العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ

الفقر والبطالة سببان للوحدة في اتجاه التغيير... مصر وتونس مثالاً

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تجتاح بعض الدول العربية موجات رفض عارمة لواقعها السياسي تنبهت لخطورتها الولايات المتحدة الأميركية بصفتها الدولة العظمى الحليفة والراعية للأنظمة الشمولية في المنطقة.

يستعرض هذا المقال بعض الأسباب الكامنة وراء هذا الرفض الذي تجاهلت أسبابه ومعالجته النخب الحاكمة, وبعد أن وقفت الدولة الراعية متفرجة على ممارسات حلفائها في خنق شعوبهم وسلب إنسانيتهم لتتفاجأ بحجم الرفض الشعبي لأساليب الحكم المهينة هذه.

البطالة:

يمكن استعراض أسباب عدة لرفض الشعوب لواقعها السياسي كالفساد, والتمييز, وفقدان الهوية والكرامة, والاستبداد, وتغييب حكم القانون. ويستعرض هذا المقال البطالة والفقر كأبرزعامل موحد لفئات الشعب لرفض واقعها السياسي.

فالبطالة وانعدام تكافؤ الفرص صنوان للفقر الحاط للكرامة الإنسانية. ويعرف معدل البطالة على أنه عدد الأفراد العاطلين كنسبة من القوى العاملة الكلية.

والشخص العاطل وفقاً لتعريف منظمة العمل الدولية هو كل فرد قادر على العمل وراغب فيه بالأجر السائد ولكن لا يجده. وللوقوف على حجم البطالة الحقيقي لابد أولاً من معرفة أنواعها. فقد دأبت بعض الحكومات على إخفاء معدلاتها الفعلية من خلال التلاعب بالإحصاءات الرسمية.

أنواع البطالة:

- البطالة السافرة؛ وهي التي تشمل الأفراد الذين ينطبق عليهم التعريف المذكور أعلاه.

- البطالة الجزئية الظاهرة؛ وتشمل الأفراد العاملين بصورة مؤقتة أو لساعات أقل من وقت العمل المعتاد.

- البطالة المقنعة أو المستترة؛ وتشمل الأفراد العاملين ولكن بإنتاجية معدومة أو متدنية حيث الغرض من توفير العمل سياسي أكثر من كونه اقتصادياً يتعلق بالإنتاجية. ويعتبر هذا النوع من البطالة أكثر أنواع البطالة تعقيداً وأوفرها خطورة من حيث شقه المتصل بتدني الإنتاجية وخاصة في الدول الفقيرة التي تعاني أصلاً من ضعف الأداء الاقتصادي.

أسباب البطالة:

- اقتصادية هيكلية تتعلق بتشكيلة الأداء الاقتصادي التي تكون غير متوافقة مع خلق فرص العمل بسبب ضعف حجم الاستثمار وتدني معدل الناتج المحلي الاجمالي, وارتفاع نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي بحيث تستنزف خدمة الدين والفوائد المترتبة عليه الثروة الوطنية بدلاً من أن يكون مصدراً لتمويل العجز الكلي للاقتصاد وذلك بسبب الفساد وسوء استغلال الديون من قبل الفئة الحاكمة.

في هذه الحالة ينكمش الاقتصاد وتتدنى معدلات الاستثمار فيتعدى الطلب على الوظائف ومرونة العمالة للناتج قدرة الاقتصاد الذي يعجز عن استيعاب العاطلين إضافة إلى الداخلين الجدد في سوق العمل. وفي حالات أخرى يصاحب ظاهرة البطالة نمو في إجمالي الناتج المحلي لأسباب عدة منها تمركز نمو الناتج في أنشطة الخدمات الهامشية قليلة الإنتاجية التي تخلق وظائف محدودة وذات عائد منخفض, ولكنها مربحة لقلة من أصحاب المصالح كما هو الحال بالنسبة إلى الاستثمار في القطاع العقاري.

والجانب الاقتصادي الآخر يتعلق بربط الاقتصاد الوطني بعجلة الرأسمالية المعولمة أو ما يسمى بالنيوليبرالية بدعوى عقود الشراكة الاقتصادية في حين تعمل الاستثمارات الخارجية بشكل مضخة شافطة للثروات الوطنية أكثر منه محركاً للنمو الاقتصادي.

وفي ظل الفساد وغياب المساءلة وحكم القانون تكون هذه الشراكة في صالح الطرف الخارجي الأقوى وبعض الفئات النافذة في الداخل في حين تصيب أدوات ومفاهيم الرأسمالية المعولمة الطبقات الأضعف في المجتمع على شكل بطالة, وتدني مستوى الدخل, وضعف الحماية الاجتماعية, وغياب الحد الأدنى للأجور, ورفع الدعم عن السلع الأساسية, وفرض الضرائب على المؤسسات الصغيرة, وهي الأدوات التي تتبناها الليبرالية الجديدة بغية تخفيض التكلفة وزيادة الأرباح بحجة تشجيع الاستثمار وسرعة دوران رأس المال.

وبسبب تبعية الأنظمة المستبدة للرأسمالية المعولمة تصبح اقتصاديات دولها رهينة للمديونية التي تستنزف الاقتصاد حتى تصبح القروض عاجزة عن خدمة الدين الذي يقرض بشروط قاسية سواء من قبل الدائنين الرسميين كالبنك الدولي أو من الأسواق المالية. وهكذا يتحول الدين العام والخارجي إلى نزيف للثروة الوطنية. وتتحول الأسواق المحلية الى مستهلك لمنتجات الدول الصناعية مما يفقد رأس المال البشري المحلي قيمته ويحول غالبية السكان الى حافة الفقر. وهذا ما سنلاحظه بالنسبة للتجربة المصرية والتونسية, حيث يصاحب هذا النوع من الهيكلة الاقتصادية ظواهر اجتماعية بارزة كانتشار الفقر وتهميش قطاع كبير من المواطنين وغياب تكافؤ الفرص, وفقر في الانتماء, وبروز طبقة طفيلية منعزلة, وسوء توزيع للثروة, وانتشار ظاهرة الفساد وغياب حكم القانون, واختلال ميزان القوة في المجتمع مما يمهد لحالة من اليأس وخاصة في أوساط الشباب الذين يلجأون عادة الى رفض الواقع بالانتحار أحياناً وبالتمرد والثورة أحياناً أخرى كما شهدناه في هذين البلدين.

- أسباب سياسية تتعلق بطبيعة النظام السياسي، حيث ترتفع نسبة البطالة بين المواطنين بالرغم من النمو المطرد في مجمل الناتج المحلي وفي قدرة الاقتصاد على خلق وظائف جديدة وذلك راجع لأسباب عدة من ضمنها الفساد وعدم كفاءة مؤسسات التدريب, وغياب السياسة والخطة الوطنية للتأهيل والإحلال.

في مثل هذه الأوضاع تكون الفوارق الطبقية فاقعة اللون, ويبرز مصطلح الإفقار المتعمد الذي يحول الطبقة الوسطى في المجتمع الى طبقة فقيرة, وترتفع نسبة البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات وخاصة في الطبقة الاجتماعية الأضعف, ويحدث كل ذلك في وضع تهيمن فيه العمالة الأجنبية على أغلب الوظائف التي يخلقها الاقتصاد الوطني وخاصة في القطاع المالي والمصرفي أو القطاعات الحكومية الأخرى المضمونة الدخل والفوائد المعيشية الأخرى كالسكن. وهذه القطاعات تكون محضورة على فئة من المواطنين كما هو الحال عليه في مملكة البحرين حيث تفتح هذه القطاعات للأجانب وتقفل في وجوه بعض فئات المجتمع لأسباب سياسية.

النتائج الحتمية للبطالة:

عند استعراض الأوضاع في بعض الدول العربية كمصر وتونس واليمن على ضوء المعطيات المذكورة أعلاه تتضح لنا الصورة الآتية:

إن البطالة والفقر في هذه الدول هي بطالة اقتصادية هيكلية ناتجة عن الإدارة السيئة للاقتصاد من قبل فئة مستبدة اختزلت الوطن في مصالحها الخاصة التي ربطتها بالمصالح الأجنبية. ففي مصر تجاوزت نسبة البطالة الحقيقية بكثير نسبة 10 في المئة التي تنشرها الإحصاءات الرسمية. وتتمركز البطالة في أوساط الشباب والنساء الذين يشكلون 99 في المئة من عدد العاطلين, ويشكل خريجو التعليم العالي أكثر من نصفهم مما يفسر لنا قيادة الشباب لثورة التحرير من الاستعمار الداخلي الذي يعتبر أكثر أنواع الاستعمار سوءاً. أما الفقر فقد فاقت نسبته حدود الأرقام الرسمية وصنفت مصر من بين أكثر دول العالم فقراً, في حين بلغت فيه ثروة الرئيس المخلوع وعائلته 70 مليار دولار وفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية. كما تجاوز الدين العام لمصر 173 مليار دولار بنسبة 81 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي, وأصبح نصيب الفرد من الدين العام يفوق 2000 دولارعاكساً بذلك فروقاً واضحة في توزيع الثروة في وقت تهيمن فيه طبقة طفولية لا تتعدى نسبتها 20 في المئة من السكان على 80 في المئة من الاقتصاد, وترتفع نسبة التضخم الى ما يزيد على 20 في المئة. وهكذا تكبل العصابة الحاكمة الوطن بدين لصالح الهيئات المالية العالمية تستنزف خدمته الاقتصاد المحلي وتدفع بجل المواطنين الى البطالة وحافة الفقر المحفزين للثورة من أجل التغيير.

وفي تونس التي شهدت كذلك ثورة أطاحت برئيسها المستبد فقد بلغت نسبة البطالة 14.2 في المئة وفقاً للأرقام الرسمية التي تعتبر الشخص غير عاطل إذا عمل ساعة واحدة خلال الأسبوع السابق للمسح السكاني وذلك في محاولة لإخفاء حجم البطالة الفعلي الذي جعل أكثر من مليوني مواطن يعيشون تحت حد الفقر في وقت بلغت فيه ثروة الرئيس المخلوع, الذي لم يكن يملك شيئاً يذكر قبل وصوله الى الحكم, خمسة مليارات يورو وفقاً لمصادر مالية وإعلامية فرنسية. وكنتيجة حتمية للفساد فاق الدين العام في تونس 20 مليار دولار أي بنسبة تعادل 54 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي, كما بلغ نصيب الفرد من الدين العام 1980 دولاراً واحداً. وهكذا وقعت تونس بفعل الفساد والاستبداد رهينة للعولمة الرأسمالية لدرجة تعجز فيها القروض عن تغطية خدمة الدين.

وفي اليمن الذي عرف بالسعادة والرخاء في الماضي أصبح الفقر المدقع والبطالة السافرة أبرز معالمها الاقتصادية حيث بلغت البطالة بين الشباب 54.7 في المئة كما ارتفع مؤشر الفقر وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة الى 46.4 في المئة، في حين بلغ الدين العام 12 مليار دولار بنسبة 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للدين الداخلي و57 في المئة بالنسبة للدين الخارجي.

وفي الوقت الذي يصبح الفقر في هذه الدولة أكثر عمقاً وأشد حدة بلغت ثروة رئيسها المخلد عشرة مليارات دولار وفقاً لمجلة «فوربس». فكيف لدولة يفوق فيها حجم الدين العام وخدماته حجم الناتج المحلي الإجمالي أن تسدد هذه الديون من دون أن يؤدي ذلك الى شلل عام في الاقتصاديات المدينة, التي تظل تدور في حلقة فارغة من البطالة والفقر تؤدي في نهاية المطاف الى التمرد والثورة, وهي الوسيلة الباهظة التكاليف, بدلاً من طريقة التغيير السلمي الأقل كلفة المتبعة في الدول الديمقراطية وهي الطريقة التي لم يرتضيها مستبد على مر التاريخ.

حقاً لو كان الفقر رجلاً لقتلته, ولو كان الاستبداد متواضعاً لنصحته. إلا أن المستبدين يفضلون الموت بذلة في جحورهم على الاستماع الى استغاثات شعوبهم. ومن المؤسف حقاً أن خطر الاستبداد لا ينتهي بالزوال الدامي للمستبد بل يتعداه ليشمل ما يخلفه للأجيال من تركة ثقيلة تتمثل في ديون هائلة ودائرة اقتصادية مغلقة, وارتهان سياسي وعسكري واقتصادي للخارج يدفع الوطن ثمنه لأجيال قادمة. فهل يعي المستبدون تبعات حماقاتهم, ويراعوا حرمة أوطانهم، ويعودوا الى رشدهم قبل فوات الآوان؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً