العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ

مخاطر تأزيم الوطن

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحلو للبعض شخصنة أزمة الوطن فيعزوها إلى سلوكيات فردية محضة وغير سوية يمارسها بعض كبار المسئولين هنا وهناك، في حين يعزوها البعض الآخر إلى نزوات عارمة لفئات تريد الانقضاض على امتيازات الآخرين.

وباحترام كامل لحق الاختلاف فإن كلا الرأيين يحتملان الصحة والخطأ، وأن مقدار قوة الرأي لأي موقف يقررها ما يطرح من حلول لأجلها.

فوزير التأزيم يمكن استبعاده من أجل علاج الأزمة التي أشعل نارها، إلا ان استبعاد المسئول بالرغم من أهميته لا يعني بالضرورة زوال التأزم أو علاج أسبابه الحقيقية والتي من ضمنها ذلك الفهم الخاطئ الذي يصور الدعوة للإصلاح السياسي وللمساواة في الحقوق والواجبات على أنها خط أحمر يعرض أمن الأمة للخطر. فهذا الفهم الشاذ هو الذي مع الأسف يتم تسويقه في الداخل والخارج في لعبة سياسية غبية لا يستسيغها الأصدقاء قبل الأعداء.

إن أزمة الوطن هي أعمق من محاولات الشخصنة لأن المسئول في بلادنا وفي كل دول العالم لا يبتدع السياسة بقدر ما يعمل على وضع خطط تنفيذها، فاختياره للمهمة واستمراره فيها مرهون بقدرته وإيمانه والتزامه بتنفيذ السياسة المرغوبة وفقاً لمقياس الولاء.

وكما يقولون في علم الإدارة إن المهمة باقية ومنفذوها راحلون ولو بعد حين.

إن أزمة الوطن تكمن في الاستراتيجية والنهج الذي اخترناه لإدارة شئون بلادنا. فإذا كان النهج قد تخطاه الزمن ولم يعد صالحاً للإبحار بالسفينة بعيداً عن الصخور، فإن الارتطام والغرق هو المصيرالمحتوم لأننا نصر على عدم التكيف مع المستجدات.

إن دولة القانون لا تلغي أحداً أو تركز السلطة المطلقة في جهة معينة بقدر ما توازن أعمدة مختلف السلطات، فدولة القانون هي الأداة القادرة على الإبحار بالسفينة بأمان. ومن الواضح جداً أن ينعكس الأصرارعلى تجاهل هذه الحقيقة الناصعة في الإصرار على تصغير الأزمة وحصرها في الشخصنة. وفي الوقت ذاته يستثمر هذا التصغير لمزيد من التشطير فتفعل من اجله الأبواق الموتورة المبتلية بداء الشرنقة الفئوية التي تختزل الوطن في مصالحها الفئوية الخاصة، وهذا لعمري ضرب من العبث بمستقبل الوطن واستخفاف بحجم المسئولية الوطنية.

إن الأمانة والمسئولية الوطنية تفرض على طرفي المعادلة الاحتكام الى الحوار الرصين المبني على القراءة المتأنية لكل المعطيات الداخلية والخارجية. فإذا ما قبلنا بمبدأ الحوار فإن تحديد إطاره هو الخطوة الأولى، ففي علم الحوار يعتبر تحديد المرجعية هو الأساس, كما تعتبر مهمة رسم خارطة الطريق ومحاور خطط التنفيذ الأدوات المساعدة لترجمة الأهداف الى واقع ملموس. أما الحديث عن حوار في غياب أدواته الفاعلة من جانب، والانشغال من جانب آخر باستحضار أدوات الضغط المضادة في لعبة السياسة وخاصة تلك المتعلقة بالتجييش الفئوي والمذهبي، والإصرار على تحوير دعوات الإصلاح على أنها محاولات تستهدف الآخر, وتكريس الماكنة الإعلامية لخلق رأي عام في هذا الاتجاه فإن ذلك يعكس بعداً كاملاً عن هدف تفعيل دولة القانون التي تنقلنا إلى عالم المستقبل الرحب الفسيح.

إن التجربة على ارض الواقع توفر البراهين بأن دولة العدالة والقانون التي نص عليها ميثاق العمل الوطني لا توفرها الأداة الدستورية المعمول بها في الوقت الحاضر. وهذه الحقيقة توفر المبررات الكافية للاتفاق على صياغة أداة دستورية بديلة تحقق التوازن المطلوب.

إن اقتناعنا جميعا بهذه الحقيقة يمكننا من الاتفاق على اعتماد مرجعية وإطار صالح للحوار نقوم بتحديد وسائله المفعلة لاعتماده كخارطة طريق توصلنا للهدف.

إن سمو ولي العهد الذي كلفه جلالة الملك بتفعيل أساليب الحوار يمتلك من المعرفة والخبرة الكثير في هذا الاختصاص والتي يمكن استثمارها وتوظيفها لتحديد مرجعية وإطار الحوار الذي يوصلنا الى بر الأمان ويوحد جهود جميع أبناء الوطن في اتجاه التنمية والبناء.

كما أن المعارضة بجميع فصائلها مدعوة للعمل كفريق واحد في نفس الاتجاه، وإجادة قواعد اللعبة السياسية باستحضار البدائل المختلفة المنسجمة مع مصالح الوطن بجميع أطيافه، ومع المعايير والتوجهات الدولية التي توفر المزيد من التعاطف العالمي لقضايا الشعوب العادلة، كما أنها مدعوة لإدراك عوامل القوة والضعف التي تساعد على ترشيد القرارات والمواقف لتجنب حشر الذات في بديل واحد قد يفقد زخمه بتغييرات الظروف والزمان. فالمراهنة على عامل الوقت في دوار اللؤلؤة سلاح ذو حدين لا بد من التنبه اليه.

من الواضح بالدليل القاطع أن التصلب في المواقف ورفع السقف عاليا من قبل أية جهة رسمية كانت أو أهلية هو الذي أوصلنا الى حالة التأزم التي تعصف بالوطن والتي لا مجال لعلاجها الا بمراجعة السياسات والتعلم من أخطاء الماضي، فأساليب فرض الأمر الواقع بالقوة من أي طرف كان هو اسلوب لم يعد صالحا مما يوجب علينا مراجعة سياساتنا وأساليب عملنا

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً