العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ

إبراهيم غلوم... راصد التجارب... ناقد الوعي... مراجع الأصول

اثنينية خوجة في جدة تكرم مفكراً بحرينياً

على عادته بتكريم الأدباء والمفكرين وأصحاب العطاء الفكري من الرعيل الأول، كرم المنتدى الأدبي والفكري بجدة، الناقد والأديب البحريني إبراهيم عبدالله غلوم، وذلك تقديراً لتجربته النقدية والفكرية والأدبية، واحتفاء بمسيرته في خدمة الأدب والثقافة في الخليج والجزيرة العربية التي قدم خلالها أكثر من 15 كتاباً تناولت حركة الأدب والفنون والثقافة.

خلال الحفل الذي تضمن عرضا لسيرة غلوم، وكلمة من صاحب المؤسسة الشيخ عبد المقصود خوجة، استعرض غلوم في كلمة مرتجلة بعض المحطات في تجربته النقدية والفكرية، محطات لا تسجل رحلة غلوم كاملة وهي التي امتدت نحو أربعة عقود، لكنها تلمس ملامح ومكوِّنات لها جذورها في منهجه ورؤيته الفكرية والإبداعية. كلمته تضمنت إشارات كثيرة تتصل بالهوية، واختيارات النسق الثقافي والاجتماعي في نصوصه النقدية وفاعلية نقد الوعي، وردم الفجوات أو مواجهة أسئلة القطيعة الثقافية، والتأصيل الثقافي للمسرح وللفنون الحديثة في الخليج والجزيرة العربية.

في مجال الهوية رسخت تجربة الدكتور إبراهيم الملامح الثقافية والإبداعية لمنطقة الخليج العربي والجزيرة العربية عبر مشروعه في إصدار سلسلة كتب بواكير التي صدرت منها ثلاثة كتب تناولت بواكير النقد الأدبي، وبواكير المسرح والصحافة.

ومنذ العام 1974 قدم سلسلة مقالات حول الحياة الأدبية في قلب الجزيرة العربية، رسم من خلالها خارطة الثقافة في مرحلة العصور الوسيطة حتى العصر الحديث، ورغم صعوبة البحث في هذه المرحلة فقد كشفت دراسته المبكرة عن فاعلية الهجرات وسط الجزيرة العربية، ودور البيوت والأسر العلمية، ودفاتر القبائل، والحركات الانفصالية، وقدم للباحثين صورة لم تعرف عن شعراء من الحجاز ومن شرقي الجزيرة العربية، من أبرزهم الشاعر المكي إبراهيم بن يوسف المهتار الذي لا يزال مجهولا عند جميع الدارسين. وقد أخذته هذه الاهتمامات الأولى نحو بحث ظاهرة الهجرات العربية ودورها في تكوين العلاقات العربية الحديثة في المراحل القطرية التي صنعتها عوامل الاستعمار والسياسة والصراع على النفوذ.

في دراساته النقدية العديدة وتبلغ 17 كتاباً وعشرات من البحوث والمقالات كرّس له منهجاً خاصاً بدأ فيه بتأصيل السوسيولوجيا في مجال الدراسات النقدية وانتهى بتطوير الكثير من مقولات البنيوية التكوينية وخاصة في كتابه الهام سوسيولوجيا المسرح في الخليج العربي الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت. وقد دفع منهجه النقدي نحو تأصيل آليات نقدية مهمة في بحث النسق الاجتماعي والثقافي، وخلال ذلك عايش النصوص الإبداعية بمختلف أشكالها واتخذ منها تجربة حية مثقلة بتجليات النسق الثقافي.

تنشغل تجربة الدكتور إبراهيم بنقد الوعي أكثر مما تنشغل بالسياق الوصفي... وتقف دراساته على الاستعانة بالفلسفة النقدية وتأخذ منها ما يؤسس لديه عقلا ناقدا فاحصا يذهب إلى التأويل ولكن بعقلانية تتجاوز الوصفية وتعنى بتأصيل الوعي عبر إزاحة النقاب عن النسيج الثقافي للنصوص. وحفلت تجربة الدكتور إبراهيم بما هي مشحونة بنقد الوعي بالمراجعة وإعادة النظر في النصوص والأحكام... أو إعادة إنتاج تأويلات النص النقدي.

وعبر انشغالاته الحميمة بالعلوم الإنسانية يهتدي دوما إلى دلالات ثقافية بعيدة في مراحل الفجوات. وعند مشاهد القطيعة الثقافية بالذات وتذهب دراساته دوما للعمل على ردم الفجوات والحفر في دلالاتها الفكرية.

أما التأصيل الثقافي والاجتماعي للفنون الأدبية وخاصة المسرح والقصة فقد انصبت تجربته في هذا الاتجاه عبر دراسات معمقة وجديدة ولها إضافات كثيرة يصعب حصرها.

وبوجه عام فإن الأجناس الأدبية وكذا النصوص التي عايشها لم تحدّ من دوره في تأسيس مجاله الخاص به في النقد الثقافي والدراسات الثقافية.

ومن أبرز كتبه «القصة القصيرة في الخليج العربي، سوسيولوجيا المسرح في مجتمعات الخليج العربي، تكوين الممثل المسرحي، الثقافة وإنتاج الديمقراطية، عالم روائي في القصة القصيرة، الخاصية المنفردة في الخطاب المسرحي، المرجعية والانزياح - بواكير النقد الأدبي، مسرح إبراهيم العريض، عبدالله الزايد وتأسيس الخطاب الأدبي، إشكالية التواصل الثقافي في مجتمعات الخليج العربي».

قاسم حداد: إبراهيم غلوم وتأصيل الأصول

قاسم حداد الذي حضر حفل التكريم بجدة، توجه بالشكر الجزيل لاثنينية عبدالمقصود خوجة لما وجده في تكريم غلوم من التفاتة تكريمية للأدب والثقافة في البحرين والخليج برمته، واحتفاءً بالناقد الأديب الذي يتصدى منذ بداية مشروعة لدور حضاري، ينظر من خلاله إلى الواقع من شرفة المستقبل. وهو في سعيه ذاك «لا يفرط في شرط العلاقة الحيوية والفعالة والمتبادلة بين الثقافة والتنمية الاجتماعية والسعي الحضاري لتطوير الواقع الإنساني ومتطلباته العادلة».

حداد أبدى سعادة كبيرة للحديث عن غلوم واصفا العلاقة التي تربطهما بـ «صداقة التجربة والنص»، فهي الصداقة التي تضيء نصوص حداد قبل وبعد انجازها «بالدرجة ذاتها التي تمنحني لذة الاكتشاف فيما اقرأ نصوصه نقداً ومطارحات» مشيرا إلى أن غلوم «في مجمل مشروعه الثقافي المعرفي النقدي يؤكد في كل مرة جماليات الدرس النقدي وهو يحتفي بشرط المراجعة الواعية والنقدية لتراثنا الثقافي الحديث، لكي تبدو تجاربنا واضحة الاتصال بمصادرها، ومكتنزة بالخبرة والمعرفة التي طرحها الدرس الأول في ثقافتنا».

بعدها تحدث حداد حول أهم ما يميز مشروع غلوم النقدي عنى، كما يشير، منذ بداياته «بــتأصيل الأصول، عبر قراءتها ونقدها»، باستعراضه لاطروحة غلوم المبكرة حول «القصة القصيرة في الخليج العربي»، وهي التي يشير لكونها حجر أساس لنظرات غلوم النقدية لفن القصة في دول الخليج.

ثم أوضح بأن غلوم عمل في دراسته تلك «على تقديم رصد دقيق وعميق لمجمل الكتابات القصصية وقراءتها» وذلك بهدف «اكتشاف المكونات المبكرة لفن القصة، وهي الأرضية التي سيرى في ضوئها المؤسس التجارب القصصية المعاصرة والجديدة».

وبهذا يرى حداد بأن غلوم «وضع التجربة القصصية برمتها في السياق الأدبي والتاريخي المناسب» وهو ما يساعد الباحثين على اكتشاف اتصال العمق الاجتماعي بوعيه الحضاري لدى كتّاب القصص بجذور وعي مبكر، ويوفر لهم مرجعا وثيقا بالتجربة القصصية في هذه المنطقة.

بعدها عرج حداد على الجزء الثاني من تجربة غلوم ضمن سياق تأصيل الأصول وهي التي انشغل فيها بعمل مراجعة أدبية لـمشروع «البواكير» منهمكا بدراسة التجارب الأدبية الأساسية التي ارتبطت بالنهوض الثقافي في بدايات القرن العشرين.

ويشير حداد إلى أن «البواكير» هي «سلسلة ابتكرها غلوم لكي يحقق خطوته المعمقة في مراجعة الأصول ونقدها وتأصيلها، دون أن ينتظر المبادرات المؤسسية التي سوف تتأخر عنه دائماً».

ويتضمن مشروع «البواكير» دراسة في كتابين منفصلين أولهما «مسرح إبراهيم العريض» وهو كما يفيد حداد «شكل في وقته التجربة المسرحية المبكرة، نصاً وممارسة، لكي يستكشف الإسهام الأدبي شعراً في بواكير النزوعات الدرامية /الاجتماعية في ثقافة بدايات ومنتصف القرن الماضي».

حداد يشير إلى أن الكتاب يتصل بالنقد المسرحي الذي يعد أحد أبرز اهتمامات غلوم النقدية «والذي يشكل منذ سبعينيات القرن الماضي مجال فعله النظري والفني والتنظيمي».

أما ثاني الكتب التي تضمنها مشروع «البواكير» فيأتي كما يضيف حداد «في شكل دراسة البدايات النقدية الأدبية في البحرين والخليج، متخذاً من تجربة عبدالرحمن المعاودة شعراً ومناقشات، نموذجاً للمرجعيات والانزياح».

وقد استعان غلوم بأرشيف الصحافة البحرينية في أربعينيات القرن الماضي، الذي يصفه حداد بالمطمور، كمصدر لتلك الدراسات النقدية وهو ما يرى حداد بأنه جعل «لتجربة غلوم مصدراً حميماً للنزوع الانساني الفذ الذي سيغني منظوراته النقدية الجديدة».

ويستعرض حداد نموذجاً ثالثاً لنزوع غلوم نحو تأصيل الظواهر الثقافية وهو كتابه «الثقافة وإنتاج الديمقراطية الصادر في العام 2002، وهو يصفه بكونه «استباقاً تأملياً ونقدياً لما ستتعرض له الثقافة من اشكاليات بالغة التعقيد في خضم ما يسمى المشروع الإصلاحي الراهن»،

ولتوضيح حجم الإحباط الذي عايشه ابراهيم غلوم في سعيه الجاد من أجل صياغة رؤية ثقافية وسياقا يليقان بهذه التجربة الغنية العميقة، وهو الذي يعد أحد أبرز المتصلين بتاريخ الفعل الثقافي، تنظيرا وممارسة في الثلاثين سنة الأخيرة، بل إنه شارك في كتابة جانب مهم من خطة التنمية الثقافية العربية، يشير حداد إلى أن غلوم «عمد إلى مراجعة التجربة الثقافية في مسيرتها المعاصرة، ورصد الفعل الثقافي بوصفه خطابا في الديمقراطية»

عن كتابه الأخير الذي يرى حداد بأنه يستحق «أن يكون موضوعا لمجمل المزاعم النشيطة التي استغرقتها المنافحات السياسية المتصلة بالشأن الثقافي، تكريساً لمشاريع الإصلاحي الرائجة كزينة سياسية تفرغ الثقافة من نقديتها» يقول حداد «يصوغ غلوم منظوراته المعمّقة، مستخلصاً الدروس والمعطيات الأساسية لمجل التجربة سعياً لوضع هذه الثقافة في مكانتها ودورها المناسبين في المشاريع التنموية التي يجري الكلام عليها بين وقت وآخر، وهو من بين أكثر المنهمكين في هذا الحقل، عاملاً بقدر كبير من الجدية والرصانة، وهو يرقب هذه التجربة بالذات تتعرض لمحاولات المسخ والاستهانة والامتهان وعدم الاكتراث من أصحابها المزعومين في الجانبين الأهلي والرسمي».

ثم يأتي حداد أخيراً إلى آخر إصدارات غلوم وهو كتاب «المسافة وانتاج الوعي النقدي» الذي يصفه بـالنموذج الإضافي والضافي للنزوع المميز في تجربته النقدية، في سبيل تأصيل الأصول من خلال القراءة واعادة القراءة ونقدها»

ويشير حداد إلى أن غلوم يراجع في هذا الكتاب «مرحلة التأسيس الحديثة للحركة الأدبية الجديدة في البحرين، متحدثاً عن تجربة الناقد الصديق أحمد المناعي التي اسهمت بفعالية عالية في تأسيس الفكرة النقدية بوعي الجيل الجديد لدوره الحضاري في حقل المعرفة الأدبية وفنونها. وقد قام ابراهيم غلوم مجدداً في هذا الكتاب برصد دقيق للأدوار النقدية التي مارسها أحمد المناعي برفقة آخرين، لكن بتميز متحرر من المزاعم وخطابات الوهم».

العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً