العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ

الكتلة السياسية الحرجة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دون الحاجة إلى الدخول في أية تفاصيل جانبية، أو التوقف عند أية مقدمات لم تعد ضرورية، ندخل في صلب الموضوع الراهن الذي يمس جوهر التطور المرتقب لمستقبل البحرين السياسي. تقف البحرين اليوم، أكثر من أي وقت مضى أمام، منعطف سياسي حاد وخطير يمكن أن يقود البلاد في واحد من طريقين: الأول هو مجتمع مدني ينظم العلاقات فيما بين أفراده ومؤسساته دستور تعاقدي، يستمد شرعيته من قيم مملكة دستورية معاصرة قادرة على أداء وظائفها المجتمعية والاقتصادية وفق آليات تعايش الطوائف والأديان، واعتراف كل واحد منها بالآخر بدلاً من نفيه له. أما الثاني فهو اللجوء إلى لغة العنف، بدلاً من مفردات الحوار، وإنهاء المعارضة السلمية في «دوار اللؤلؤ»، أو الرفض الشعبي في «مسجد الفاتح» من خلال المواجهات الدامية التي تمتشق السلاح كوسيلة للحوار، وتفتح نيرانها بدلاً من شحذ أقلامها.

أكثر ما يؤلم المواطن البحريني اليوم، هو شعوره المتزايد بتمزق الشارع السياسي البحريني، سواءً جراء تفشي أمراض الطائفية البغيضة، التي مارست دورها السلبي خلال السنوات الأخيرة في تعميق الكثير من أشكال الفرقة السياسية، التي سمحت لبعض العناصر التي لها مصلحة مباشرة في تمزيق هذا الشارع أولاً، وفي تأجيج الصراع السياسي ثانياً، من الطفو على السطح، وتنفيذ مشروعها التمزيقي كي يتسنى لها تمرير برامجها الهادفة إلى وضع العصي في دولاب تقدم البحرين على طريق المملكة الدستورية.

ليس هناك مواطن صالح يتردد اليوم في تحديد خياره بين ذينك الخيارين، إذ يسود الشارع السياسي البحريني اليوم شعور جارف بالرغبة في الأخذ بالخيار الأول فهو الكفيل بإشاعة السلم الاجتماعي بين طرفي الصراع، وهو الخيار المجدي لزرع بذرة السلام بين السلطة والمعارضة. ولكي تتمكن المعارضة، قبل السلطة من فرض شروطها السلمية العادلة والمشروعة، وانتزاع حقوق المواطن التي يكفلها له «ميثاق العمل الوطني» والدستور الذي تمخض عنه، لا بد لها من العمل من أجل تكوين الكتلة الجماهيرية الحرجة التي تجلب الجميع إلى طاولة الحوار الوطني الهادف والبناء. ولكي تتمكن المعارضة البحرينية الممزقة اليوم، من التحول إلى هذه الكتلة السياسية الحرجة التي تنتزع حقوقاً يمكنها أن تفكر جدياً في الخطوات التالية:

1. التفكير جدياً في مسألة الوحدة الوطنية بمعناها الشمولي الواسع القادر على استيعاب كل الطاقات الوطنية الراغبة في المساهمة الجادة في التأسيس لجبهة وطنية عريضة، تتبنى المطالب الوطنية، وتدافع عن الحقوق ذات العلاقة بها. ليس المجال هنا مناسباً للدخول في التفاصيل ذات العلاقة بالجوانب التنظيمية، رغم أهميته، لكنها لا تحظى بمرتبة الأولوية هنا، نظراً إلى إلحاح القضايا السياسية الكبرى. ربما آن الأوان كي تتوقف التنظيمات والقوى السياسية المعارضة أمام نفسها، كي تتخلص من كافة أشكال التشرذم الطائفي أو العقيدي، وتبادر إلى تنظيم صفوفها في إطار واحد، مرن، قادر على صهر الطاقات، وتوحيد الكلمات، تحت مظلة سياسية واحدة تطرح مطالب الوطن الكبرى.

2. الاستفادة من الكفاءات الوطنية ذات الخبرات السياسية الغنية، التي ينعم بها الشارع السياسي البحريني أكثر من سواه من الشوارع الخليجية الأخرى بخبرة نضالية استقتها عناصره من تجاربها الذاتية، ومن خلال احتكاكها بالحركة السياسية العربية، وعلى وجه الخصوص منها الفلسطينية واللبنانية، وكلتاهما تتمتعان بخبرات زودتهما بها طبيعة الصراعات التي خاضتها قواهما الوطنية في كلتا الساحتين.

3. الخروج ببرنامج وطني عريض عام، قادر على استيعاب الأهداف الوطنية الكبرى، دون التفريط بتلك الثانوية، مع ضرورة توخي الابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الخلافات الجانبية، أو زرع التناقضات الفكرية الثانوية. هناك الكثير من القواسم الفكرية والسياسية المشتركة التي بوسعها أن تنظم أوسع قطاع جماهيري، والقادرة على صهر الطاقات في بوتقة واحدة، تناضل من أجل تحقيق ذلك البرنامج الوطني العريض.

4. التخلص من الكثير من المفاهيم السياسية الخاطئة، والتصنيفات المسمومة، التي جرى الترويج لها خلال الفترة الماضية، مثل تجريد طائفة من تاريخها السياسي، أو نعت طائفة أخرى بولاءاتها الخارجية غير الوطنية. من الضرورة بمكان هنا الانطلاق من حقيقة واحدة وهي وطنية الشعب البحريني بكل طوائفه وأطيافه السياسية، وإيمانه المطلق بحقوقه المدنية والسياسية التي يبيحها له «ميثاق العمل الوطني»، والدستور المنبثق عنه، كي نقطع الطريق على من يحاول زرع بذرة الطائفية البغضاء، أو إشاعة عوامل الفرقة البغيضة.

في ضوء كل ذلك نرى أن الأوان قد آن من أجل، العمل من تأسيس هذه الكتلة الحرجة، لأنه في غيابها، ستعمل القوى المناهضة للمشروع الإصلاحي، والعاملة بجد من أجل وقف مسيرته التاريخية، والانقضاض على إنجازاته، من أجل إعادة عقارب الساعة للوراء، والعودة إلى مرحلة ما قبل الميثاق الوطني حيث كانت السيادة لـ «قانون أمن الدولة»، السيّئ الصيت. وما لم تتكون هذه الكتلة الحرجة، فسوف يفقد الشارع البحريني الكثير من عناصر قوته، وبالمقابل، ستكسب القوى المناهضة لمسيرة العمل نحو مجتمع المملكة الدستورية الكثير من عناصر القوة.

لم يعد هناك من وقت للاختيار، فالخيار الصحيح واضح وهو العمل بجدية نحو بناء تلك الكتلة الحرجة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:31 ص

      شكرا للكاتب

      بالفعل الوضع جدا خطير ولا يحتمل الخطا, اتمنى من المعنيين قراءه المقال والاتعاظ لان البحرين امانه في ايديكم, نحن اصحاب حق ولكن اذا لم نتوحد ونتفق فسوف يتفق علينا اعداءنا ويقوضون قضيتنا و يستبيحون حقوقنا...

    • مواطن مستضعف | 12:42 ص

      منطق "الوحدة" المعوجّ

      (تعال معي .. كن بجانبي .. اتبعني ...
      لكي نتحدّ و نصبح أقوياء و نحقق مرادنا)
      هذا هو تفكير البعض مع الأسف!!
      مع خالص الود

اقرأ ايضاً