العدد 1282 - الجمعة 10 مارس 2006م الموافق 09 صفر 1427هـ

هل أسقط الموساد طائرة إيرانية في يناير الماضي؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

طرح الصحافي السويسري بيار هويمان قبل أيام السؤال الذي يشغل بال خبراء الأمن الغربيين منذ وقت: كيف ستتصرف «إسرائيل» في ضوء ما تصفه بتهديد أمنها من قبل إيران المتهمة بالسعي إلى إنتاج وامتلاك أسلحة نووية؟ ليس هويمان أول من طرح هذا السؤال ويكون الأخير. وفقا لتحليلات خبراء في أجهزة الاستخبارات الغربية فإن «إسرائيل» تتصدر الدول التي لها مصلحة بهجوم عسكري على المنشآت النووية في إيران التي يعتقد أنها على العكس من المفاعل النووي العراقي الذي دمرته «إسرائيل» في مطلع الثمانينات، ليست موجودة في مكان واحد وإنما في مناطق متفرقة في أنحاء البلاد. بينما يتفاوض الاتحاد الأوروبي ممثلاً ببريطانيا وفرنسا وألمانيا منذ وقت مع إيران بهدف إقناعها بوقف برنامجها النووي المزعوم، فإن قلة هم الذين يعتقدون أن الحل السياسي سيظهر في القريب العاجل. في العلن، تقول «إسرائيل» إنها تؤيد المفاوضات وتتمنى التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف كما تدعو إلى تضامن المجتمع الدولي للضغط على إيران وتهديدها بعزلة دولية. وفي الخفاء، وهذا ما يثير قلق مسئولي الأمن الغربيين على الأكثر، تعد لخطة لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وعلى رغم أن «إسرائيل» تأمل بأن تقف الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في وجه إيران فإنها في أسوأ الأمور لن تتردد بأن تقوم بهذه المهمة وحدها إذا اضطر الأمر، علما أنها تعرف أنه عقب انطلاق الطائرات الحربية الأولى سيقف الغرب لجانب «إسرائيل». لاشك أن هذا أسوأ السيناريوهات التي يجري الحديث عنها وراء أبواب موصدة في العواصم الغربية لما قد تسفر عنه من مواجهة نووية في منطقة الشرق الأوسط التي فيها أكبر احتياطي عالمي من النفط والغاز. في الغضون توقف الحديث عن خطة عسكري أميركية للهجوم على إيران أولا بسبب الضغط المتزايد على الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش داخل بلده، وارتفاع عدد الجنود الأميركيين العائدين بصناديق خشبية من العراق، ثم نتيجة اختلاف الموقع الجغرافي لإيران مقارنة مع العراق. كذلك بسبب معارضة روسيا والصين لمثل هذا العمل. كلاهما يعتمدان على تجارتهما المزدهرة مع إيران كما تعتمد الصين بصفة خاصة على مشترياتها من النفط والغاز من الجمهورية الإسلامية. كما أن هناك انقساماً في الرأي داخل الحكومة الألمانية الائتلافية. فقد توقفت المستشارة أنجيلا ميركل عن استخدام لغة حادة تجاه إيران بعد أن كشفت في فبراير/ شباط الماضي تأييدها لخيار عسكري كآخر حل، لأن شركاءها الاشتراكيين انتقدوها بشدة وطلبوا منها التوقف عن التفكير في الخيار العسكري، لكن التجارب أثبتت على مدى التاريخ الحديث أن الولايات المتحدة وألمانيا لن تتركا «إسرائيل» وحيدة. الأولى لأنها تشعر بأن «إسرائيل» ربيبتها في منطقة الشرق الأوسط والثانية نتيجة عقدة الذنب.

أسوأ السيناريوهات المطروحة وضعه الكاتب الـ إسرائيلي شبطاي شوفال في روايته الأخيرة التي تحمل عنوان «أنا... الشخص المختار» وتدور حول نتائج هجوم نووي على «إسرائيل» ويقول في الكتاب: تعلن أجهزة الأمن الاسرائيلية حال استنفار قصوى ويقول راديو «إسرائيل» إن إيران جهزت صواريخ مزودة برؤوس نووية لضرب تل أبيب خلال الـ 48 ساعة المقبلة. تضطر «إسرائيل» للتصرف بقسوة وبأعصاب باردة وتشن هجوماً نووياً على إيران وتطلق العنان لصواريخ «أريحا» وغيرها تتجه إلى الأراضي الإيرانية أيضاً بواسطة غواصات «الدلفين» التي زودتها بها ألمانيا بدءا من العام 1999. بيد أن هذا السيناريو نتيجة الخيال الواسع لكاتب «إسرائيل» غير أنه يصبح حقيقة لأن شوفال يتحدث في روايته عن العام 2009 وهو العام الذي يقول الغرب إن إيران تكون مع حلوله نجحت في الحصول على التقنية لبناء القنبلة النووية كما تكون نجحت في تجهيز صواريخ «شهاب 3» برؤوس نووية علما بأن «شهاب 3» يصل مداه اليوم إلى تل أبيب.

مجرد ما تسلم إيهود أولمرت مقاليد السلطة في «إسرائيل» عقب مرض رئيس الوزراء ارييل شارون صرح بأن «إسرائيل» لن تتساهل وتلتزم الصمت بينما إيران تعمل في بناء برنامجها النووي. واستخدم رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس لغة أكثر درامية حين قال إن «إسرائيل» على حافة التعرض لاعتداء يهدد بقاءها. يرمي الإسرائيليون من وراء استخدام لغة التهديد، إلى زرع الرعب في نفوس القادة الإيرانيين من جهة وزيادة الضغط على البلدان الغربية من جهة أخرى بهدف إقناع إيران بالتراجع عن طموحاتها النووية. ما أفلحت فيه «إسرائيل» في الفترة الأخيرة وضع ختم دولة مارقة على العلم الإيراني وساعدتها في ذلك تصريحات صدرت عن الرئيس الإيراني الجديد محمود أحمدي نجاد الذي هدد بمحو «إسرائيل» من خريطة العالم. وحمل وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز إيران وسورية مسئولية العمليات الاستشهادية الأخيرة التي وقعت في «إسرائيل». وقال إن العمليات الفلسطينية خططها السوريون ومولتها إيران ونفذها فلسطينيون. وتقضي الخطة الدبلوماسية لـ «إسرائيل» بأن يجري نقل النزاع النووي مع إيران إلى مجلس الأمن الدولي تمهيدا لفرض عقوبات اقتصادية على الجمهورية الإسلامية. وقد استبق الإسرائيليون الحوادث كعادتهم ليكشفوا بأنفسهم أن المؤامرة ضد إيران يجري ترتيبها منذ وقت، فقد رتبوا باقة من العقوبات التي قدموها عبر القنوات الدبلوماسية إلى حكومات غربية ليجري تبنيها وعرضها على مجلس الأمن الدولي، والتي من شأنها أن تؤثر على كبار القادة الإيرانيين. بحسب التصورات الإسرائيلية ينبغي مقاطعة النفط الإيراني ووقف تعاون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إيران ومنع طائرات الخطوط الجوية الإيرانية الهبوط في مطارات دولية ومنع منتخب إيران لكرة القدم من المشاركة في بطولة العالم لهذه اللعبة التي تستضيفها ألمانيا في يونيو / حزيران المقبل.

يقول مراسل صحيفة «فيلت فوخه» السويسرية في منطقة الشرق الأوسط بيار هويمان إنه من الصعب الحصول على مسئول إسرائيلي رسمي يعترف بوجود خطة دبلوماسية مناهضة لإيران. ويعترف المحرر الأمني في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يوسي ميلمان بعدم وجود خيار عسكري إسرائيلي مناهض لإيران لاعتبارات واقعية أولها أن موقع المنشآت النووية الإيرانية متفرع في مناطق مختلفة على العكس من المفاعل العراقي (عسيراك) الذي دمرته «إسرائيل» في العام 1981 بغارة واحدة. وتعلم الإيرانيون من أخطاء صدام حسين وأعدوا جزءاً من منشآتهم النووية تحت الأرض ووزعوها على مناطق عدة، ما يضع الخبراء العسكريين أمام مأزق كبير، إذ لا يمكن الاكتفاء بضربة واحدة بل يحتاج الأمر إلى عدد كبير من الغارات، وهذا تحد كبير لسلاح الجو الإسرائيلي. ويقول الخبير العسكري الإسرائيلي شلومو بروم إنه بوسع الطائرات الحربية الإسرائيلية الوصول إلى مواقع الأهداف لكن ليس بوسعها شن هجمات لعدة أيام متتالية إنما بوسع الطائرات الإسرائيلية الوصول لإيران ورمي قنابلها ثم المغادرة. غير أن مثل هذا السيناريو لا يشكل ضماناً، إذ ليس لدى الإسرائيليين معلومات محددة عن مواقع المنشاًت النووية الإيرانية علاوة على عدم وجود مبرر لشن هجوم على إيران لعدم وجود دخان أو بحسب التعبير الأميركي nug gnikomS . كما من ضمن حسابات الإسرائيليين ردود فعل هجوم على إيران التي ستحرك المنظمات التي تدعمها لتضرب مصالح إسرائيلية وأميركية وأهم هذه المنظمات حزب الله اللبناني الشيعي الذي يملك صواريخ بوسعها الوصول إلى ميناء مدينة حيفا. وتخشى «إسرائيل» صواريخ حزب الله بالمستوى نفسه من خشيتها الصواريخ الإيرانية.

خشية الوقوع في أخطاء مدمرة تجد «إسرائيل» أنه من الأفضل أن تعطي الدبلوماسية الغربية فرصة ولذلك تحاول إقناع الغرب بأن المستهدف ليس «إسرائيل» فحسب بل أوروبا أيضا ولذلك ينبغي تشكيل تحالف دولي مناهض لإيران تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية. طبعاً لن تخلد «إسرائيل» للراحة وتجلس في صف المتفرجين. الكاتب شوفال الذي عمل سابقاً في المخابرات الإسرائيلية يعتقد أن الموساد سينشط في عمليات التخريب والاغتيالات لتعطيل البرنامج النووي الإيراني. هناك من يعتقد أن الموساد وراء سقوط طائرة إيرانية في يناير الماضي كان على متنها قائد الحرس الثوري وقائد سلاح الجو الجنرال أحمد قاسمي وعدد من كبار الضباط. حتى لو نفت «إسرائيل» وجود ضلع لها في سقوط هذه الطائرة فإنها لا تنكر أنها سرت كثيراً لمقتل قاسمي، معتبرة ذلك خطوة مهمة لتعطيل البرنامج النووي الإيراني لأن قاسمي كان في الوقت نفسه المسئول عن مشروع إنتاج وتطوير صواريخ «شهاب». ليس في الغرب من يملك معلومات محددة بشأن موعد حصول إيران على القنبلة النووية. يرى البعض أن المسألة ستتبلور خلال أشهر قليلة والبعض الآخر يقول إنها تحتاج إلى سنوات كثيرة. ضمن حملتها لدفع الغرب للضغط على إيران تروج الاستخبارات الاسرائيلية لما تصفه بمرحلة لا يمكن فيها التراجع عن الخيار العسكري مهما كلف الأمر. نقطة الخلاف بين الغرب و«إسرائيل» أن الطرف الأول يعتقد أنه سيكون بوسع إيران صنع القنبلة في العام 2008 على الأقل بينما «إسرائيل» تتوقع أن يكون الموعد أقل بكثير. يقول المتشائمون إن امتلاك إيران القنبلة سيجعلها قوة غالبية في منطقة الخليج وسيؤدي ذلك لارتفاع أسعار النفط. ويقول المتفائلون إن إيران ستتقيد بقوانين اللعبة التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة بين الشرق والغرب وأنها ستتخلى عن استخدام الأسلحة النووية. كما ستستخدمها للضغط على المجتمع الدولي لإقناع «إسرائيل» بالتخلي عن أسلحتها النووية أو السعي إلى خفضها. أخيراً هناك نتائج دراسة يعود زمنها للعام 1982 تجعل «إسرائيل» تفكر مرتين قبل اتخاذ قرار شن هجوم على إيران. تقول الدراسة إن إيران قادرة على تحمل هجوم نووي محدود على العكس من «إسرائيل» التي ستفقد 300 ألف قتيل في ضربة نووية واحدة

العدد 1282 - الجمعة 10 مارس 2006م الموافق 09 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً