العدد 3077 - الإثنين 07 فبراير 2011م الموافق 04 ربيع الاول 1432هـ

دول الفساد والانحدار نحو الهاوية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

إن رصداً جيداً لطبيعة الدول الاستبدادية في عدد من الدول العربية سواء تلك التي تشهد انتفاضات جماهيرية أو تلك التي تغلي تحت السطح، تظهر أن القاسم المشترك فيما بينها هو الفساد.

الفساد ملازم للدولة أي دولة، لكنه يتحول إلى فساد ممأسس، وركيزة أساسية في الأنظمة الاستبدادية، حيث تغيب المساءلة والرقابة والمحاسبة من قبل الشعب ومؤسساته وتنظيماته. وإذا كان الفساد يتعاظم مع الصعود في تراتب السلطة، فإنه في حالة الدول العربية يتمركز بشدة في عصبة الحكم الضيقة، ويتخذ تعبيرات فجة ومستنفرة.

ومن أبرز التطورات في ظاهرة الفساد في الأنظمة العربية الاستبدادية أو التسلطية أو ما بين البين هو ما يلي:

أولاً: أضحى الفساد المالي والإداري ممأسساً أي ليس ممارسة عارضة أو استثنائية مذمومة، بل مكوناً أساسياً من مكونات مؤسسات الدولة والممارسة اليومية، فالدول العربية الحالية تتعامل مع مواطنيها كرعايا تتكرم عليهم ببعض حقوقهم، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية التعليمية والسكنية والطبية والبلدية وغيرها أو الحق في العمل والتدريب والترقي وتسنم مواقع في الدولة ومؤسساتها وشركاتها. وفي هذا الصدد يتم تجاهل مبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات التي تنص عليها الدساتير والقوانين واللوائح، والاستناد إلى الوساطة والنفوذ والرشوة للحصول على بعض الحقوق والمعايير هنا ليس الاستحقاق أو الكفاءة وإنما المنافع المتبادلة والصلات الخاصة القرابية أو القبلية أو الحزبية أو الشخصية.

ثانياً: تلازم احتكار السلطة والثروة ويبرز ذلك جلياً في قمة السلطة والتي أضحت متطابقة مع قمة الثروة.

ففي البلدان الديمقراطية الرأسمالية الغربية فإن من هم في قمة السلطة في الحكم أو يطمحون بالوصول اليها كمعارضة، وإن كانوا يعكسون مصالح طبقية رأسمالية، إلا أنهم ليسوا بالضرورة من كبار الأغنياء، بل إنهم يستندون في صعودهم للسلطة إلى برامج وتحالفات طبقية واجتماعية وسياسية واسعة، مما يضفي على حكمهم شرعية شعبية إلى جانب الشرعية الدستورية والذي فهم ليسوا بالضرورة من كبار الأثرياء.

إننا نلاحظ في الدول العربية الحالية أن النخب الحاكمة وخصوصاً في بلدان النفط تمثل الشريحة الأعلى في طبقة أرباب الأعمال. ويتصدر بعضها قائمة المليارديرية، لكن الجديد هو أن الأنظمة الجمهورية تسير في ذات الاتجاه. ذلك يعود إلى أن التداول على سدة الحكم في الأنظمة الجمهورية قد توقف في معظمها وتكرست ظاهرة تأبيد حكم رئيس الجمهورية والتوريث في إطار أسرة الرئيس، أو الدائرة الضيقة من نخبة الحكم. وهكذا فإن رئيس الجمهورية وأقاربه والمحيطين به يستحوذون على ثروات ضخمة لا تتناسب مع كسبهم الاعتيادي من الوظائف التي يحتلونها. وقد دخل هؤلاء في قمة السلطة وأقاربهم والمحيطين بهم في شركات مع كبار أصحاب الأعمال والشركات والبنوك المحلية والعربية والأجنبية وخصوصا في المشاريع العقارية العملاقة والمشاريع السياحية والخدمية والصناعية الكبيرة في ظل الاحتكار والامتيازات واستغلال موارد الدولة وسلطاته وتشريعاتها محققين ثروات هائلة على حساب مصلحه الوطن والشعب.

ومن موقعهم أو نفوذهم في المراتب العليا للسلطة، يجري انتهاك الدستور والقوانين واللوائح والمصالح الوطنية والأهلية والسيادة الوطنية.

فمن المفارقات أن غالبية الدول العربية والمصنفة بالفقيرة أو ذات معدل دخل متدن جداً وفقر مدقع، يتصدر من هم في قمة السلطة والثروة قوائم المليارديرات عالمياً.

ثالثاً: إن الفساد بطبيعته مدمر للموارد الطبيعية والبشرية وللتنمية وللخدمات الأساسية ونوعيتها والتي تقدمها الدول مثل التعليم والصحة والإسكان والبلديات ويترتب عليه بطالة واسعة وإفقار وتفاوتات طبقية. إذا كان ذلكم صحيحاً فإن طبيعة الفساد الفاحش والنهب للثروات والأموال وحشو أجهزة الدولة بعديمي الكفاءة السائد في الدول العربية، جعلها رغم إمكانياتها المادية والبشرية، متخلفة حتى عن الدول الإفريقية في التنمية والتحديث والعمالة، وتعاني أكثر من البطالة وتدني الدخل والأمية والأمراض الوبائية.

رابعاً: إن الاستناد إلى الولاء العائلي أو السياسي أو المذهبي أو المصلحي في إدارة الدولة وأجهزتها، حول الولاء للدولة إلى ولاء للحاكم والحكم، وجعل جهاز الدولة جسماً غير كفوء متضخم ويستنزف غالبية موازنة الدولة مما يفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلدان العربية.

خامساً: نظراً لاندماج السلطة المالية والسلطة السياسية، ونظراً للدور الطاغي للدولة في المجال الاقتصادي، فإن القطاع الخاص لا يخضع للمنافسة الحرة ولا يتمتع بكفاءة كبيرة أيضاً. إن هناك احتكارا لنشاطات اقتصادية وقطاعات اقتصادية من خلال ذات الطغمة المالكة الحاكمة.

إننا نرى أحد أفراد هذه الطغمة يملك شركة اتصالات المحمول وآخر وكالات سيارات وآخر تجارة الحديد وآخر مقاولات المشاريع الحكومية الكبرى. وهكذا فإن إعطاء الأولوية للقطاع الخاص في قيادة الاقتصاد أو خصخصة الاقتصاد لم تؤدِ إلى الانتعاش الاقتصادي والكفاءة الإنتاجية المأمولة والتنافسية المنشودة. كما تسهم كثيراً في حل معضلة البطالة.


مفارقات تستثير المواطنين

إن المواطن العادي يعيش مفارقات لا يمكن تحملها. فهو يرى طبقة الرأسماليين الجدد المترفة والتي قفزت إلى قمة الثروة والسلطة من أصول متواضعة بل معدمة. وبالمقابل فالغالبية من المواطنين تنحدر إلى هوة الفقر والتهميش والبطالة وافتقار للسكن اللائق. يمكن للناس تقبل الفقر إذا كان حكامهم متقشفون، لكنهم لا يمكن أن يتقبلوه إذا كان حكامهم سفهاء في إسرافهم وبطرهم.

إننا أمام ظاهرة خطيرة وهي التلاشي السريع للطبقة الوسطى في ظل الاستقطاب الرهيب بين الغنى الفاحش والفقر الشديد. كما لا يمكن للمواطن أن يتحمل البطالة وهو يرى دوائر الدولة محشوة بالمحاسيب.

لقد كانت الأنظمة العربية في مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار عادلة نوعاً ما في توفير خدمات أساسية بنوعية معقولة للجميع وفي مقدمتها التعليم والصحة والخدمات البلدية والإسكانية والتوظيف في المراتب الدنيا والمتوسطة. بل إنه حتى الكليات العسكرية والسلك العسكري والأمني متاح للمواطنين العاديين، والتدرج في مناصبها أو قيادة حركات التحرر والترقي في الجهاز الإداري وهو ما مكن ضباطاً أو مدنيين من أصول شعبية من الوصول الى السلطة. أما الآن فهناك نظام الامتيازات لمن هم في الحكم وتمييز ضد من هم خارج دائرة الحكم في كل شيء تقريبا وتهميشهم واستبعادهم.

وفي ظل تدهور الخدمات العامة للدولة فقد أضحت هناك مؤسسات موازية في قطاعات التعليم والصحة والسكن والأعمال. فهناك الجامعات والمدارس والمستشفيات، والإسكان الخاص، وغيره من الخدمات المتاحة للقادرين وهناك مؤسسات الدولة الخدمية التعليمية والصحية والإسكانية المتدنية المستوى وغيرها المتاحة للمواطنين العاديين.

إن نظام الفساد والامتيازات والمحاباة هو الوجه الآخر لنظام التمييز والحرمان والتهميش، وهو أهم العوامل وراء تراكم الغضب الجماهيري والشعور بأن ليس لدى الجماهير ما تفقده سوى أغلالها.

لقد بلغ جبروت هذه الأنظمة على شعوبها إلى حد أن يقوم ضابط صغير بتعذيب مواطنين حتى الموت في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات، وأن تصفع شرطية تونسية الجامعي العاطل عن العمل الشهيد محمد البوعزيزي.

كما أن نهب المواطنين من قبل العاملين في الدولة وشركائهم في القطاع الخاص من القمة حتى القاعدة يترافق مع إذلال المواطن في كل معاملاته مع الدولة.

لقد وصل المواطن إلى مرحلة الانفجار وكان ما كان. من هنا نفهم لماذا تنتقم الجماهير الغاضبة بحرق ممتلكات رموز الفساد والسلطة ونهبها وحتى ممتلكات الدولة ومؤسساتها.

أمام الدول العربية طريقان لا ثالث لهما، إما الطوفان، أو المسارعة إلى تصحيح الوضع بالاعتراف بالخراب الذي تسببوا فيه لأوطانهم ولشعوبهم، والانتقال السلمي إلى دولة دستورية عادلة، ملكية أو جمهورية، تصان فيها حقوق المواطن وكرامته وحريته وتصان فيها سيادة الأوطان.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3077 - الإثنين 07 فبراير 2011م الموافق 04 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً