العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ

كي يكون الحوار مثمراً ومجدياً (1 – 3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطابه العفوي المباغت، الذي فاجأ به مشاهدي تلفزيون البحرين، دعا سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة القوى السياسية كافة إلى طاولة حوار وطني ينتشل البحرين من الواقع المؤلم الذي وصلت إليه، جراء تطور الأحداث الأخيرة، وعلى وجه الخصوص ما آلت إليه الأمور بعد مجزرة «الخميس الأسود»، التي ما يزال عدد ضحاياها في تزايد. تحمل تلك الدعوة الصادقة، رغم عفويتها وعنصر المفاجأة الذي أحاط بها، الكثير من المدلولات السياسية التي ينبغي علينا التوقف عندها كي نقرأ، على نحو صحيح وناضج، طروحاتها ونستقرئ آفاقها، ومن الفرص التي تتيحها امام الأطراف كافة الضالعة في العملية السياسية.

أول ما قالته تلك الدعوة إن قادة البلاد أصبحوا على قناعة مطلقة بأن زمن التغيير قد أصبح على الأبواب، ولابد من الاستماع إلى الأصوات التي تطرق تلك الأبواب، وأن إغلاق الأبواب أمامها، لن يفلح، لأنها قادرة على اختراق الشبابيك الضيقة واختراق النوافذ الأكثر ضيقا. وبالتالي فإن فتح الأبواب يعني، فيما يعنية، الاستماع إلى صوت التاريخ، ومنطق الزمن، اللذين لا يقبلان المكابرة، ولا يستسيغان الإهمال.

ثاني ما قالته تلك الدعوة إن قادة البلاد لا يريدون للبحرين ان تنزلق إلى الطريق الذي اضطرت إلى سلكه قيادات حاكمة في عواصم عربية أخرى مثل تونس والقاهرة، عندما رفضت القيادات هناك، الاستماع إلى صوت الشارع، وأصرت على تجاهل نداءاته المتكررة، وأوصلها عنادها إلى ما وصلت إليه من اضطرارها إلى التنحي عن الحكم مرغمة على ذلك، عوضاً عن إجراء الإصلاحات الطبيعية والمنطقية التي كان الشارع محقاً في المطالبة بها.

ثالث ما أفصحت عنه تلك الدعوة هو ان قادة البلاد يشاركون المعارضة في قناعتها أن العنف ليس الأسلوب الحضاري السليم لمعالجة الاحتجاجات الجماهيرية السلمية التي تخرج للتعبير عن مطالبها، أو لرفع بعض أشكال الغبن الواقع عليها. ومن ثم ففي صراحة سموه اعتراف مسئول وناضج عن خطأ معالجة الحشد الذي تجمهر في «دوار اللؤلؤ» من مدخل أمني، وبأن المعالجة الصحيحة كان ينبغي لها ان تكون سياسية محضة، بعيدة عن «القمع» الذي قاد إلى ما قاد إليه، فعقد الأوضاع بدلاً من التوصل الحلول الصحيحة التي كانت في أمس الحاجة لها.

رابع ما نمت عنه تلك الدعوة هو مناشدة الحكم المعارضة ان تبتعد عن أي شكل من أشكال العنف غير المبرر، وبالمقابل، استعداد القيادة، على ان تكافئ تمسك شباب «دوار اللؤلؤة»، في استمرار تمسكهم بأسلوبهم السلمي في التعبير عن مطالبهم، بكف يد القمع عنهم، والتحول من المعالجة الأمنية للموقف، إلى الحوار السياسي البناء الهادف إلى إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي قبل «مجزرة الخميس الأسود».

خامس ما نادت به تلك الدعوة، هو قناعته بأن السلطة وحدها لا تستطيع ان تسير منفردة على طريق تطوير البحرين وتقدمها، وانها بحاجة إلى معارضة إيجابية قادرة على أن تمد يدها إلى يد سموه، وتسير معه على طريق واضحة تلأم الجراح وتعيد الأمور إلى نصابها. وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، وكما تفصح عنه دعوة سموه، ليس فيها ما يرغم المعارضة على طي ملفاتها الإصلاحية التي ينبغي فتحها، وإنما وضع كل الأمور على طاولة الحوار، حيث تصبح كل البنود قابلة للنقاش، فليس هناك ما هو محرم عن التداول.

خامس ما تنبئ عنه تلك الدعوة، هو مستقبليتها، حيث إنها تأتي من جيل المستقبل الواقف متأهباً على ضفتي نهر البلاد، فشباب قيادة البلاد تخاطب شباب «دوار اللؤلؤة»، الذين حاولو أن يميزوا، دون ان ينفصلوا، أنفسهم عن كل القوى المعارضة، كي يحافظوا على هامش الحرية في تحركهم، فيتخلصوا من القيود الحزبية التي يمكن ان تثقل كاهلهم بها القوى التقليدية. هذا لا يعني بناء «خط بارليف» بين الجهتين: الشباب والجمعيات السياسية، بقدر ما هو محاولة من قبل الشباب للتمسك بذلك الهامش من الحرية، الذي يفسح في المجال أمامهم كي ينعموا بمرونة الحركة التي لا يستطيعون الاستغناء عنها في هذه المرحلة المبكرة من إطلاق المطالب.

مقابل هذه المبادرة من سموه، جاء الرد من شباب «دوار اللؤلؤ» كما يقول عنهم المتنبي في أحد قصائده:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.

فقد بادر اولئك الشباب بتأكيد عدالة المطالب التي نادوا بها من جهة، وتمسكهم بسلوكهم الطريق السلمية في التعبير عن أي شكل من أشكال الأنشطة السياسية التي يمارسونها، ويبتعدون كل البعد عن أي أسلوب عنيف من شأنه تشويه صورتهم، او حرفهم عن الطريق التي رسموها بعناية لمسيرتهم السلمية. ولذلك وجدناهم، حتى بعد ان سمحت لهم قوات الأمن بالعودة إلى دخول «دوار اللؤلؤ»، في ظهيرة يوم السبت، ورغم كون نفوسهم ما تزال تعاني من آلام مجزرة الخميس الأسود، يواصلون مسيرتهم السلمية دونما حاجة إلى اللجوء إلى العنف، إلا حينما يضطرون إلى ذلك دفاعاً عن النفس.

تلك الدعوة، وما تولد عنها من أجواء إيجابية مسحت بعض تلك الآلام، مهدت الطريق أمام حوار مثمر ومجدٍ يتوقع أن نشهده خلال الأيام القليلة القادمة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 5:20 ص

      الرموز الدينية

      من خلال منبرك يا استاذي الفاضل اتمنى من جميع من يحاول اقحام الرموز الدينية في هذه القضية التفكير و التريث قليلا بل اطلاق تلك الصيحات فهي و الله ل تخدم الا اعداء البلد و المتربصين و هم كثر . و اتمنى عليك اخي الكريم ان تتعرض لهذه المواضيع في مقالاتك المقبلة لما يمثله قلمك من صوت التوافق عند القراء

    • زائر 14 | 5:05 ص

      العدالة

      العدالة
      هي كلمة يجب الوقوف مطولا امامها يجب التمعن في معانيها الحقيقية .
      العدالة هي وطن للجميع لا غنى لاحد عنها .
      فانتم يا اخوتي شباب اللؤلؤ الشريف و شباب المحرق العتيدة تمسكوا و تشبثوا بهذه الكلمة فهي لمصلحة الجميع . و للا يمكن لشعب ان يرقى بدون تحقيقها . العدل العدل ثم العدل

    • زائر 13 | 4:45 ص

      صح لسانك يا اخ العبيدلي

      العنف ليس الأسلوب الحضاري السليم لمعالجة الاحتجاجات الجماهيرية السلمية .
      يجب ان تكون هذه المقولة نقطة لتجمع ديمقراطي واسع يجمع كل طوائف البحرين السنة و الشيعة و العلمانيين , فلندعوا لذلك من خلال منبرك يا اخ عبيدلي و منبر الاقلام الشريفة الاخرى التي لا تبغي الا رفعة و عزة هذا الوطن .

    • زائر 12 | 4:42 ص

      الحوار

      الحوار هوالحل السحري للخروج من النفق المظلم الذي دخلت البلاد فيه

    • زائر 7 | 3:55 ص

      الحوار

      استاذي العزيز
      لقد امسكت ببيت القصيد . هو الحوار ولا شيئ غيره .فلنساهم معاً في ايصال و طمأنة اخواننا من الطائفتين .
      البحرين كانت و مازالت و ستظل تسع الجميع ولن يستطيع اهل الفتن من التغلغل بيننا كفانا فرق تسد كفانا
      اختكم لا سنية ولا شيعية
      سنشع

    • زائر 6 | 3:51 ص

      بحراني جاء متأخر

      الله يهدي الحكومه وتأخذ بعين الاعتبار مطالب الشباب المشروعه ونرتاح من عوار الراس

    • زائر 3 | 2:50 ص

      نداء جماعي للشيخ عبد اللطيف المحمود

      بعيدا عن المصالح الطائفية والفئوية
      أن يتحمل مسؤوليته الاخلاقية أولا وبشكل واضح تجاه شهداء الوطن الغالي بالادانة الصريحة والواضحة لعملية قتلهم بدم بارد من قبل المرتزقة.
      ندعوا الشيخ المحمود لموقف وطني
      وأدعوكم أيها الاخوة أن توجهوا له النداء معي من على صفحات الجريدة.

    • زائر 2 | 2:28 ص

      لا امان لكم ...

      مجزرة مقابل حوار .. امر لا يصدق !!

اقرأ ايضاً