العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ

خبزٌ وعدالةٌ وكرامةٌ وحريات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ألّف الكاتب الأميركي ستيفن أواتيس رباعيةً عن أربع شخصيات تركت بصمتها على التاريخ الأميركي، «ممن تأثروا عميقاً بالمفارقة الأخلاقية للعبودية والاضطهاد العرقي في بلد قائم على أساس المثل العليا لبيان الاستقلال»، كما جاء في استهلال كتاب «النفير».

الكتاب خصّصه لحياة الزعيم الزنجي الشهير مارتن لوثر كنغ، وذيّل صورته بعبارة: «لم يبق الخيار اليوم بين العنف واللاعنف، إنه العنف أو اللاوجود»، مستلهماً تجربة غاندي. كان طالباً ذكياً، يطمح بالعمل مدرساً، لكنه بحكم التنشئة العائلية، سلك درب أبيه فعمل قسيساً، يبشّر الناس بالخلاص. وما هي إلا سنوات حتى وجد نفسه على رأس الحركة المطالبة بالحقوق المدنية والمساواة.

كانت الولايات المتحدة مريضةً بداء العنصرية، التي امتدت من المرافق العامة والمدارس والجامعات حتى المطاعم والمتاجر والأندية والمتنزهات، وكان كل ذلك يطبق باسم القانون. ويصعب على المرء اليوم أن يتخيّل أن البشر كان يتم تصنيفهم في أميركا حسب ألوان بشرتهم، حتى منتصف الستينيات! لم يُشفِها بيان الاستقلال ولا جهابذة السياسة ولا البرلمان بغرفتيه في الخلاص من لوثة اضطهاد البشر.

هذه اللوثة لا تختص بالأميركيين، فقد مارستها كل الشعوب الأوروبية طوال أربعة قرون من استعمارها لشعوب القارات الأخرى. كلها كانت شعوبٌ «متحضرة»، بها جامعات وديمقراطيات عريقة، لم يمنعها ذلك من ظلم الشعوب الأخرى، التي اضطر أكثرها لخوض حروب دامية في سبيل الخلاص والاستقلال.

لم يأت الاستقلال في أغلب هذه الدول بحلم الحرية والكرامة، وفي العالم العربي كان أقدمها استقلالاً لبنان، الذي خرج فيه الشباب قبل يومين للمطالبة بالتخلص من نظام الطوائف والامتيازات. وفي مصر المحروسة، التي تخلّصت من الاحتلال البريطاني لتخضع لحكم العسكر سبعين عاماً، فقدت خلالها هيبتها ومنزلتها بين الدول، واحتاجت لهذه الانتفاضة حتى يستعيد الشعب حريته وكرامته بين الأمم.

هذه الحرية والكرامة أصبحت من أهم عناوين المرحلة التي يعيشها العالم العربي، ومع ذلك تجد قوى تعارضها وتعترض طريق التغيير، ملتمسة مختلف المبررات والمعاذير. والتغيير لا يستأذن أحداً، عالماً أو شيخاً أو رئيساًً، بل هو من نواميس الله في أرضه.

بعد غروب يوم الخميس الدامي، كنت خارجاً من بوابة مستشفى السلمانية والحزن يطوّق قلبي، فسمعت شاباً يناديني من الخلف، ولما حاذاني قال إنك أخطأت فيما كتبته اليوم. كان المقال بعنوان «البحرين وضرورة تغيير قواعد الاشتباك»، بدأته بتوقع «أن تطوي البحرين صفحة قديمة وتفتح صفحة جديدة أكثر أملاً وأقل ألماً». قابلت انتقاده ببسمةٍ حزينة، كنت مخطئاً في تقديراتي، ولم يكن وقت نقاش.

يومها كنت أحلم بتغيير قواعد الاشتباك لدى مختلف الأطراف، من استخدام قوات الأمن السلاح ضد المتظاهرين السلميين؛ إلى تلفزيون البحرين الذي نجح في تنفير واستعداء جزءٍ كبيرٍ من المواطنين؛ وقدّم للعالم الخارجي صورةً للبحرين وكأنها على وشك الدخول في حربٍ أهلية. وختمته بمخاطبة الطرف الآخر من المعادلة: «لا يجوز تضييع حقوقه (الشعب) ومستقبل أجياله، على مذبح الاستقطابات الطائفية أو الفئوية الصغيرة. ومن يطالب بالإصلاح فعليه أولاً أن يبدأ بضبط وإصلاح الشعارات».

اليوم، وبعد كل ما حدث، مازال التلفزيون يمارس عادته القديمة، بإصراره على استضافة بعض الوجوه المستهلكة يومياً، ويفرضها على المشاهدين، رغم دورها المتواصل منذ سنوات في التأزيم والشحن الطائفي. إعلامٌ مريض ٌ حوّل حتى أجمل المشاعر الإنسانية إلى محل ازدراء. حتى الورود التي يقدّمها البحريني لجاره تعبيراً عن محبته وتسامحه، وانسجاماً مع ذاته وطيبته، تحوّلت في عيون هذا الإعلام المريض إلى ورود مسمومة! لكنه الشعار البحريني الساحر الجميل وقد بدأ مفعوله بالسريان: «سلمية، سلمية»، الذي يجب عدم التفريط فيه، وتجنب أيّ فخ يُنصب لإجهاضه، فضلاً عن الذهاب إلى مواقع الاحتكاك والتوتر طوعاً.

البرلمان الذي يعمل الآن بنصف أعضائه وطاقاته، يعمل بعينٍ واحدةٍ أيضاً، والتوازن الذي تحقّق بدخول «الوفاق»، أطاحت به تطورات الأوضاع منذ 17 فبراير الماضي، وبالتالي تحوّل بيت الأمة إلى صوتٍ واحدٍ لا صوتين، وبحرٍ واحدٍ لا بحرين. وبينما كنا نحلم بأن يلعب دوراً مسئولاً في التهدئة وتهيئة الأجواء للحوار المرتقب، تحوّلت جلسته الأخيرة إلى إثارة المزيد من الأحزان والخلافات.

حتى وزارة التربية والتعليم، وبعد أن انتظمت الدراسة وعاد الجميع إلى مواقعهم، أصرت على قواعد الاشتباك القديمة. كان الوضع يحتاج إلى حكمةٍ وترفّع وحسن إدارة، فلا يصح معالجة أربعة أيام بحملة كراهيةٍ لأربعة أسابيع. ومن المؤسف أن تخرج بعض الإدارات عن وقارها وتنزل بخطابها إلى مستوى الشتم وقذف الطالبات والمعلمات بما يعاقب عليه القانون. ماذا أبقين من حرمةٍ للمؤسسة التعليمية إذا كانت المديرة تصف الطالبات بالحيوانات وبنات الشوارع؟ وما هي مسئولية وزارة التربية في هذه الحالة؟ ترى القشة في عين الموظف وتنسى الخشبة في عين المدير!

رغم كل هذه اللوحة الداكنة الألوان، هناك بقع ضوء في نهاية النفق، فبعد الاستنفار بالهراوات، ومواجهة الاصطفاف باصطفاف مضاد، بدأت تصدر بعض النداءات، تحت شعار «وحدة الوطن خط أحمر»، وشُرع بتأسيس لجنة شعبية للسلم الأهلي في عراد، وأُعلن عن استضافة أهالي الدير وسماهيج في مجلس بالبسيتين، تأكيداً على أواصر المحبة والأخوة بين أبناء البحرين. هذه هي البحرين التي نعرف ملامحها الجميلة وتربينا في أحضانها.

في اللؤلؤة، خرجت أمس مسيرة سلمية إلى مبنى «الهجرة والجوازات»، في رسالة احتجاج على سياسة التجنيس، ونُظّم تجمعٌ عند مبنى الأمم المتحدة. وفي المساء يعقد لقاء نسائي للمتزوجات من الطائفتين، وهن من أوائل ضحايا سياسة الشحن والاستقطاب الطائفي.

أخيراً... الموسيقار العراقي نصير شمة، أوحت له انتفاضات الشعوب العربية بتلحين أغنيةٍ جديدةٍ بعنوان «الشعب يريد»، أهداها لكل الباحثين عن الحرية في العالم، فالشعوب العربية تستحق حياةً وحكومات أفضل من الموجود، ولم يكن صراعاً بين الطوائف والقبائل على الإطلاق. شعوب لم تكن مطالبها تعجيزية، وكلّ ما تريده خبزٌ وعدالةٌ وحريةٌ وكرامةٌ ومساواة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 4:24 م

      اللة يخليك

      الى الامام

    • زائر 26 | 2:54 م

      أخي زائر 6(الإعلام المريض حقا)

      أخي العزيز: إتق الله، فهذه المسيرات ليست إرهابية - و إن أرادتها بعض الجهات الطائفية أن تكون كذلك- ، و لو كانت كما تقول لقابلتها الحكومة بالحديد و النار، بدل الحكمة و الصبر. أما قناة العالم فلم تنقل إلا ما حدث بالضبط باستثناء بعض الأخبار التي ترسل من البعض كرسائل قصيرة لشريط الأخبار، فهي مبالغ فيها بعض الشيئ. أجبني أخي هل مشاهد القتل والعنف بحق المعتصمين العزل في الدوار كانت أكاذيباً وافتراءاً؟ او بكاء و نحيب أهالي القتلى كانت كذباً؟

    • زائر 23 | 11:18 ص

      مطال محقة ومشروعة

      وكلّ ما يريده شعب البحرين خبزٌ وعدالةٌ وحريةٌ وكرامةٌ ومساواة... هل هذا كثير على الشعب ؟ وألم تثبت الديمقراطية المنقوصة بأننا في أمس الحاجة اليها؟ إلى متى يتم انصاف هذا الشعب؟

    • زائر 21 | 5:52 ص

      الله يعطيك العافيه

      تسلم ويسلم لنا قلمك حراً

    • زائر 20 | 5:44 ص

      تكملة من اخت شيعية لاختها السنية (رقم11)

      عزيزتي، لو سمعوا للاصوات الحرة الشريفة لما وصلت البحرين الى هذا المستوى من الاحتقان. لو عولجت القضايا بروح وطنية مسؤؤولة لما انتهينا لهذا الانفجار. هما حصل تصيل حاصل. بالعكس ارى السيدقاسم كان متفائلا، وهو اعترف بذلك في نفس هذا المقال، ففي اليوم الذي طالب فيه بتعديل سولوك السلطات في معمالة المتظاهرين نصح الشباب بتعديل الشعارات. كان منصف ومتوازن، لكن ماذا كانت النتيجة؟ في نفيس يوم نشر المقال وقعة الهجوم على الناس وهم نيام. تقبلي حبي واعتذاري فنحن نحب الخير للجميع.

    • زائر 17 | 3:58 ص

      لا للتشاؤم

      أخ قاسم. لا اعرفك شخصيا ولكن أقرأ عمودك وأحس بأن لك نظرة تشاؤمية فدائما تركز على السلبيات و الاختلافاتوتدكر بالجراح.
      البحرين اليوم تمر بمرحلة حرجة تتطلب من الجميع التركيز على المستقبل ونبد الماضي بمساوؤه فنحن اولاد الغد وهده دعوة للتفاؤل والامل والمستقبل الواعد لكل أهل البحرين المخلصين.أتمنى أن يتطور قلمك ليعكس فكر الامل بدلا من الالم. ( هده دعوة من أخت سنية تحب الخير للجميع)

    • زائر 16 | 3:45 ص

      الوعي ثم الوعي

      أهداها لكل الباحثين عن الحرية في العالم، فالشعوب العربية تستحق حياةً وحكومات أفضل من الموجود، ولم يكن صراعاً بين الطوائف والقبائل على الإطلاق.
      هذا كلام واحد محايد من الخارج، يرى الامور بوضوح، بينما هناك مبحرينيين قالبينها طائفية وصراع بين القبائل..... متى يوعون وينتبهون ويكونون احرار في المواقف والتفكير؟

    • زائر 15 | 2:31 ص

      أسجل اعجابي وشكري لقلمك الحر

      شكراً لأنك حر
      وشكراً لقلمك الحر
      وشكراً للبحرين التي عرفتنا بالأحرار .
      وهنيئاً لنا وجود الأحرار في البحرين.
      البحرين بخير مازال فيها نفس ينبض مازلت حراً.

    • زائر 12 | 1:57 ص

      النموذج الراقي للبحرين

      عسى العز دايم عليكم ياشباب الديره انتم تجسدوون ارقى واطهر اصناف الاحتجاج عندما يصرخ سماحه على سلمان ان اي اعتداء على اي من الطائفه السنيه الكريمه هو اعتداء عليه شخصيا الشباب في الدووار يحتضنون اخوانهم السنه ويرحبون بهم اجمل ترحيب مطلب شباب الدوار قبل الافراج عن المعتقليين من طائفتهم اطلاح سراح الحر حمد بو فلاسه هذا نموذج راقي يشرفنا وسيسجله التاريخ على الطرف الاخر مديره مدرسه توبخ طالباتهم وتشبههم ببنات الدوار تستحدث شتيمه جديده في قاموس المدراء المثقفين

    • زائر 11 | 1:26 ص

      والنعم فيك يا سيد

      انت القلم الحر يا سيد قاسم..الله يعطيك الصحه والعافيه ان شاء الله..
      لا شيعيه ولا سنييه وحده وحده وطنيه..

    • زائر 9 | 12:24 ص

      ماذا عن ...

      تعطيل الاعمال ... تدميرالاقتصاد ... الاساءة النفسية للآخرين .... شحن الاطفال و نقلهم كالاغنام ... كل هذا من الاساليب السلمية و السلمية جدا

    • زائر 7 | 11:53 م

      الإعلام المريض حقا

      لست بصدد الدفاع عن تلفزيون البحرين و لكنني و بصفتي واحد من هذه الشريحة الكبيرة التي أستنفرت و إستعدت لم يكن بفعل ما بث على تلفزيون البحرين. المسيرات التي تدعي إنها (سلمية) أراها و القاعدة العريضة التي أنتمي إليها إنها إرهابية بكل المقايس. إذا فعل تلفزيون البحرين ما تقول , فإنه نقطة في بحر عما يفعله تلفزيون العالم و المنار من تأجيج و شحن طائفي. إن هاتان القناتان لا تتورعان عن نشر ألاكاذيب و الإفتراءات على البحرين و أهلها المخلصين. رؤيتك للأوضاع من منظور أضيق من فكرك . إتق الله.

    • زائر 6 | 11:45 م

      نعم

      هذاالمطلب و الذى لا تر فى ثناياها إلا الخير و الكرامه و العداله هناك اناس ( نسناس) يعتبرونها شحن من نوع ثقيل جداً على اكتافهم . فى مثل قديم لا اريد ان اكتبها و لن تنطبق على هذه المجموعه المغروره و المتكبره .

    • زائر 5 | 10:48 م

      أبن المصلي

      هذه ثقافة الأقصاء والتهميش ووصم طائفة بنعوت لا انزل الله بها من سلطان ومنها بان هؤلاء ليس لهم ولاء للوطن وأن ولائهم للغير وماشابه من هذه الأتهامات الباطلة الكاذبة ليحققوا من ورائها مكاسب لطائفة على حساب طائفة أخرى هي في الأساس مهمشه ولطالما دفعت الكثير من الدماء والتعذيب والسجون والأبعاد وما زالت تعاني من الظلم ولكن اذا كان للباطل جولة فالحق له الف جولة وجولة اذ لابد للقيد أن ينكسر

    • زائر 4 | 10:47 م

      بسم الله الرحمن الرحيم

      ( ربنا أفرغ علينا صبرا" و توفنا مسلمون)، هذه الأية تدفع الفتن الفكرية خاصة. فلنقرأها و نقرأ القرآن كل يوم حتى تطمئن قلوبنا في ظل كل هذا الموج الكاسح من الأخبار و الإشاعات و العصف الفكري و التعب النفسي. الله سبحانه و تعالى هو الحق، و من كان مع الحق فهو مع الله، و الحق بيّن و ساطع مثل الشمس.

    • زائر 3 | 10:42 م

      بسم الله الرحمن الرحيم

      (إن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا)، فرق تسد، لله الحمد فنحن في البحرين شعب متعلم و راقي و على مستوى عال جدا" من الوعي لما يجري من حولنا للإخلال و هدم هذه المسيرة الشعبية المباركة.

    • زائر 2 | 10:33 م

      بارك الله فيك.

      كل هذا الشحن الطائفي و تصوير المطالب السياسية بأنها خلاف بين طائفتين و يريدون الحوار! هذا إفلاس و قد مارسته كل الأنظمة بعناوين مختلفة، مرة مشاكل قبلية، و مرة إسلاميين و مرة القاعدة و المتطرفين، يعني لا داعي لكل هذا الشحن فهذه إهانة للشعب البحريني الأصيل في عقله و وجدانه، و إلتفاف على القضية السياسية المطلبية.

اقرأ ايضاً