العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ

التجربة العربية

هناك حديث شريف للرسول (ص) يقول «لا يلدغ المسلم من جحر مرتين» ودلالة هذا الحديث هوإن على المسلم التعلم من التجارب والدروس التى يمر بها لكي يتجنب الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى، والحديث في ظاهره موجه الى مسلم واحد ولكن بالتمعن فيه نرى انه يرمى الى المجتمع الإسلامي ككل والذي يتكون من افراد مسلمين المفترض فيهم الاقتداء بهذا الحديث، والنتيجة بالضرورة تعنى أن المجتمع الإسلامي مفروض عليه التعلم من اخطاء الماضي وأي مجتمع يكون هذا المبدأ ديدنه لابد وان يتطور ويتقدم لانه بتقليل الاخطاء يزداد السداد والصواب ويقل الوقوع في نفس المشكلات والمآسى مرة أخرى. ونحن اذا وضعنا العالم العربي تحت مجهر هذا الحديث وقسنا عليه درجة الاقتداء به لوجدنا انه لم يلدغ مرتين فحسب بل لدغ عشرات المرات ولم يتعلم ان لا يدخل يده في نفس الجحر إذ من الملاحظ ان الفكر العربى لا يزال يمجد القائد الفرد الملهم المعصوم من الزلل والذى بيده الحل والعقد وجلاء الغمة والمسيطر من خلال اجهزته الاعلامية وزبانيته المنتفعين من الوضع على كل صغيرة وكبيرة إذ يختزل كل هذا الوطن بأرضه وشعبه ومفكريه وتراثه في شخصية هذا القائد الفذ، والنتيجة لذلك ان هذا المجتمع يتم صوغ تكوينه على اساس وجود هذا الشخص إذ يتم عن طريق الاعلام الموجه بان هذا الوطن سيضيع ويتلاشى اذا غاب هذا القائد الذي لم ولن يجود الزمان بمثله مرة أخرى.

ويمكن تشبيه هذا المجتمع ببناء مرتكزه الاساس عمود واحد حيث اذا سقط سقطت البناية كلها وهذا بالضبط ما حدث في العراق، فلو ان المجتمع العراقي كان مجتمع مؤسسات لا يعتمد على تأليه قائد الضرورة الذى كانت صوره وتماثيله تملآ الشوارع والميادين «وما في هذا البلد الا هذا الولد» لما استطاعت القوات الخارجية ان تحتل العراق بهذه السهولة بل لما تجرأت على الاقدام على هذا العمل لانه من الصعوبة بمكان الحاق الهزيمة بمجتمع متماسك هيكله لا يعتمد على عمود واحد بل عدة اعمدة اذا سقط منها عمود لا يتصدع ويسقط لان هناك اعمدة أخرى تتحمل العبء وتحمى البناية من السقوط. والادهى والامران الفكر العربي لا يتوقف عند تمجيد القائد الاوحد وهو في اوجه عظمته بل يستمر على هذا المنوال حتى حين يسقط ويتسبب في كوارث، فالحب الاعمى لهذا الزعيم الفذ يحاول ان ينسج الاعذار الواهية لهذا السقوط إذ يلجأ رأسا الى تعليق سبب المأساة على مشجب العامل الخارجي والمؤامرات الدولية وهذا كان دأبنا منذ سقوط الخلافة العثمانية إذ نلوم الآخر كمسبب لكل مآسينا ولم نتعلم من كل هذه التجارب بأن نقف ولو لوهلة وننظر بعين التمعن والتفحص في داخلنا باحثين عن الاخطاء محاولين طرح الحلول لها ووضع الخطط لوضع هذه الحلول محل التنفيذ وهذا كله يؤكد أننا مازلنا نلدغ من نفس الجحر مرات ومرات.

عبدالعزيز علي حسين

العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً