قمة شرم الشيخ فلقد أحدث انهيار نظام زين العابدين بن علي السريع، وهو الذي كان ينظر إليه بالنظام الكلي الجبروت والنموذج الناجح للازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والتصدي للتطرف «الإسلامي الأصولي». وقد أحدث ذلك هلعاً لدى غالبية الأنظمة العربية، وفرض تغييراً على جدول أعمال القمة. لكنه لم يحدث انعطافاً جذرياً في معالجة التحديات التي تواجه العرب والتي من أجلها انعقدت القمة والتي أشار إليها عمرو موسى في خطابه.

تكرر في كلمات القادة العرب تعبيرات احترام إرادة وخيارات الشعب التونسي والدعوة لتكاتف جهود الأشقاء في تونس لتجاوز المرحلة الدقيقة، والحرص على الاستقرار وتمنياتهم للشعب التونسي بالاستقرار والتقدم. بل وذهب بعضهم مثل الرئيس السوداني إلى تهنئة الشعب التونسي بالتغيير.

أما جدول الأعمال المعد سابقاً فقد ظل على حاله ويشمل مشروع ربط النقل البري والسكك الحديدية والربط الكهربائي والأمن الغذائي وغيره، لكن المداولات تركزت على مواجهة الأزمة الخانقة التي تواجهها جميع الدول العربية بدرجات متفاوتة، وهي فشل التنمية المستدامة والبطالة المتزايدة وخصوصا في أوساط الشباب المتعلمين، والفقر المتزايد والذي وصل إلى حالات الجوع كما في السودان واليمن، وهجرة العقول والسواعد العربية إلى الغرب ومن الواضح أن عدة عوامل أسهمت في هذا التحول أهمها:

1 - الحدث التونسي والذي أظهر أن الاستقرار الظاهر الذي يتمتع به الوضع التونسي كما هو الوضع في غالبية الدول العربية يخفي أزمة عميقة واضطراباً في النفوس لا تحتاج سوى إلى صاعق مثل حرق محمد البوعزيزي لنفسه لتفجر براكين الغضب الكامنة، وخصوصاً في أوساط الشباب.

لقد فشلت الأنظمة العربية في تأمين لقمة العيش والحياة الكريمة والحرة للإنسان العربي، ودفعته إلى الشعور بالمهانة واليأس. والذي ليس غريباً أن تنتشر ظاهرة الانتحار حرقاً، بعد أن سادت ظاهرة العمليات الانتحارية. لكن الجديد الآن هو في تفجر الاحتجاجات الجماهيرية وكثير منها عفوي في أكثر من بلد عربي، في تونس بالطبع والجزائر ومصر والسودان واليمن والأردن وحتى في بلدان البحبوحة النفطية في عمان والسعودية. ورغم أنه ليس بالضرورة أن تؤدي هذه الاحتجاجات والهبات الجماهيرية إلى إسقاط الأنظمة، إلا أن المثال التونسي نذير بالخطر.

2 - أنه لأول مرة منذ زمن تتوحد مشاعر الشعوب العربية مع ثورة الياسمين التونسية واستلهام الثورة التونسية والتمني بتكرار الحدث التونسي في أكثر من بلد. وفي المقابل فقد توحدت الأنظمة العربية في موقفها السلبي تجاه انتفاضة الشعب التونسي والقمع الوحشي للنظام ضد جماهير الشعب العزل على أمل أن تنهك الانتفاضة ويمسك الطاغية زين العابدين بن علي بزمام الأمور ويؤدب المنتفضين، بل وذهب بعضهم مثل الزعيم الليبي معمر القذافي إلى تأييد الطاغية زين العابدين بن علي تسهيل هروبه وتقريع الشعب التونسي لإزاحته.

هنا حدث الافتراق بين مواقف الشعوب ومواقف الحكام والذي ليس غريباً أن تنادي التظاهرات الغاضبة في أكثر من بلد عربي بسقوط طغاتها نظراء الطاغية زين العابدين بن علي.

3 - حضور ممثلين غير حكوميين لإحدى جلسات القمة في خطوة محدودة، حيث عقدت اجتماعات موازية لمنظمات المجتمع المدني وقطاع الأعمال في كل من بيروت والقاهرة. ولأول مرة تسمح القمة العربية لممثلين عن المجتمع المدني وقطاع الأعمال والمرأة والشباب بمخاطبة القمة.

ولقد قدم المتحدث باسم المجتمع المدني المندوبة اليمنية خلاصة لرؤية بديلة للمجتمع المدني العربي والتي تم التوصل إليها في مؤتمري بيروت والقاهرة. وهي تربط بين الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وتجارية وتعليمية ومجتمعيه شاملة.

وحتى ممثل قطاع الأعمال فقد طرح رؤية مختلفة جزئياً في تركيزها على تحرير التنمية والاقتصاد والتجارة العربية من الحواجز المانعة والتدخلات القسرية للحكومات وخصوصا من هم في قمة السلطة، ودعا إلى سوق عربية مشتركة حقيقية تحرر الاستثمارات وانتقال العمالة العربية والتجارة والخدمات محمية بنية تشريعية موحدة وجهاز قضائي مستقل وعدم تدخل المتنفذين.

أما ممثلة منظمات النساء العربيات فقد طرحت التهميش الاقتصادي والاجتماعي للمرأة العربية والتمييز ضدها وما تترتب عليه السياسات الحالية من المزيد من انكسار النساء وتجهيلهن واستغلالهن وتبديد طاقات نصف المجتمع.

كذلك تحدث ممثل قطاع الشباب عن انعكاس الأزمة الاقتصادية الاجتماعية بشكل خاص على قطاع الشباب والذي يتجاوز أكثر من 50 في المئة من السكان، والذي يعاني أكثر من غيره من البطالة والتي تتراوح ما بين 20 في المئة - 35 في المئة من مجموع العاطلين والتهميش والأفق المسدود والذي تجسد بانتحار أكثر من شاب عاطل وتقدمهم للاحتجاجات الجماهيرية في عدد من البلدان العربية. وقد دعا إلى مراجعة فعلية لاشتراك الشباب في آليات إدارة الدولة والمجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا ومختلف الصعد.

ورغم أن مشاركة الممثلين غير الحكوميين قد اقتصرت على جلسة واحدة إلا أنها عبرت عن خطاب غير مألوف لدى الحكام العرب خطاب يصحيهم على الحقائق المرة التي يتجاهلونها. أما كيف تعاملت القمة مع هذه المستجدات فهي محاولتها لامتصاص هذه الصدمات وإعطاء انطباع كاذب بالاطمئنان، وأن الأمور تجري على ما يرام.

ورغم أنه سبق القمة عدة اجتماعات للمجلس الاقتصادي العربي، آخرها ذلك الذي انعقد يوم 17 يناير أي قبل القمة بيومين، والذي وضع جدول أعمال القمة وتقييما لما تم إنجازه من مشاريع مشتركة فيما يخص التعاون الاقتصادي والتجارة والتنمية والاستثمار والبنية التحتية والاستثمار وغيرها. إلا أن المجلس لم يقف وقفة نقدية أمام مسيرة العمل العربي المشترك في هذه المجالات وخصوصاً ما لم يتحقق من مقررات قمة الكويت. وأحال هذه المواضيع إلى القمة التي اطمأنت على حسن سير العمل العربي المشترك.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3063 - الإثنين 24 يناير 2011م الموافق 19 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً