العدد 3121 - الأربعاء 23 مارس 2011م الموافق 18 ربيع الثاني 1432هـ

تعلقوا ولو بقشَّة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أبدأ مقالي بقصّة. يقول الفقيه الكبير السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (1879 - 1990) بأنه وعندما كان شاباً يدرس في العراق، رأى مُبشِّراً مسيحياً يُوزع كتباً على العراقيين في سوق للحِدَادة تدعوهم إلى اعتناق المسيحية وترك الإسلام. ولأن المِزاج العراقي حادٌ بطبعه، فقد كان الواحد منهم يتناول الكتاب من يد ذلك المُبشِّر ويرميه في النار.

يقول السيد النجفي: نظرتُ إلى وجه المٌبشّر وإذا به يبتسم. قلتُ له بأن ما تقوم به هو سراب أمام استهتار هؤلاء بك. قال: يكفيني لو أن واحداً منهم احتفظ بالكتاب وتأثر به هو أو أحد أبنائه.

اليوم، وأمام ما يجري في البحرين من سِجال وخِصام وجروح غائرة فإن التبشير الحقيقي هو لأمر واحد أوحَد. القضاء على الطائفية. لا يَيْأسَنَّ أحد (من الكُتَّاب أو الدُّعاة) أمام غلواء المعركة وشراستها لسبب وجيه وهو الإصرار على أن لا تنتهي تلك المعركة بمثل ما كان يريد الأعداء والخصوم لها أن تنتهي، وهو خلط الأوراق، وتحويل الخلافات السياسية إلى خلافات دينية، والأخيرة إلى مذهبية، والمذهبية إلى دمار لا يُبقِي ولا يَذَر.

أفهم جيداً بأن الصوت العاقل قد لا يكون مسموعاً كما يجب في هذه المعركة وسط كلّ هذا الصراخ والعويل. لكن ذلك لا يمنع أبداً من أن نستمرّ في طرح هذه الدعوة، ونعض عليها بالنواجذ لأن المسئولية لا يُخليها ذلك أبداً بل يُؤكدها ويزيدها وجوباً.

أكبر النصح أن نقول إنه وعندما تحترب الطوائف فإن الالتزام الطبيعي هو أن يفهم الجميع بأن وقائع الجرم إن حصلت فإنها تخصّ فاعِليها فقط وليست عوائلهم ولا طوائفهم ولا أحياءهم. كما أن الواجب التالي في ذلك هو القضاء على ذلك الجرم عبر حصره ومعالجته فوراً وبدون السَّعي إلى نشره بين العَوام. لأن في إظهاره وتحمِيَتِه تثويراً للغرائز الكامنة في دواخل الأفراد. على الجميع أن يعضّ على الجراح. وأن يُعمِل النسيان ما أمكن. فالاستذكار يستوجب استحضار الحدث بشخوصه وانتماءاتهم المذهبية، وبالتالي التفكير في أقصى ما يُمكن إيقاعه من قصاص اجتهادي أو قانوني بحقهم وهذا ما لا يجوز في مثل هذه الظروف الحساسة جداً.

الأمر الآخر المهم في هذه المرحلة هو البناء على كل شيء يُعيد الأمل والصدقية إلى مجتمع التعايش الذي كنا عليه في البحرين حتى ولو كان شُعاعاً ضئيلاً. بالتأكيد فإن قصص التعايش كانت تحصل في السابق وبأحجام أكبر ربما، لكننا لم نكن نلتفت إليها لأنها وباختصار كانت تأتي في سياق طبيعي جداً، وهي غير داخلة في مسار أزمة اجتماعية، لذا فإنها كانت تمرّ وكأنها نتاج حتمي للروابط والعلاقات الشخصية والعائلية الناظمة.

شخصياً، وفي هذه الأيام (وأدعو جميع البحرينيين أيضاً) أبحث عن هذه النماذج والحكايات ما أمكن، وكأنني أبحث عنها في بطن كتاب.

قبل أيام ذهبت لتقديم واجب العزاء لإحدى العوائل في المحرق. أول ما كنتُ أسأل عنه هو عن هذا الهاجس:

هل جمعتكم لحظة الحزن أيها الأحِبَّة سُنّة وشيعة؟

الجميع أجابَ بـ «نعم». زَادَ أحدهم على ذلك بالقول: بأن شخصاً يعرف العائلة وهو من طائفة أخرى أوْلَمَ لضيوفنا (تبرعاً) منه ما تيسَّر بسبب النقص الحاصل في السوق. عندما سمِعتُ ذلك تَرَقرَقَ الدَّمع في حِملاق العَين.

نحن بخير إذاً. وهو يدلّ (وغيره أيضاً) على أن جذور التعايش بين البحرينيين لم تنخَرِم بعد. والزائفون من دعاة الافتتان ما هم إلاّ زبَدٌ سيذهب جُفاءً. لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3121 - الأربعاء 23 مارس 2011م الموافق 18 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 11:03 ص

      مجاهدون

      شكرا على هذا المقال الرائع.......
      تعقيب :أنا أرى ان شعب البحرين يجاهد ضد الطائفية البغضاء لما في قلوبهم من تسامح وحب, ولكن روؤس الفتنة لا زالوا يبثون سمومهم لكنا صامدون مجاهدون..

    • زائر 17 | 3:35 ص

      رائع جدا

      مقال كم نحن في حاجة له

    • زائر 16 | 3:34 ص

      رغم الجراحات

      رغم الجراحات التي تنزف وبقوة لازلنا نردد أخوان سنة وشيعة وهذا الوطن مانبيعه.. هل يعتقد أخواننا السنة أننا كنا نردد هذا الشعار نفاقاً أو تقيةً أم ماذا؟ أريد أحد الأخوة السنة الكرام يجيبني على هذا السؤال

    • زائر 15 | 3:27 ص

      اخي كلام جميل

      اخي كلام جميل بس وينك من قبل وله كنت ماترا الي حاصل وله كان شيء في نفس يعقوب

    • زائر 14 | 3:02 ص

      شكرا لكم

      عزيزي الكاتب..اريدك ان تطمئن فلا زالت الدنيا بخير
      انا كغيري من البحرينيين لدي اصدقاء كثر من الطائفة السنية الكريمة..هم من بادروا بالإتصال ليطمئنوا علينا وعلى اهلنا في الأسبوع الماضي..لقد كانت نبرتهم صادقة ومفعمة بالحب والخوف علينا وكأن ارواحنا هي ارواحهم..
      ولنا في كلمة الصغيرة إبنة أحد الشهداء عبرة عندما قالت: "علمني والدي ان احب كل الناس ولا اكره احد فقط من يأخذ حقي"

    • زائر 13 | 2:56 ص

      اخونا محمد شكرا على هذا الطرح الوطني الاصيل

      اخونا محمد شكرا على هذا الطرح الوطني الاصيل ولكن لازالت بعض الايدي تزيد استعار النار شاهد فقط التلفاز وبعض الصحف اصرار عنيد على شرخ المجتمع وتصنيفه وقتله وحرمانه من حقوقه كأنه فئة طارئة على المجتمع وليس مواطن اصيل منذ الازل ويريد حياة كريمة للأسف للأسف للأسف نتكب هذه الكلامات مضطرين مضطرين ......

    • زائر 12 | 2:54 ص

      اخونا محمد شكرا على هذا الطرح الوطني الاصيل

      اخونا محمد شكرا على هذا الطرح الوطني الاصيل ولكن لازالت بعض الايدي تزيد استعار النار شاهد فقط التلفاز وبعض الصحف اصرار عنيد على شرخ المجتمع وتصنيفه وقتله وحرمانه من حقوقه كأنه فئة طارئة على المجتمع وليس مواطن اصيل منذ الازل ويريد حياة كريمة للأسف للأسف للأسف نتكب هذه الكلامات مضطرين مضطرين ......

    • زائر 10 | 2:13 ص

      إن قوّة الإلفة والمحبة هي أقوى من أن ينال منها أحد

      نحبّ إخواننا السنة ولن يؤثر فينا ما حصل ولن يؤثر في حبنا لهم ظرف معين. إخواننا شركاؤنا في الوطن ولهم مالنا وعليهم ما علينا وما طرحناه في مصلحة الجميع
      وسوف تبقى علاقاتنا كالجبل الشمّ ما يهزّه الريح
      سوف تنقشع هذه الغمّة عنما قريب ونعود لهم ويعودوا لنا بقلوب صافية نحن على ثقة من أنهم يبادلوننا نفس الشعور
      هي دائما الحراكات الشعبية تلقى في طريقها من يحاول وصمها بما ليس فيها كما رأينا في مصر وفي تونس
      وفي ليبيا حتى ادعى القذافي على شعبه بالهلوسة والتبعية للقاعدة

    • زائر 9 | 2:05 ص

      اليد ممدودة

      الى من يعتقد بأن الجرم قد وقع على الدولة، هناك شريحة كبيرة تعتقد بأن الجرم وقع من الدولة وليس عليها... ما يهمنا الآن هو كيفية العبور بالدولة وبكافة أطياف المجتمع للخروج من هذه العاصفة, ثم كيفية معالجة الجروح الغائرة التي سببتها الاحداث... نحتاج الى اللغة التي يجيدها كل بحريني أصيل (لغة التسامح والتفاهم) وإبعاد اللغة الدخيلة علينا (لغة الانتقام والتخوين). لا تطير البحرين إلا بجناحين.

    • زائر 8 | 2:03 ص

      شنو تقول

      مملكة دستورية صارت ظائفية؟؟؟؟؟

    • زائر 7 | 1:57 ص

      لا توجد عندنا طائفية بين الشعب

      هنالك من يحاول أن يوقظها لأسبابه الخاصة الوجودية، و الكل يعرف ذلك و يعيه، هل تغيب عنك هذه الحقيقة؟؟؟

    • زائر 6 | 1:45 ص

      راي

      استاذ لاكن هذا الجرم وقع علي دولة وليس علي فرد ( الساكت عن الحق شيطان اخرس )

    • زائر 3 | 12:40 ص

      انت تعلم يا اخي

      من يقوم بزرع الطائفيه ولصالح من ...الشعب وما زال شعاره وهو حقيقه وليس بشعار لا سنيه لا شيعيه ووحده وطنيه وقد ترجم على ارض الواقع وسيراه ويفقهه كل قلب مبصر وكل عين ترى الحقيقه وكل ضمير حي ونفس طاهره

    • زائر 2 | 12:38 ص

      اهم شيء

      أكبر النصح أن نقول إنه وعندما تحترب الطوائف فإن الالتزام الطبيعي هو أن يفهم الجميع بأن وقائع الجرم إن حصلت فإنها تخصّ فاعِليها فقط وليست عوائلهم ولا طوائفهم ولا أحياءهم

    • زائر 1 | 11:49 م

      مقال رائع

      شكرا للكاتب على هذا المقال الرائع الذي تخترق كلماته القلب قبل الأذن

اقرأ ايضاً