العدد 1242 - الأحد 29 يناير 2006م الموافق 29 ذي الحجة 1426هـ

سياسة تولد الغضب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اختصر الرئيس الأميركي جورج بوش كثيراً تلك الأسباب التي أوجبت تغيير المعادلة في الانتخابات الفلسطينية التشريعية. فالرئيس بوش علق على النتائج من زاوية ضيقة حملت السلطة الفلسطينية المسئولية كلها. فهذا الرئيس لم ير في صورة الموقف سوى السلطة. وبرأيه أن تلك السلطة (يقصد محمود عباس وحكومة أحمد قريع) أسهمت في إضعاف حركة فتح وافسحت المجال لحركة حماس بالاستفادة من الثغرات والسلبيات للقفز على هرم «الدولة». ببساطة يرى بوش ما يراه البعض من أن سبب هذا الانقلاب في المزاج الشعبي يعود إلى الفساد الفلسطيني وتبذير المال العام والرشوة والتقصير في عدم تلبية حاجات الناس ومتطلباتهم في العمل والتربية والصحة. وببساطة أيضاً هذا تزوير للحقائق والوقائع والأرقام. فبوش في تعليقه على النتائج اراد استبعاد مسئولية واشنطن في تحمل تبعات التغير الذي حصل. كذلك حاول أن يرفع المسئولية عن السياسات العامة للولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي والدعم المطلق ومن دون حذر لكل ما تفعله أو تريده «إسرائيل». المسألة ليست اجتماعية فقط. ولو كانت كذلك لاتجه الشعب الفلسطيني إلى التصويت للجانب الآخر وخصوصاً بعد أن أطلق الاتحاد الأوروبي تلك التصريحات التي هددت بوقف المساعدات المالية والعينية. فلو كان أهالي فلسطين يركضون وراء المال الأوروبي (والأميركي) لكان الناس صوتوا لتلك اللوائح التي وعدتهم المزيد من المساعدات والمشروعات والضمانات. المسألة أكبر من تلك الأوهام التي حاول بوش زرعها في عقل الرأي العام. كذلك لا يمكن اختزال تلك النتائج الانتخابية بزاوية اجتماعية تتصل مباشرة بالسلطة الفلسطينية. ما حدث اعمق بكثير من تلك القراءة المتسرعة التي أطلقها بوش تعليقاً على الانتخابات الفلسطينية. لأن ما حصل يعتبر رسالة ثقافية من العيار الثقل وتتناول مباشرة جوهر المسألة الفلسطينية وكل ما يتفرع عنها ومنها من سياسات دولية وعربية وإقليمية. الشعب الفلسطيني قبل ذهابه إلى صناديق الاقتراع سمع بتلك الوعود واطلع على تلك التهديدات وقرأ ما ذكرته المصادر السياسية نقلاً عن واشنطن والاتحاد الأوروبي من تصريحات تثير الاشمئزاز وكلها تصب في خانة الابتزاز والاذلال والاذعان. الولايات المتحدة هددت بتجويع الشعب الفلسطيني إذا صوت للوائح «حماس». والاتحاد الأوروبي توعد الشعب الفلسطيني بوقف التعاون والدعم وقطع المساعدات. و«إسرائيل» ذكرت الناس بالقتل والاجتياح وتجميد المفاوضات والامتناع عن الانسحابات الموعودة في حال اتجه الأهالي إلى ممارسة حقهم المشروع في اختيار ما يرونه مناسباً لتمثيل مصالحهم في الظروف الراهنة. هذه التصريحات المبتذلة والرخيصة مدعومة بسياسة طويلة من الظلم والقهر والتشريد والاقتلاع والنفاق والتفرقة العنصرية ودعم مشروع «إسرائيل» التوسعي والاستيطاني شكلت تحدياً للناخب الفلسطيني. فهذا الكلام كما يبدو استفز المشاعر وأثار الغضب واهان ثقافة الناس البسيطة والمتواضعة، ولكنها كانت كافية للرد على حملة الافتراءات التي توخت اذلال الكرامة وابتزاز المعاش مقابل رشوة الضمائر وشراء الأصوات. الشعب الفلسطيني قال كلمته. وهي بسيطة ومتواضعة وتنقصها القوة العسكرية والأموال، ولكنها تحمل في المقابل ذاك الرد الثقافي الذي لم تتوقعه كل الحسابات والاستطلاعات. الجانب الثقافي لعب دوره في تحديد سكة سير الناس حين تحول في لحظة ما إلى قوة دافعة للرفض والتعبير العام عن حق الرد. وحين يكون الرد على مستوى التحدي يجب أن تعيد الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، قراءة الموقف من كل جوانبه. تحميل الرئيس الأميركي السلطة الفلسطينية مسئولية ما حصل هو محاولة غير موفقة للتهرب من تلك المسئوليات التي تتحملها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي في دعم «إسرائيل» وتقويتها بالمال والسلاح لمواصلة سياسة الظلم والاقتلاع وبناء «جدار الفصل العنصري» والتهديد مجدداً بإعادة الاحتلال. فمثل هكذا سياسة تولد الغضب. والشعب الفلسطيني غاضب منذ قرابة قرن.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1242 - الأحد 29 يناير 2006م الموافق 29 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً