العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ

طاولة الحوار بين «الفاتح» و «الدوار» (3 - 3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك عقبات كثيرة تعترض طريق الحوار، لكن الأشد صعوبة فيها هو ذلك الاختلاف على شروط بدء الحوار، ففيما يناشد سمو ولي العهد الأطراف، وعلى وجه الخصوص الجمعيات الخمس، الجلوس إلى طاولة الحوار، نجد أن كل من مجتمع رجال الأعمال، ممثلاً بغرفة تجارة وصناعة البحرين، وكذلك «تجمع الوحدة الوطنية» الذي يرأسه الشيخ عبداللطيف المحمود، قد وافقا، على نحو انفرادي، وبشكل مستقل، على الذهاب والمشاركة، في حين وضعت الجمعيات الخمس شروطاً مسبقة طالبت سمو ولي العهد التعهد بضمانها، قبل المشاركة.

ليس من حق أحد أن يلوم أي من الأطراف على المنهج الذي أخذ به من أجل المشاركة في الحوار، فلكل واحد منها، هناك أكثر من سبب، يبرر الموقف الذي التزم به، ويدفعه إلى التمترس وراءه. وبوسعنا تسليط الضوء على الأسباب الكامنة وراء كل منها في النقاط التالية:

1 - بالنسبة لسمو ولي العهد، يتمحور مشروعه الحواري حول نقطة مركزية إستراتيجية واضحة، تقوم على السعي لضمان وصول المتحاورين إلى طاولة المفاوضات. فمتى ما تحقق ذلك، تتراجع، من وجهة نظره، القضايا الأخرى إلى مراتب ثانوية، ويصبح في الإمكان الوصول إلى اتفاقات حول مسائل قد تبدو معقدة من الخارج، لكن حلها أمر ممكن. لذا نجده يركز في لقاءاته المتلفزة، على أنه «ليس هناك سقف للحوار، وكل القضايا يمكن أن تطرح على بساط البحث»، بما في ذلك، تلك التي كانت تصنف، حتى فترة قريبة في خانة المحرمات، مثل الحديث عن حكومة منتخبة أو تغيير وزاري جذري يطال أعلى نقطة في هرم السلطة، باستثناء جلالة الملك الذي هناك إجماع على موقعه وصلاحياته. قدرة هذا الجناح على إنجاح الحوار رهن، إلى حد بعيد، بطبيعة ومستوى التنازلات التي يرغب، وفي وسعه أيضاً، أن يقدمها.

2 - من جانب كتلة «تجمع الوحدة الوطنية» و «غرفة تجارة و صناعة البحرين»، وموافقة كليهما على بدء الحوار دون أية شروط مسبقة، فإن موقفها، ينبع وبشكل متفاوت، من حرص كل منهما على تحقيق مكاسب للقطاع الذي يمثله. إذ يمكن حصر ما تسعى «الغرفة»، إلى نيله أساساً، في كونه ردة فعل لا تملك أن تتجاهل مطالبات ملحة من لدن قطاع واسع من المجتمع التجاري لأن تكون لهم كلمة فيما يجري على الشارع السياسي، ودور لما سيأتي من حوارات، بالإضافة إلى محاولة جادة لاستعادة الدور السياسي للقطاع التجاري الذي لم يقاوم، بشكل ملموس، سياسات السلطة التي عملت على تهميشه منذ الانقضاض على «هيئة الاتحاد الوطني» في الخمسينيات من القرن الماضي. أما بالنسبة لـ «التجمع»، فهو يسعى، وهو محق فيما يقوم به، كي يكون الرقم السني (نسبة إلى الطائفة السنية)، إن جاز لنا استخدام هذا التصنيف السياسي، الصعب والمهم في المعادلة السياسية القادمة التي ستلجها البحرين، بعد الانتهاء من جولات الحوار. إذ إن هناك اعتقاداً يسود الشارع السني، أن الاتفاقات التي سوف تتمخض عنها الحوارات يمكن أن تجحف ذلك الشارع عند تقسيم الحصص التي سيوزعها الحوار. درجة التقارب العالية بين هذين الفصيلين، تمكنهما، إذا ما نسّقا خطواتهما تشكيل محور يتمتع بوزن لا يستهان به، عند قياس موازين القوى المتحلقة حول طاولة الحوار. من هنا فإن قدرة هذه الكتلة على إنجاح الحوار، وانتزاع أفضل حصة من المكاسب رهن إلى حد بقدرتهما على الوصول إلى أرقى أشكال التنسيق المسبق، والتخطيط المتقن، المبنيان على رؤية سياسية واضحة المعالم، محددة الأهداف.

3 - نصل بعد كل ذلك إلى أهم محور في الحوار والذي هو كتلة الجمعيات السياسية، والتي تقودها في حقيقة الأمر جمعية «الوفاق»، فهذه الأخيرة هي الأكثر حضوراً في الشارع الشيعي، والأكثر قرباً من أحد أهم مرجعياته الدينية المحلية، ومن ثم فهي تمتلك أقوى أوراق هذا المحور الداخلية. لا ينبغي أن يقودنا هذا التشخيص المقتضب، إلى استنتاج خاطئ يوحي باستفراد «الوفاق» عند اتخاذ القرارات داخل هذا المحور، أو تحكمها بشكل غير ديمقراطي في نقاشاته. صورة هذه الكتلة في ذهنية الشارع السياسي، بغض النظر عن دقتها أو مطابقتها للواقع، هي تمثيلها لفريق محاور شيعي، والأمر ذاته ينطبق على السلوك الذي يحكم علاقات الدوائر الرسمية معه. من هنا، وبغض النظر عن تقويمنا له، تبقى النظرة الشائعة هي التي تحدد، شئنا أم أبينا، معالم صورته السياسية، وبالتالي تحدد طبيعة المقعد الذي سوف يخصص له على طاولة الحوار.

ما يأمل المواطن البحرين العادي أن ينتج عن هذا الحوار، يمكن تلخيصه في النقاط الرئيسة التالية:

1 - ثقة المتحاورين في بعضهم البعض. ففي غياب الحد الأدنى من تلك الثقة الضرورية لإنجاح أي حوار يصعب الحديث عن أي شكل من أشكاله الموفقة، والتي في وسعها تحقيق أي من الأغراض النبيلة من وراء انعقاده.

2 - الاتفاق الكلي، وبين الأطراف كافة، على أن الحوار ليس حلاً سحرياً سريعاً يؤخذ في جرعة واحدة، بقدر ما هو حلقات متتابعة ثلاثية الأبعاد، لا تسير في خط تصاعدي واحد، وإنما تمر في تعرجات ملتوية، تفرضها طبيعة الاختلافات في وجهات النظر التي تعبر، في جوهرها عن تضارب في المصالح، وفي أحيان ليست بالقليلة، تناقضها.

3 - وصول جميع الأطراف إلى قرار إستراتيجي نهائي يجمعهم حول طاولة الحوار، وهو ضرورة اختصار وقت الحوار، قدر المستطاع، أو كحد أدنى الانتهاء من الاختلافات حول قضاياه المركزية. فالوقت ليس في صالح المواطن، كما إنه ليس في صالح الحلول الإستراتيجية طويلة المدى، بقدر ما هو في صف تلك العرجاء القصيرة النفس.

4 - اتفاق الأطراف كافة على جدوى الحوار، وبأنه الطريق الوحيد الممكن، لإخراج البحرين من عنق الزجاجة الذي تحاول أن تمر من خلاله في أسرع وقت، وبأقل الخسائر الممكنة، وبأن أي شيء خلاف ذلك، ستكون مدة دوراته أكثر طولاً، وأكلافه أغلى ثمناً.

5 - استعداد الجميع، كل من طرفه، على تقديم بعض التنازلات، التي لا تمس جوهر المطالب الأساسية التي قدم الشهداء السبعة أرواحهم ثمناً لها. على أن تبتعد هذا التنازلات عن المزايدات غير المطلوبة، أو التعالي غير المبرر. وهنا ينبغي أن تعلو البحرين، والمقصود بها البحرين العصرية المتمدنة، فوق أية قضية أخرى. فأي تفريط في البحرين يعني حرف الحوار عن أهدافه النبيلة، وجرّه إلى متاهات تكتيكية، تضيع الوقت والجهود، ومعها تضيع البحرين

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 7:13 ص

      البحرين هي الضحية

      الشارع البحريني كله هو الضحية فيما يجري ... لأن هناك من يود ان يستغل الموقف لتصفية حسابات او تنفيذ اجندات خارجية ....

    • زائر 11 | 5:30 ص

      لا حوار

      اخي الكريم. لاحوار مع من سفك الدماء. لا حوار مع من صفق لسفك الدماء. لاحوار مع من استيقظ من سباته العميق لا للمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب وانما للمطالبة بضرب الحركة المطلبية في الدوار. السؤوال لماذا جميع الجمعيات السياسية الموالية للحكومة التزمت الصمت وابتدأ تجمع جديد باسم تجمع الوحدة الوطنية يظهر على الساحة؟ لماذا لا تتكلم الاصالة او المنبر ؟ ما الذي حدث؟ نحن نتحاور من العقلاء واصحاب الضمير وليس لنا كلام مع هؤلاء.

    • زائر 10 | 3:48 ص

      باختصار

      استاذ عبيدلي، لنكن واقعيين، ليس بين الدوار والفاتح، بل بين المعارضة والموالاة. هناك اصطفاف اريد له ان يكون كذلك. استقواء ببعض المجتمع على بعضه الآخر. هذا هو الامر باختصار.

    • مواطن مستضعف | 2:29 ص

      لتخطّي كافة العقبات يتحتّم:

      التعالي على النرجسية و الأنا و الذات أولاً!!
      و من ثمّ تغليب لغة الدين و العقل و الوطن.

    • زائر 7 | 1:21 ص

      شكرا أستاذ عبيدلي

      مقالكم واقعي جدا

    • زائر 6 | 1:02 ص

      مقعد الحوار

      اخي العزيز ماذا عن الشارع المعتدل الذي وصف بانه لكن مع الشيخ عبداللطيف لكن الاخير و بعد خطابه الاخير بات لا يمكنه تمثيلهم ! كيف يستطيع هؤلاء ايصال اصوتاهم و الحصول على مقعدهم على طاولة الحوار؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 5 | 12:50 ص

      مسجات الطائفية

      على من تقع مسئولية الحد من بث سموم الفتنة عبر وسائل الاتصالات و اخطرها وهو لبرودكاست مسجز و الفيس بوك
      اصبحت تلك السموم تصل الينا دون توقف !!!
      في رأيي هذا هو الخطر البعيد القريب

    • زائر 4 | 12:40 ص

      صلاة الجمعة

      لقد بات موضوع اهمية الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية هو الأهم في هذه المرحلة و لا شك ان موقف الشيخ علي سلمان بالصلاة يوم الجمعة في مسجد الفاتح مع الشيخ عبداللطيف المحمود لهو اكبر دليل مادي على حسن النية و حب الحوار من قبل المعارضة .فبرايي ان الحوار مجدي اذا وجدت النية الصافية التي هي الضمان_بلغة السياسيين _

    • زائر 2 | 11:36 م

      لا تعليق سوى شكركم على جهودكم

      لم لا تسقط الحكومة عندنا بعد كل هذا ؟ و "كل هذا" يعني تاريخ حافل لغاية لحظتنا هذه.

    • زائر 1 | 11:09 م

      لاشروط قبل الحوار

      اذا أحد طرفى الحوار لديه الأثنى عشر شرط لبدء التحاور فلماذا نجلس ونحاور على ماذا بعد الأثنى عشر أعتقد ان هذا جهل سياسى بحت للأسف أو انه لايرغب فى الحوار من الأساس

اقرأ ايضاً