العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ

الدبلوماسية المصرية في عالم متغير

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تُعَدُّ الدبلوماسية عموما سلاحا من أمضى الأسلحة في عالم القوة عبر العصور، وتزداد أهميتها في عالم القرن الحادي والعشرين، ولذلك لا عجب أن قال عالم الاستراتيجية الألماني المشهور كلاوزفيتز (1780 - 1831): «إن السياسة هي الحرب بوسائل أخرى» كما صك عالم السياسة المعاصر جوزيف ناي (1937) مصطلح القوة الناعمة.

والدبلوماسية المصرية لها تاريخ عريق، وقد حافظت على تقاليدها هذه في أصعب مراحل التاريخ المصري الحديث، وخصوصا بعد عدوان «إسرائيل» في 1967 واحتلالها أراضيَ عربية من ثلاث دول.

كما عملت الدبلوماسية المصرية في مرحلة ما بعد حرب 1973 للترويج لمفهومين هما السلام والتنمية والارتباط والوثيق بينهما. ولهذا حظيت قضايا مثل نزع السلاح ومناهضة سباق التسلح وخصوصا في مجال منع الانتشار النووي بأهمية متزايدة. وفي العقد الأخير من القرن العشرين احتلت قضية مقاومة الإرهاب والتطرف مكانة خاصة في نشاط الدبلوماسية المصرية، دعا الرئيس حسني مبارك في خطاب له في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ العام 1986 لمؤتمر دولي لمناقشة قضية الإرهاب والتمييز بينه وبين حق الشعوب في الدفاع عن مصيرها ومكافحة الاحتلال.

ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين تزايدت أهمية الدبلوماسية إذ برز مصطلح القوة الناعمة الذي تمحور حول عدة قضايا اقتصادية وثقافية واستخدامها بأسلوب مبتكر في تحقيق الأهداف القومية للدولة وكانت الدبلوماسية هي محور وأداة تحقيق مثل هذه الأهداف. ولهذا برز دور الدبلوماسبة المصرية في الكثير من القضايا، ولكن نخص بالذكر ثلاث قضايا احتلت اهتماما خاصا في السنوات الأخيرة. الأولى قضية الديون الخارجية والتي أمكن من خلال القرارات السياسية العليا، ومن خلال الحركة الدبلوماسبة تخفيف أغبائها بصورة منقطعة النظير. الثانية قضية دحض الاتهامات التي روجت لها قوى مغرضة من حين لآخر حول موقف مصر من قضايا حقوق الإنسان التي روج لها بعض المتطرفين من المصريين في الخارج، الثالثة قضية التطرف والإرهاب التي ارتبطت بمشاركة بعض العناصر المصرية المتطرفة في حادث 11 سبتمبر/ أيلول. ولا نقول إن المجتمع المصري محصن تماما من وجود بعض مظاهر التطرف، ولكن نقول إن المجتمع سمته الاعتدال والعقلانية والتوازن، بحكم مراحل التطور وتفاعل القوى الاجتماعية مع بعضها البعض.

ولعل من القضايا المهمة التي واجهتها الدبلوماسبة المصرية باقتدار قضية البرنامج النووي الإسرائيلي ومخاطره على الأمن بوجه خاص والأمن العربي بوجه عام. فطالبت مصر دائما بإخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن يكون تفكيك البرنامج النووي العراقي بعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت هو أحد ركائز العمل الدولي، ولهذا أضافت مصر لهذا الغرض الفقرة الرابعة عشرة ضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 الصادر بتاريخ 3 أبريل/ نيسان 1991. كما أصرت على أن يتضمن ذلك أيضا مؤتمر المراجعة لاتفاقية منع الانتشار الذي عقد العام 2004.

ونجحت إلى حد كبير جهود الدبلوماسية المصرية في هذا الصدد من حيث تأكيدها في القرارات الدولية على هذا التوجه.

ولم تكن «إسرائيل» وبعض القوى الدولية المناوئة لمصر بمنأى عن متابعة جهود مصر والسعي لإحباطها، ومحاولة ابتزازها بشتى الطرق، ولعل من أحدث تلك الوسائل ما تردد في الصحف وأجهزة الإعلام من تسريب بعض موظفي وكالة الطاقة الذرية لتقرير سري حول اكتشاف بعض آثار لليورانيوم المخصب في أحد المواقع المصرية. وهدف ذلك كما هو واضح ابتزاز مصر وتشويه مواقفها، وإثارة اللغط حول جدية تمسكها بمبادئها، ودعوتها لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، وهي الدعوة التي تبنتها مصر منذ العام 1974م، وصدرت بشأنها قرارات سنوية من الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد عليها، وكذلك دعوتها لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهي دعوة طرحتها مصر منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

وعملت الدبلوماسية المصرية خلال السنوات الأربع الماضية وتحديدا منذ العام 2005 على إزالة الالتباس الذي أثارته بعض التقارير الدولية بصدد مواقفها من مسألة منع الانتشار النووي. واتخذ التحرك المصري عدة مسارات ومسالك من خلال أنشطة الرئيس مبارك واتصالاته على مستوى القمة، ومن خلال الدبلوماسية المصرية بقيادة وزير الخارجية أحمد أبوالغيط. وفي لقاء معه مؤخرا للاستفسار عن ما دار من لغط حول اكتشاف بعض آثار اليورانيوم المخصب في مصر أوضح لي مدى الخطأ الفني والدبلوماسي الذي وقع فيه بعض صغار موظفي الوكالة الدولية، وكذلك مدى الجهد الذي بذلته الدبلوماسية المصرية على مستوى وزارة الخارجية أو بعثتها في فيينا بوجه خاص، وفي عواصم عدة لتوضيح ذلك، وهو ما أسفر بوضوح عن اعتراف الوكالة الدولية بخطأ تصرف بعض موظفيها وفساد استدلالاتهم.

والواقع أن الدبلوماسية المصرية اعتمدت ثلاث ركائز في عملها وهي الشفافية والمصداقية والوضوح، وهذا انعكاس للسياسة المصرية طوال مسيرتها المعاصرة. فالهدف الاستراتيجي المصري هو تحقيق الأمن من خلال منع الانتشار النووي. والخطر الرئيس الذي يتهدد ذلك هو البرنامج النووي الإسرائيلي، ومن ثم كانت مصر بعيدة النظر في سعيها الدائب منذ العام 1968 في رفض التصديق على معاهدة منع الانتشار النووي، وبعد توفيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبروز أزمة الطاقة على المستوى العالمي، سعت مصر لإقامة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة، وذلك في خطة معلنة، وطرحت ذلك في مناقصة دولية بشفافية، وعندما لمست مخاطر كارثة تشرنوبل توقف التوجه المصري لفترة، ثم عادت القيادة المصرية في مطلع القرن الحادي والعشرين لتعلن قرارها استئناف سعيها لإقامة مفاعلات نووية للأغراض السلمية، وتؤكد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من هذا كله يمكن للمرء أن يستخلص أن السياسة المصرية والعمل الدبلوماسي المصري كان واضحا وشفافا، ومن ثم اكتسب مصداقية، فهو يعمل في وضح النهار، من أجل رؤية استراتيجية واضحة ومعلنة.

ولا مراء في أن التميز الذي حققته وما تزال تحققه الدبلوماسية هو محصلة عمل وتدريب ودراسة أكاديمية ومهنية، تبدأ من الحصول على المؤهل الجامعي ثم دخول امتحانات مسابقة تحريرية وشفوية، ثم تدريب في المعهد الدبلوماسي، حيث يتلقى الدبلوماسيون دراسات نظرية وخبرات عملية من خلال تجارب وخبرات الدبلوماسيين المخضرمين.

فإعداد الكوادر الدبلوماسية المصرية ليس مسألة سهلة ولكنها ضرورية للتميز.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً