العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ

التسونامي التونسي يصل إلى الشواطئ العربية (2 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

5. أهمية الفصل المصري في كتاب التسونامي العربي/ الشرق أوسطي، فقد تراجعت أحداث العواصم العربية الأخرى مثل عمان وصنعاء، كي يحتل مكانها ما يجري في القاهرة. وفي ذلك الكثير من المصداقية، فلمصر أهميتها الثلاثية، فهناك البعد العربي أولا، حيث تحظى مصر بموقعها الاستراتيجي في خارطة العلاقات العربية الذي لا يمكن لأحد إنكاره، ومن ثم فما قد تتمخض عنه الصدامات المصرية، لابد وان ينعكس بشكل مباشر على بلدان عربية أخرى، بما فيها تلك الخليجية.

ثم هناك موقع مصر الشرق أوسطي حيث تدخل في إطار الصورة دول مثل تركيا وإيران، ومعهما إسرائيل، ومن ثم فأي تغيير في مصر، لابد وأن يستتبعه تحولات في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط. والوضع العالمي ليس في وضع بوسعه ان يسمح بتكرار، في مصر، ما حدث عندما أطيح بشاه إيران في طهران، مما أدى إلى اختلال في موازين القوى لغير صالح الغرب وإسرائيل، وأخيرا هناك البعد الإفريقي، الذي لا يحتمل هو الآخر أي تغيير جذري قبل أن تحل مشكلات إفريقية ساخنة، ولمصر دور فيها مثل السودان.

6. وصول الموقف إلى نقطة اللاعودة، فلم تعد المطالب محصورة في القضايا المعيشية، أو حتى الإصلاحية، بل تطورت الأمور إلى المطالبة بسقوط النظام، ومن ثم فلم يعد أمام الرئيس المصري حسني مبارك من خيارات سوى التنحي. تؤكد ذلك ردة فعل المتظاهرين من خطاب مبارك أولا، ومن إعلانه إقالة الحكومة القائمة ثانيا. فمثل هذه التنازلات الجزئية والشكلية التجميلية، فقدت جدواها في إقناع جموع المتظاهرين في العودة لبيوتهم، والانصياع لحظر التجول. والمسئول عن وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، هو فشل مبارك، بوعي أو بدون وعي، في قراءة الأسباب الكامنة وراء اندلاع الأحداث، أو تأخره في استيعابها، مما أدى إلى تطور الأحداث بسرعة وفي اتجاهات صعب التكهن بها، أفقدته القدرة على التحرك في الوقت المناسب، وفي الاتجاه الصحيح.

7. الحاجة إلى منقذ، فما تقوله الصورة المصرية اليوم، إن الدولة المصرية فقدت هيبتها، ولم تعد أجهزة النظام قادرة أو راغبة في ممارسة دورها الإداري أو حتى «القمعي». فقد نقلت شاشات محطات التلفزيون صورا تعكس تداخل تلك القوات مع المتظاهرين، بما يثبت عدم رغبة أو قدرة تلك القوات في الدخول مع مواجهات مع اولئك المتظاهرين، الأمر الذي يجعل الحالة المصرية شبه فريدة، فهناك غياب لطرفي الصراع.

ليس هناك دولة تفرض هيبتها وسيطرتها، وفي المقابل ليست هناك قيادة لتلك الجموع الهائجة. الأغرب من كل ذلك هو سلوك أجهزة الشرطة المصرية، وتنحيها جانبا، وغيابها عن ممارسة دورها، دون أن يكون لها رغبة في إبداء أي تبرير او تفسير لهذا السلوك.

هناك اليوم في مصر ما يشبه حواراً يدور بين أناس صم، وبكم، ليس بينهم متحدث، ولا يوجد بينهم من ينصت. هذه الحالة تترك الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات امام من سيقفز كي يقطف الثمار.

تجدر الإشارة هنا إلى تحول مصر إلى ما يشبه الجزر المعزولة، فباستثناء الغضب ومطالبة حسني مبارك بالتنحي، نجد الأوضاع في القاهرة تختلف عنها في الإسماعيلية، وكلتاهما مختلفتين عن الأوضاع في رفح، حيث تتفاوت طبيعة الصدامات بين قوات الجيش ورجال الأمن من جهة والمتظاهرين من جهة ثانية.

أمام هذه الصورة تبرز علامة الاستفهام التقليدية في مثل هذه الأحوال ما هي السيناريوهات المحتملة. كما ذكرنا أصبحت الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات، لكن أكثرها حظا، كما يشير لها تطور الأحداث هي:

1. انصياع الرئيس المصري حسني مبارك، وقبوله بحوار مع قادة المعارضة المصرية، ينطلق من قبوله بالتنحي عن الرئاسة، وفتح المجال أمام تشكيل حكومة وطنية، تمثل فيها مختلف أطراف المعارضة.

ليس ذلك سوى الخطوة الأولى، إذ ينبغي ان تكون مسبوقة باتفاق ضمني على ان تتشكل حكومة جديدة وفق آليات ديمقراطية قادرة على التفاعل مع الأحداث المستجدة، وأن ترأسها شخصية وطنية مقبولة من جهة، ويكون اعضاؤها ممن لم تتلطخ أيديهم بتجاوزات الحكومات السابقة من جهة ثانية.

2. انقلاب عسكري أبيض يقوم به أحد قادة الجيش، أو أحد اجهزة الأمن، وهناك أكثر من مرشح تم الإعلان عن أسماء البعض منهم، على ان يؤكد هذا الانقلاب، إن هو شاء أن يحظى بثقة الشعب وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم، إن تسلمه السلطة هي مرحلة انتقالية من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، وإعطاء الفرصة للدولة كي تمارس مهامها خلال تلك المرحلة الانتقالية كخطوة أولى باتجاه الوصول إلى الحل النهائي، وهو تشكيل حكومة وطنية غير ملطخة بجرائم الحكم الحالي.

أي من هذين الاحتمالين لن يأتي سريعا وفي غمضة عين، فما جرى في القاهرة اليوم هو «تسونامي سياسي»، وتماما كما تتطلب إزالة آثار التسونامي الطبيعي الكثير من الجهد والإجراءات المبتكرة، كذلك الأمر اليوم في مصر، هناك حاجة إلى حلول من طراز مختلف عن تلك التي عهدناها في معالجة أوضاع سابقة. فكما فشلت حلول مبارك في إقالة الحكومة، وإلقاء اللوم على بعض رموز النظام، وتقديمه ككبش فداء لجرائم النظام، لن يجدي نفعا أيضا استبدال تلك الرموز ببعض رموز أخرى من صفوف المعارضة. الأمر أعقد بكثير من ذلك، والقاهرة تتطلع إلى حلول من طراز مختلف تتساوى مع التضحيات التي قدمتها الجماهير المصرية، وتضع مصر على أبواب حقبة جديدة تتجلى فيها أرقى أشكال الشفافية، وأفضل أنماط المشاركة الشعبية في صنع القرار.

لا شك أن ما حدث في مصر، هو أمر إيجابي بكل المقاييس، وكل ما يتمناه المواطن العربي، سوية مع شقيقه المواطن المصري أن تشكل مصر حالة نموذجية سباقة تحذو حذوها انظمة عربية أخرى، تكون محصلتها في مصلحة المواطن العربي، قبل ان تصل إليها بعض أمواج ذلك التسونامي التي انطلقت من تونس

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:16 م

      مظلوم

      وصل ومن زمن وهو موجود منذ سنين الدفعه الاولى تونس والنصر ات للاحرار في مصر ولتفاديه لابد من ارساء الحق والعدل

اقرأ ايضاً