العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ

من تجفيف منابع الإرهاب إلى تجفيف منابع الوطن

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان أفضل من يطبق نظرية «تجفيف منابع الإرهاب»، والمقصود بالإرهاب بحسب قاموس المستبدين هو كل شخص يتبرع بمال إلى فقير، وكل شخص يذهب إلى مسجد، وكل جمعية تستمد قوتها من علاقاتها الخدمية بالناس، كالصناديق الخيرية، وكل عمل خير تقوم به إحدى مؤسسات المجتمع المدني ولا يشرف عليها جهاز الأمن والمخابرات.

نظرية «تجفيف المنابع» انتشرت في أسلوب الحكم في البلدان العربية الأخرى، وهكذا فإن من يجمع مالاً للفقراء يمكن اتهامه بـ «تبييض الأموال»، ومن يساهم في تنشيط المجتمع عبر جهود تطوعية يمكن إلصاق تهمة التخطيط لعمل إرهابي، وباختصار فإن أي شخص وأي جمعية وأي حزب وأي هيئة لا ترتبط بالجهاز الأمني، أو بأحد الأجهزة الرديفة للأمن والاستخبارات، يعتبر في دائرة الاتهام ويجب تجفيف منابعه.

وعبر أساس هذه النظرية (المتبعة في أكثر من بلد حذوا بنهج بن علي)، فإن القيود الرسمية الصادرة من جهات الدولة ازدادت، بل أصبحت حتى وزارات مثل «الشئون الاجتماعية» جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الأمن والمخابرات، لرصد وتدمير أي مبادرة اجتماعية ترتبط بخدمة الناس (حتى الحصالات التي تجمع أموالاً للفقراء يجب ضربها بشدة إذا لم تكن جزءاً من الجهاز الأمني، والجمعيات التي تساعد الفقراء تتحول بقدرة قادر إلى جمعيات لتمويل الإرهاب بصورة عبيطة ومن دون أي دليل)، وأي مبادرة اقتصادية يكون لها أثر مشهود يجب ضربها على أساس أن الاستراتيجية الأمنية تتطلب الضرب بيد من حديد كل المنابع التي تعتمد عليها الجماعات غير المرغوب فيها.

وفي الحقيقة، فإن خطة «تجفيف منابع الإرهاب» انتهت إلى أن المستبدين جففوا منابع الوطن، وحولوا الثروات العامة إلى ثروات خاصة، وصادروا الأموال ثم صدروها إلى حساباتهم المصرفية في الخارج (أمس فقط أعلن مصرفان سويسريان أنهما جمدا حسابين للمخلوع بن علي قيمتهما نحو 13 مليون فرنك، ما يعادل 14 مليون دولار أميركي)، هذا إضافة إلى الحسابات في مختلف العواصم الأخرى باسمه واسم أفراد عائلته، إضافة إلى الثروات التي تحولت من أملاك عامة إلى أملاك عائلية خاصة... وفي الوقت ذاته، ازدادت البطالة لتصل حتى إلى الجامعيين، وتم تبديد موازنة الدولة على ملاحقة الناس، وعلى الأجهزة الأمنية القمعية، بدلاً من صرفها فيما يخدم المجتمع.

تونس التي أشعلت أول ثورة شعبية في القرن الحادي والعشرين وطردت الشخص الذي نفذ هذه النظرية بدقة، أثبتت لنا أن هذه السياسة الرعناء لم تنفعه في شيء، وأملنا أن يتعظ الآخرون ويتوقفوا عن ملاحقة الأنشطة الخيرية والاجتماعية والاقتصادية القائمة على مبادرات تستهدف خير المجتمع... وأعلم أن هذه الدعوة لن تلقى آذاناً صاغية، ولكن تجب علينا النصيحة لمن يود الاستماع إليها؛ لأننا نرى أن تلك السياسة فاشلة، وهي تنتهي إلى تجفيف منابع الوطن، وتنقلب على من ينفذها في نهاية المطاف.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 35 | 6:07 ص

      تسلم ايدك على هالمقال

      بصراحه في الصميم,,اتمنى بالفعل ان ينقلب الظلم على الظالم و ينتصر المظلوم.. حرام عليهم لا يرحمون ولا يخلون رحمه الله تنزل.. قلبي محروق على اليتامى..الله لا يوفق اللي قطع ارزاقهم

    • زائر 33 | 5:08 ص

      1055

      786
      دكتور ممنصور
      السلام عليكم ورحمة الله
      رحم الله ابونا الجمرى واطال الله فى والدتنا المجاهدة فقد اثمرت الشجرة ونحن نقطف ثمارها طريه ناضجه
      اخى منصور
      لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى
      الظلمه طبع الله على قلبوهم وعلى ابصارهم ولايرون الانفسهم وانهم خلفاء الله على ثروات الشعوب ولهم فقط وليس لغيرهم الا ما يسترة وقوت يومه بالتقسيط .
      ان يوم الظالم من المظلوم عسير و طويل ولابد ان يكسر القيد وتنفجر الثورة على المستبد

    • زائر 31 | 3:45 ص

      دكتورنا العزيز.. مقالات في الصميم..

      مقالات روعة وفي الصميم..

    • زائر 28 | 2:33 ص

      يخربون بيوتهم

      ولن تقتصر المنظومة الامنية على حصالات الفقراء بل ستتدخل حتى فى خصوصيات الناس من الاكل والملبس والانجاب وربما طريقة الحب والمعاشرة .. لكنهم انما يخربون بيوتهم بايديهم .

    • زائر 27 | 2:01 ص

      تجفيف الوطن من المواطنين

      ما يحصل ليس تجفيف الثروة فقط وانما تجفيف الوطن من المواطنين وضخ مواطنين جدد من جميع أصقاع العالم وهذا مالم يحصل في كل تاريخ العرب.
      أحسنت د منصور

    • زائر 26 | 1:49 ص

      في الصميم

      كبير يا دكتور

    • زائر 25 | 1:44 ص

      للدكتور ألف تحية وإلى الأمام

      مقال جذيربالقراءة والتأمل فقد لامست واقعا مريرا في هذه الأمة العفنة التي تقلب المقاييس والموازين والتي ترى المنكر معروفا إذا صدر من ظالم مستبد والمعروف منكرا إذا صدر من فقير ضعيف الحال
      عساك على القوة يا دكتور وتسلم اناملك

    • زائر 23 | 1:36 ص

      في الاخر دكتورنا النبيل

      بيجي ويقول لك الان والان فقط وبس فهمتكم وسمعتكم لا والانكي ان الاخ بعد اكثر من 30 سنة يخطب فى عموم الجماهير التى فتحت فوها لا للاكل هذه المرة بل تناديه ارحل وحل عنا يقول انا دائما كنت ومازلت وسأبقي مدافعا عن الفقراء ومع مصالحهم امر غريب عجيب فى بلدان الخيار وصاروا يتبعون بلدان الموز والمنجا

    • زائر 22 | 1:26 ص

      ALI

      GOOD MORNING DR..
      I LIVE IN ZINJ CLOSE TO ALZAHRA ORPHAN CARE SOCIETY..MY MOTHER USE TO DONATE EVERY MONTH FOR THEM SHE WAS I SHOCK WHEN HEAR..CLOSE DOWN CAUSE THEY HELP......YOU KNOW DR..NO NEED TO MENTION..REALY ITS A MESS UP DECISION BY MINISTRY OF LABOUR AND...

    • زائر 21 | 1:19 ص

      من الجذور...

      دكتور أبو علي, مقال قيم و وجة نظر ثاقبة إلا أنه لم تشر إلى لماذا تولد مجتمعاتنا مثل هؤلاء و يصلون إلى سدة الحكم؟ اسمح لي يادكتور و ليسمح لي الشعب التونسي و العربي أن أقول أن في حالة الرخاء يميل الشعب العربي للخمول و الراحة و الطيبات و حتى المحرمات و يعول كثير من خموله على مشيئة الله سبحانه و تعالى و القدر تاركا المجال إلى المتعلم الظالم أن يشق طريقه و الذي ينبهر به بداية و ثم يعاني منه حتى يسعى لإسقاطه للتخلص منه. وبإختصار يادكتور مدرسة الغانيات لاتخرج راهبات و العكس صحيح. والسلام.

    • زائر 19 | 1:02 ص

      الى زائر 8

      ترى يستمعون الى هذه النصائح و بسرعه فائقه و يبدوءن بقص الرؤؤس .

    • زائر 18 | 12:49 ص

      حكم فعدل فنام

      العدل أساس الملك لقد ابدعت يادكتور منصور على هدا الموضوع

    • زائر 17 | 12:28 ص

      بين التجفيف والتغذية

      كثيرا من الدول تتشدق بهذه الكلمة لكنها حقيقة عكس ذلك خذ مثلا عما يجري في احدى دول الجوار والتي تخرج بشكل سنوي الالاف من طلبة العلم لكننا لو تأملنا جيدا في هؤلاء الطلبة وفيما قد درسوه وترسخ في عقليتهم هو امورا مقززة حقيقة اولها فيما يتعلق بباقي الطوائف الاسلامية والتي لا تتماشا مع ماهم فيه حيث يكفرونهم ويخرجونهم عن ملة الاسلام واذا كانت هذه بداية طريقهم ماذا عسانا ان نتوقع من الاتي منهم وبالتالي يكون التجفيف ليس الا رمادا يرمى به في وجه الدول الكبرى كي لا تحتسب هذه الدول مارقة والداعمة

    • زائر 16 | 12:25 ص

      خلي سعادة الوزيرة تقرا وتفقه !!

      لا يرحمون ولا يخلون رحمة الله تنزل

    • زائر 14 | 12:15 ص

      أفلحت لو ناديت حيا

      يا دكتورنا العزيز
      لو أن الكتب و الرسائل المبعوثة للطغاة تنفع، لكنا قد سمعنا عن شخص، أي شخص في أي مكان أو زمان من التاريخ القديم أو الحديث. لكن شيئا من ذلك لم نسمع به!
      ما سمعنا أن أحدا من المناوئين لأمير المؤمنين قد غير موقفه أو رأيه عندما جائه كتاب منه..

      يا دكتور! لمن تخطّ و لمن تقرأ
      هم بعرفون القراءة بالعربي أصلا؟؟!!

    • زائر 13 | 12:09 ص

      إعذروهم !!

      يقول أهل البحرين (الخوف من الجوف) فأعذروهم فهم يخافون على كراسيهم من محاسبة الدوائر الإستعمارية العالمية التي يركعون لها بينما يجثمون على صدور مواطنيهم ,, فإعذروهم !!

    • زائر 12 | 12:08 ص

      حرب على الصناديق الخيرية

      خل عاد وزيرة التنمية تقرأ هالمقال، واكيد راح تقراه
      وتتعظ. من اربع سنوات فتحت حرب على الصناديق الخيرية من اجل تجفيف اللقمة من الوصول لافواه الفقراء في هذا البلد. ومن تناقضاتها انها جابت بنك من بنغلاديش لوضع خطة لبنك الفقراء، كان البحرين ما فيها كفاءات ولا ناس يفكرون. كل ذلك يادكتور يأتي ضمن خطة إضاعة هوية البلد. والله المستعان. بس البركة فيكم انتم من تحملون راية التنوير وتدعون للتغيير بالحسنى والفكر.

    • زائر 11 | 11:39 م

      جامعي باطل عاطل

      احنا بعد لدينا بطالة جامعية، في الخليج! أفا عليكم
      والله عيب؟ ما تستحون ولا تخجلون؟

    • زائر 10 | 11:36 م

      مقال رأئع من كاتب محنك

      شكرا لك على هده اللفتة النيرة يا دكتور منصور الصراحة المقالة جدا قوية و في محلها و انت قمت بالدي عليك من النصيحة لهم و تنبيههم على ان مثل ما حصل في تونس و مصر سوف يحصل في كل بدل مستبد

      و شكرا

    • زائر 9 | 11:33 م

      من تجفيف رمال السواحل إلى تجفيف منابع الوطن

      وعلى نفس الوزن "من تجفيف رمال السواحل إلى تجفيف منابع الوطن" ....

    • زائر 8 | 11:32 م

      قطع الروؤس ولا قطع مساعدات الصناديق الخيرية لانها من الناس والى الناس

      قطع الروؤس ولا قطع مساعدات الصناديق الخيرية لانها من الناس والى الناس ليس له منه على احد ، ولا ترحم ولا تخلي رحم الله ، وخصوصا اليتيم وذو الفاقه ،.

    • زائر 7 | 11:19 م

      فهل يتعظ الآخرون ؟؟ سُحب غرب الوطن العربي قد تتجه شرقا"... ...

      وتم تبديد موازنة الدولة على ملاحقة الناس، وعلى الأجهزة الأمنية القمعية، بدلاً من صرفها فيما يخدم المجتمع. الأيام أثبتت لنا أن هذه السياسة الرعناء لم تنفعه في شيء، وأملنا أن يتعظ الآخرون ...

    • زائر 6 | 11:05 م

      جمعية تعتني بعوائل المعتقلين واليتامى

      اين الضرر من ذلك فرج الله قريب المنابع جفت وما بقى بجفف اول باول فتش عن نبع لم يجفف لحساب فئه حتى المجاري وجنه البترول زيدوه بس بسكات بدليل سيارتى تفويله زاد سعره لو انخيل ماادري لاحظو هذا الشيء

    • زائر 5 | 10:51 م

      من زمان جففونا وصرنه حله !!!!

      من زمان جففونا وصرنه حله , وجابوا مجنسين اكلوا الحله والحين جابو مجنسين يكسكسون لحله !!

    • زائر 4 | 10:44 م

      • بهلول •

      من تجفيف منابع الإرهاب إلى تجفيف منابع الوطن ... إلى تجفيف منابع الإستبداد ... إنشاء الله

    • زائر 3 | 10:34 م

      في الصميم

      أحسنت و بارك الله فيك, قوية يا دكتور و في الصميم

    • زائر 2 | 10:22 م

      اياك اعني و أسمعي يا جارة

      نظرة ثاقبه بأعلى المقاييس لا تصدر الا عن ذي بصر وبصيرة

    • زائر 1 | 9:51 م

      كفيت ووفيت

      شكرا جزيلا على مقالاتك الهادفة وعلى نصحك الذي اتمنى ان يؤخذ به ... اكرر شكري وتقديري لك

اقرأ ايضاً