العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ

«سَوَّيت لكْ رَنَّة»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البُخل هو من أكثر الصِّفات المُقِلة للرجولة. ذمَّهُ الله في كتابه بِسِتِّ آيات. وبُعِثَ نبيّه ليُتَمِّمَ أخلاقاً تجبُّه. وقالت العرب فيه من القَول الغليظ ما قالت، مرة ببخيلٍ يُنفق على نفسه، لكنه بخيلٌ على غيره. ومرة بشحِيحٍ شديدُ البخل على نفسه وعلى وُلدِه وأهله وهو الأشد. ومرَّة بالضِّبس مساواة منهم له مع ثقيل البدن والروح والأحمق وخُبيث النفس وعسيرها. بل إنهم تنَدَّرُوا بالحطيئة، والأرقط وبن صفوان في كُتبِهِم، حتى أنهم ثلثوا فيهم وربَّعُوا.

في لغتنا الدَّارِجة فإن جَمعَاً غير قليل من الناس بات يستخدم كلمة «رَزِيل» لوصف من يتَّصف بالبُخل. وبعضهم سمَّاه بالبُرص، أو «اللَّجّة» لتغليظ الصِّفة. على الأقل فإنني لم أجِد لا في لسان العرب ولا في مقاييس اللغة ولا في الصحاح في اللغة ولا في القاموس المحيط ولا في العباب الزَّاخر (وهي أمَّهات المعاجم) ما يُشير إلى ترادف في تلك المعاني المُرَاد لدلالتها على البُخل (الرَّزِيل، البُرص واللَّجّةُ). وربما وُجِدَت في غيرها من الكتب والمصادر ما يشير إلى ذلك لكنني (وكما أسلفت) لم أجد أيّ رابط لتلك الكلمات ومعاني البخل والشُّح والضِّبس.

وربما شاء ذلك الجَمع من الناس لأن يقول ذلك اختياراً منهم لأكثر الكلمات تعبيراً في وزنها وموسيقيتها ورنتِها على أطراف السَّمع. وهذا النَّوع من التقسيم اللغوي دَرَجَت عليه العرب من قبل في لغتها فسَمَّت الشّاب الناعِم بـالغَدَودَن، والطويل الجسم بالشَّمَقمَق، واللئيم والمنحوس بـالشَّمَختَر، والفاجرة الفاسقة بـالهَيعَرُون، والضعيف بالهَزَوَّز. ثم أنها نَعَتَت جزءاً كبيراً من الأمراض بأسماء على وزن فاعول تكثيراً منها لكراهتها. ونعتت صفات مذمومة على وزن فعيل (كما هو حال البخيل) إيغالاً منها في وصف ذلك بأغلظ التعبيرات.

على أيّة حال، فإن البخل هو من الصّفات المُقِلّة للرجولة كما أسلفت. وربما يأتي البخل/ الشُّح على درجات وعلى أشكال مختلفة. كما أن بعضه يأتي فاضحاً وآخر مُضمراً يُرَى ويُسمَع إذا ما اقترب منه. وخلال مسيرنا اليومي واحتكاكنا ببني البشر نرى البَعضَين معاً بنسب متفاوتة. ففي البعض الأول ترى أناساً وقد تملَّكَهم البخل/الشُّح إلى الحد الذي لا يستطيعون فيه أن يستروا ذلك عن الآخرين، فيمتنعون عن البذل والكِسوَة وأكل الملذات وينشدون دائماً حِساب دراهمهم ودنانيرهم، وكم نالُوا من الآخرين دون أن يَمِسُّوا أموالهم.

والبعض الآخر يُحاول أن لا يراه الناس على ذلك الحال من البخل/الشُّح لكنه يفشل في أحيان كثيرة. فتراه يلتَهِم الطعام المُشاع في المناسبات حتى ولو كان بطنه منتفخاً من أكلٍ سابق. أو أنه يمتنع عن الاتصال بهاتفه لإتمام أموره الخاصة (حتى ولو كان لضرورة مُلِحَّة) إلاّ إذا كان على مكتبه في العمل طمعاً منه في تحييد هاتفه الخاص من أيّ مصروفات شهرية. وهنا قد يُصبح البخل/الشُّح مُركَّباً بصفات مذمومة أخرى كالجَشَعُ الذي هو أَسوَأُ الحِرصِ، وأَشدّه على الأَكل وغيره، وهو أَن تأخذ نصيبك وتَطمَعَ في نصيب غيرك كما في لسان العرب.

في كلّ الأحوال، فإن البخل بأيّ درجة جاء (ظاهراً أم خفياً) هو صفة لا تليق بالناس الأسوياء رجالاً كانوا أم نساء. لأن البُخل عندما يلتصق بأحد (مهما كان شأنه) فإن سلوكه يُصبح شاذاً بين الناس، فيُنظَر له على أنه قليلٌ في مروءته عديم الإحساس بالآخرين. وحسبنا في ذلك ما دوَّنه التاريخ بشأن أشخاص بعينهم حتى باتت الأجيال تتندَّر بهم، ويتبارَى الشعراء في هجائهم أو استعمال أسمائهم للتهكّم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • نوال عطية | 4:03 ص

      على سالفة الرنه

      على طاري الرنه : كان عندنه سياره للبيع وفيها رقم التلفون في واحد ذبحنه من الرنات !! قمنا واتصلنه على الرقم ! طلع الاخ يسوي رنات ييبي يشتري السياره !! يعلك ويعه الحين انت متريزيل على نص روبيه بتشتري سياره قيمتها فوق 2000

    • زائر 5 | 2:34 ص

      لصاحب المداخلة رقم 1

      لصاحب المداخلة رقم 1 . شكلك بخيل حدك من جذي مو قادر تقرا المقال خخخخخخخخخخخخخخخ

    • زائر 4 | 2:06 ص

      مال البخيل يأكله العيار

      دائما ما يحصل للبخلاء أن يلتقوا بأحد الجمبازية والمتلصصين لكي ينصب عليهم
      يقوم بالجمع وحرمان أنفسهم وأهليهم من كل شيء وفي النهاية يأتي العيار لكي ينصب عليهم
      وهكذا هي
      البخل والرزالة هي من الصفات البعيدة عن الناس والبعيدة عن الله

    • زائر 3 | 12:48 ص

      اللحين اللي عنده واللي ما عنده يسوي رنه

      صارت موضة الرنات واكثر اللي يتعاملون مع الرنات هم اللي دخلهم فوق

    • زائر 2 | 11:50 م

      تعليق أم لا تعليق لا أدري

      يعجبني في مقالاتك اسلوبك اللغوي والاسهاب في توضيح الأدبيات وهو ما يفيد القارئ لكنه لا يخدم مواضيعك بالدرجة الأولى.. فلربما حدث لك بعض من المواقف مع البخلاء متمثلة أولا بالبخل الهاتفي واستخداماته وثانيا بتناول الأطعمة في المناسبات.. الموضوع لا يتعدى هذين الموقفين لكنك أبدعت في أدبيات اللغة وتوضيح هذه المعاني باسلوب شيق .. بوركت وبورك قلمك ..

    • زائر 1 | 10:14 م

      يا ليت تخفف من الحركات

      بغيت اقرا المقال بس الحركات ازعجتني.. يا ليت تخفف منها علشان نقدر نقرا مواضيعك

اقرأ ايضاً