العدد 3093 - الأربعاء 23 فبراير 2011م الموافق 20 ربيع الاول 1432هـ

تصنيف الأسماك... بين العلم واللغة والشريعة

منذ أن بدأ الإنسان يتعلم الأشياء بدأ بتقسيمها وتصنيفها وكل ما كثرت الأسماء التي يتعلمها أصبح نظام التصنيف عنده أكثر تعقيداً وقد كانت أسماء الكائنات الحية من حيوانات ونباتات تبتكر بصورة عفوية حيث تشتق تلك الأسماء بوسائل متعددة بحسب الظروف والوضعية التي وجدت عليها بالإضافة لصفاتها وسلوكها. وقد تطورت طرق تصنيف الكائنات الحية حتى بدأ البعض يتخصص فيها وقد تطور الأمر في القرن العشرين وأخذ في التسارع حتى أصبح هناك علماً للتصنيف وأصبحت هناك طرقاً علمية لتسمية الكائنات الحية فلم تعد هناك تلك العفوية في تسمية الكائنات الحية بل أصبحت عملية مقصودة. إن العملية العفوية التي سلكها الإنسان في تسمية الكائنات الحية لم تكن حصرية على ثقافة دون أخرى, وفي البلاد العربية نتج من هذه العملية عدد كبير من الأسماء منها ما شاع ووثق في المعاجم اللغوية وأخرى بقت متداولة في مناطق غير أخرى تنتقل من جيل لآخر وأثناء انتقالها هذا خضعت تلك الأسماء لقوانين التطور التي غيرت من صورة بعضها ومعاني ودلالات البعض الآخر.


أنواع الأسماء

تقسم العرب الأسماء إلى نوعين أساسيين وذلك بحسب قول الجاحظ في كتابه (الحيوان) وذلك في الحديث عن فضائل السنور أو القط:

«وللسنور فضيلة أخرى إنه كثير الأسماء القائمة بأنفسها غير المشتقات, لأنها تجمع الصفات والأعمال, بل هي أسماء قائمة، من ذلك القط والهر والضيون والسنور وليس للكلب اسم سوى الكلب وليس للديك اسم إلا الديك وليس للأسد اسم إلا الأسد والليث والباقي ليست بأسماء مقطوعة ولا تطلع في كل مكان» (الحيوان 1982, م2 ج5 ص302).

ونستنتج من هذا القول إن الأسماء على نوعين: الأول وهي الأسماء القائمة بذاتها وهي أسماء مشتركة بين العديد من المناطق وتظهر في الكثير من الأماكن وتتميز في الغالب بأنها أسماء غير قابلة للتحليل أي تحديد علة التسمية على سبيل المثال أسماء أنواع من الأسماك: الكنعد والبدح والبياح, وهذه أسماء وردت في المعاجم العربية ولكن لا يمكن لأحد أن يحدد سبب هذه التسمية. أما النوع الثاني من الأسماء فهي الأسماء المشتقة والتي اشتقت من صفات معينة من الحيوان وهذه أسماء لا تظهر في أي مكان أي قد تكون ذات خصوصية بمنطقة معينة على سبيل المثال أسماء أنواع من الأسماك: خضرة وحومر ونغاقة, ومن الواضح أن هذه الأسماء اشتقت من صفة معينة من السمكة. وتتميز العديد من أسماء الأسماك بأنها أسماء مشتقة وربما يعلل هذا لنا سبب تضارب الأسماء من مكان لمكان آخر, ففي مكان ما ربما يستخدم اسم قائم بذاته وفي مكان آخر يستخدم اسم مشتق وفي مكان آخر اسم مشتق آخر وهكذا. ويعلل هذا لنا أيضاً لماذا أن كثير من أسماء الأسماك المحلية لا توجد في المعاجم اللغوية حيث إن هذه الأسماء المشتقة ذات خصوصية بمنطقة الخليج العربي وبعضها ذات خصوصية ببلد معين في الخليج العربي.


التطور المقصود وضياع التراث اللغوي

إن التطور السريع لعلم التصنيف وطرق التسميات الحديثة والتي حدثت في العالم الغربي والتي أثرت في تلك البلاد وخصوصاً عمليات تعميم الأسماء, على سبيل المثال في اللغة الإنجليزية يستخدم في الغالب اسم واحد أو اثنين وتعمم على عدد كبير من الأنواع التي تكون عائلة واحدة على الرغم من وجود أسماء خاصة لبعض الأنواع إلا إنها تهمل أحياناً وبذلك نجد لكائن حي واحد عدد كبير من الأسماء الإنجليزية. وفي البلاد العربية يفضل دائماً أن يبحث عن اسم يصلح ليكون ترجمة للاسم العام ويعمم هذا الاسم على جميع أفراد العائلة وبذلك يضيع عدد كبير من الأسماء سواء تلك الأسماء العربية الموثقة في المعاجم اللغوية أو الأسماء المحلية. على سبيل المثال تُرجم الاسم Mackerel بالإسقمري وقد تُرجمت جميع الأنواع التي تسمى Mackerel بالإسقمري على الرغم أن لها أسماء عربية واردة على ألسن العامة وموثقة في المعاجم اللغوية القديمة حيث ترجم الاسم King Mackerel بالأسقمري الملكي ولكنه مشهور باسم «الكنعد» وكذلك الاسم Spanish Mackerel يترجم باسم الأسقمري الأسباني وهو مشهور باسم «الخباط». من الملاحظ أن العمليات المقصودة في التطور الدلالي أدت لضياع التراث اللغوي ليس هذا وحسب ولكننا سنرى لاحقاً كيف تسببت عمليات التعميم المقصودة إلى خلاف فقهي علمي وذلك عندما تم تطوير دلالة ألفاظ استخدمت في قواعد فقهية فأصبحت الدلالة الجديدة للفظ بخلاف ما كانت عليه عند صياغة تلك القاعدة الفقهية.


الفقه وتصنيف الأسماك

إن الحديث في حلية وحرمة حيوانات البحر طويل وقد أفرد الفقيه الراحل السيد محمد حسين فضل الله بحثاً مطولاً في هذا الموضوع جاء بعنوان «ثمار البحر... نظرة فقهية جديدة» (فضل الله 2010), ويرد في الكتاب ثلاث عشرة رواية منقولة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أجمع فقهاء الشيعة طبقاً لها بعدم جواز أكل أي شيء من حيوانات البحر إلا السمك والأربيان أو الروبيان ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلس أي قشر أو ما تسميه العامة سفط. أما الحيوانات البرمائية كالسلحفاة البحرية أو أنواع السرطانات والضفادع والحيات فإن أكلها جميعها حرام غير جائز. وبعد مناقشة تلك الروايات ينفرد السيد فضل الله برأي أن تلك الروايات تشير لكراهة أكل ما ليس له فلس وليس حرمته ويرى أنه من الأحوط وجوباً عدم أكلها.

ويحسن بنا نقل طائفة من الروايات في هذا الصدد:

مرسل حريز عمن ذكره عنهما: «أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان يكره الجرّيث، ويقول: لا تأكل من السمك إلاّ شيئاً عليه فلوس، وكره المارماهي».

مرسلة الصدوق قال: قال الصّادق (ع): «كُلْ من السمك ما كان له فلوس، ولا تأكل منه ما ليس له فلس» خبر صالح بن السندي عن يونس، قال: كتبت إلى الرضا (ع): «السمك لا يكون له قشور أيؤكل؟ قال: إن من السمك ما يكون له زعارة، فيحتك بكل شيء، فتذهب قشوره، ولكن إذا اختلف طرفاه، يعني ذنبه ورأسه، فكل».

ونلاحظ في الرواية الأخيرة وجود قاعدة فقهية ثانية وهي ما اختلف طرفاه من السمك فيجب أن يكون له فلس من الأصل حتى وإن تساقط لاحقاً وهذا علمياً صحيح فغالبية الأسماك التي يكون شكلها ثعباني أو سلوري أو إنقليسي أي أن طرفيها متشابهان تكون بدون فلوس أي سفط بينما جميع الأسماك التي يختلف طرفاها يكون لها فلس كما سنرى لاحقاً عند ما نعد قائمة بجميع الأسماك التي ليس لها فلس.

أما بالنسبة للأربيان أو الروبيان ويُسمى في مصر وبعض البلدان الأخرى الجمبري فقد روى يونس بن عبدالرحمن عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) قال: قلت له جعلت فداك ما تقول في أكل الأربيان؟ قال: فقال لي: لا بأس بذلك. أما بالنسبة لبيوض السمك كالكافيار وشبهه فإن حلية بيوض السمك تابعة للسمك نفسه فما كان من السمك حلالاً كان بيضه حلالاً وإلا فلا.


تطور الدلالة والإشكال العلمي الفقهي اللغوي

هذا ليس بحثاً فقهياً حول حلية أو حرمة أو كراهة حيوانات البحر ولكن ما يهمنا هنا ليس فتوى التحريم أو التحليل ولكن الألفاظ والأسماء والمعاني التي نتجت من جراء هذه الفتاوى ويمكننا أن نقسمها إلى قسمين: الأول الأسماء المشتقة التي وسمت بها بعض الأسماك من مثل الاسم «سمكة حرام» أو أسماء أخرى تدل على النجاسة وهي أسماء سنناقشها لاحقاً بالتفصيل. أما القسم الآخر فيتضمن التطور الدلالي الذي أصاب بعض الألفاظ وبالتحديد ألفاظ من مثل فلس وقشر وسفط, هذه الألفاظ وردت في الروايات الفقهية بمعنى محدد لكنها تعرضت عبر الزمن لتطور دلالي وخاصة عند ما حولت تلك الألفاظ من ألفاظ فقهية لألفاظ علمية. وبذلك اختلف معنى اللفظ العلمي عن معنى اللفظ الفقهي واللغوي للكلمة وهذا يضعنا في إشكال علمي فقهي لغوي حيث تم تعميم كلمة «سفط» لتصبح كترجمة للكلمة العامة الإنجليزية Scale (راجع على سبيل المثال المورد لمنير البعلبكي). لنرى ماذا أحدثت هذه الترجمة من فوضى: أحد أنواع سمك القرش أتى وصفه في الكتب العلمية بما ترجمته أن له «سفط» (scales) وهو صغير الحجم وغير مفترس ويبيض. هذه الصفات تخرج العديد من أنواع سمك القرش من روايات التحريم (أو بحسب رأي آخر التي تنص على الكراهة) المتواترة عن أئمة أهل البيت (ع), لكن العرف عند العامة يصنف هذه الأنواع ضمن الأنواع التي تشملها النصوص السابقة, هذا الخلاف العلمي الفقهي نتج من جراء تعميم لفظ خاص ليشمل معاني لم يكن يشملها سابقاً وهو أمر يجدر بنا توضيحه مفصلاً هنا.


السفط بين التعميم والتخصيص

في اللغة العربية تم تخصيص لفظتين لتعني القشور التي تغطي السمك وهي لفظتا فلوس وسفط, وقد انفرد بذكر هذه الألفاظ رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني (1181م - 1252م) وذلك في معجمه «العباب الزاخر واللباب الفاخر» حيث جاء في مادة «فلس»:

«فُلُوسُ السمك: ما على ظهرِهِ شبيهٌ بالفُلُوس».

وجاء في نفس المعجم في مادة (سفط) «وفي بعض اللّغات يسمى القشرُ الذي على جلْدِ السّمكِ: سفطاً, بالتحريك، وهو الجلْدُ الذي عليه الفلْوس. وسفطتُ السمكةَ أسْفطها سفْطاً: إذا قشرتْ ذلك عنها».

ومن هنا نستنتج أن القشور التي توجد على ظهر الأسماك والتي تشبه الفلوس أي أنها دائرية الشكل مفلطحة الوجهين تسمى (فلوس) تشبيهاً لها بالفلوس وهي عملة نقدية رخيصة أقل من الدرهم ومنها قيل أفلس الرجل أي صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم. ويلاحظ أيضاً أن لفظة سفط تعني في الأساس الجلد الذي عليه الفلوس إلا أن دلالة اللفظة انتقلت لتشمل الفلوس أيضاً بسبب التجاور.

وعلى الرغم أن معجم «العباب» كان أحد مراجع الفيروز آبادي في كتابة معجمه «القاموس المحيط» إلا أن الأخير لم يذكر الفلوس بمعنى قشر السمك في مادة «فلس» وكذلك لم يذكر الفعل (سَفط) بمعنى قَشر, والأغرب من ذلك أن الزبيدي في معجمه «تاج العروس» لم يستدرك ذلك على الفيروز آبادي، لا يمكن ترجمة Scale بكلمة سفط.

هناك أنواع من القشور التي تغطي جسم الأسماك والتي تسمى بالإنجليزية scales وهي تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية النوع الأول والذي يغطي جسم سمك القرش (الجراجير) والشفنين (اللخم) ويسمى الحراشف الصفائحية placoid scales وهي حراشف منغرسة في الجلد ولها بنية أسنان الفقاريات إذ إنها تتألف من لب يحيط به عاج تغطيه طبقة رقيقة من الميناء, وهي مكونة من جزءين، الجزء القاعدي وهو يثبت القشور في الجلد بينما الجزء الآخر مثبت بالقاعدة ويتخذ شكل المثلث المدبب والذي تتجه قمته إلى الخلف باتجاه الذيل. أما النوع الثاني من القشور فهي الحراشف الغانوئية gnoid scales وهي حراشف لامعة فائقة المتانة مغطاة بطبقة لامعة من مادة الغانوئين ganoin ويتميز بها أنواع من الأسماك النهرية التي لا توجد في البلاد العربية. أما النوعان الأخيران من القشور فهما المتعارف عليها بالسفط والفلوس وهي قرصية الشكل وتنمو مع نمو السمكة وبذلك تكون حلقات داخلية يمكن عن طريقها معرفة عمر السمكة. ويوجد نوعان من السفط: السفط مشطي الحاشية ctenoid scales والسفط دائري الحاشية cycloid scales.

العدد 3093 - الأربعاء 23 فبراير 2011م الموافق 20 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً