ناقشنا في الفصل السابق عدداً من الأسماك شبهت بها أشخاص وذلك لتوضيح صفة معينة في هذا الشخص تعتبر من ميزات هذه الأسماك, وسنعطي في هذا الفصل أمثال جديدة لأسماك شبهت بها أشخاص, كما سنناقش جملة من أسماء الأسماك التي اشتهرت في العديد من التشبيهات وكذلك ضرب بها الأمثال, وكل ذلك بسبب ميزة خاصة توجد في هذه الأسماك. العديد من الأمثال التي سنوردها قديمة جداً ربما لم تعد تستخدم وقليل منها سمعته وغالبيتها جمعتها من الكتب التي وثقتها, ككتب الناصري «موسوعة الأمثال الشعبية» و «من تراث شعب البحرين», وكتب الدرورة «الأمثال الشعبية الملاحية» و «الكنايات الشعبية الملاحية» وكذلك كتاب المدني «أمثال البحرين الشعبية».
الشعري Emperor
هذه السمكة مشهورة في بلدان الخليج العربي باسم «الشعري», وتعرف هذه السمكة في مصر وسواحل البحر الأحمر باسم «الشعور». وربما اشتق الاسم شعري وشعور من الاستشعار لما عرف عن هذه السمكة شدة شعورها بالخطر. وفي الكتب العلمية العربية ذُكرت أنواع من هذه الأسماك باسم «الإمبراطور» وهو ترجمة للاسم الإنجليزي. ويذكر (Smith) في كتابه عن أسماك العالم أن هذه الأسماك تتميز بلحمها الطيب إلا أن بعض الأنواع الصغيرة طعمها فاسد يؤدي إلى الغثيان وربما هذا بسبب ما تتغذى عليه, أما في الخليج العربي فغالباً ما تفضل صغار الشعري أو ما تعرف باسم الشحاديد ومفردها شحدود.
«فلان شعري»:
يتميز سمك الشعري بصعوبة اصطياده وخاصة بالسنارة, ولاسيما أن الشعري شديد الحذر وخصوصاً إذا مر بتجربة سابقة وقد أفلت من السنارة, وقد وصف الشعري من قبل العامة بأنه يستشعر بالخطر, وقد ذكر هذه الكناية صلاح المدني في كتابه «أمثال البحرين الشعبية» (ص 257 – 258): «عندما نطلق على فلان إنه شعري فنحن نقصد أنه كسمكة الشعري ذكية أريبة لا يمكن صيدها إلا بشق الأنفس... هناك فعلاً جماعة من الناس وهبها الله صفة الذكاء والنباهة... فلهم من الحواس ما يستشعرون بها الخطر من بعيد بالضبط كقرون الاستشعار التي وهبها الله لسمكة الشعري».
وربما اشتق اسم هذه السمكة من شدة استشعار هذه السمكة للأخطار فسميت شعري أو شعور كما تسمى في البحر الأحمر.
«چنه (كأنه) شعري»:
تختلف هذه الكناية عن سابقتها فهي تضرب لمن أراد الهروب وهو محاط بوسائل يجهلها أو يضرب لمن هربه مستميت, وقد ذكر هذه الكناية الدرورة في كتابه عن الكنايات الملاحية (ص 136): «كأنه سمكة الشعري أي أنه عندما يريد الهرب فإنه يستميت من (الشص) الميدار وقد يسحب خيط السنارة ويكاد يسحب معه البحار إلى ماء البحر بالرغم من صغر هذه السمكة. ولهذا فالملاح الجيد إذا كان يصطاد في منطقة فيها أسماك الشعري فإنه يحتاط لأصول السلامة فهو يمدد خيط (حبل) السنارة أمتار كثيرة حتى يعطي الشعري فرصة للهرب بالخيط ومن ثم يسحبه وهو نوع من التحايل حتى لا يفلت منه».
«فلان شحدود»:
يسمى شَحدود وشَحذود وأظن الأصل فيها شَحذوذ, وهو الصغار من سمك الشعري, وتسمي العامة في البحرين الشحدود الصغير «اعطَيني» وقد ذكر البكر في كتابه «الحداق» الكناية «فلان كأنه شحذود» (ص 180), وقال البكر إنها تقال للشخص النحيف ذي البطن المنتفخ. وربما سميت هذه الأسماك بالشحذوذ لأنها ضعيفة الجسم تشبيهاً لها بالجوعان, جاء في لسان العرب في مادة «شحذ»:
«رجل شحذوذ: حديد نزق. وشحذ الجوع معدته: ضرمها وقواها على الطعام وأحدها... والشحذان بالتحريك الجائع وهو من ذلك».
كليب الدَو Tripodfishe
سميت هذه السمكة بالاسم Tripodfishe وترجمته «ثلاثية القوائم» لأن كل زعنفة من زعانفها الحوضية استبدلت بشوكة واحدة طويلة فبدت من الأسفل بشوكتين طويلتين كأنهما قائمتين أما القائمة الثالثة فتمثل بجزء من الزعنفة الظهرية حيث استطالت بعض الأشواك في مقدمة الزعنفة الظهرية مكونين شوكة واحدة كبيرة وقوية. وتعرف هذه الأسماك عند العامة في البحرين والكويت وشرق الجزيرة العربية وقطر باسم چليب (كليب) الدَو أو چلب (كلب) الدَو, وقد ذكر هذه السمكة White في كتابه عن أسماك دولة الإمارات العربية باسم «كسي» أو «قسي» وربما اشتق الاسم من قسي أي قساوة وذلك لقساوة جلد هذه السمكة ومنه التسمية الإنجليزية الأخرى Leather-jacket. وتسمى أيضاً Spikefishes.
ولا نعلم بالتحديد سبب تسمية هذه الأسماك بهذا الاسم, وقال لي بعض العامة من أهل الخبرة في الأسماك إن بعض الأسماك التي تسمى بهذا الاسم عندما يتم اصطيادها فإنها تفرز لعاباً كثيراً من فمها فربما سميت بالكلب لذلك. وهناك لعبة شعبية قديمة تسمى چليب الدَو وهي عبارة عن ريشتين من جناح حمامة وعود بطول إحدى الريشتين, وتربط أطراف الريشتين والعود فيتكون شكل له ثلاث قوائم شبيه بسمكة چليب الدَو وهو سبب تسمية هذه اللعبة, وتلعب هذه اللعبة بوضع المجسم المصنوع المسمى چليب الدَو على الأرض وعند هبوب الرياح يتحرك معها. وچليب الدَو أيضاً هو الاسم العامي لحيوان الوبر الصخري الذي يشبه الأرنب.
«مثل چليب الدَو»:
ذكر هذا التشبيه الدرورة في كتابه «الأمثال الشعبية الملاحية» (ص 194):
«يقال للذي ينم أو يغتاب, والمعنى أن كلب الدو ييلسع البحارة بشوكته السامة عندما يسيرون في الماء الضحل ليلاً لصيد الأسماك من الحضرة أو الغزل أو القنبار أو السالية أو القراقير... والبحارة لا يقصدون صيده, ومع هذا ينالهم الأذى منه».
الحف Wolfherring
العامة في البحرين تسمي هذه السمكة «حِف» بكسر الحاء و «شيمة» وفي الإمارات تسمى «حَف» بفتح الحاء وتسمى أيضاً «حُف» بالضم، أما في الكويت فتسمى «حَف» بفتح الحاء, وهذا الأخير هو اللفظ الفصيح لاسم هذه السمكة فقد جاء في القاموس المحيط: «الحَف (بالفتح) سمكة بيضاء شاكة» وهذا الوصف ينطبق على هذه الأسماك فهي فضية اللون تعلوها زرقة ولحمها كثير العظام أو بمعنى آخر شائكة اللحم.
«لايمو للحف سلة...»:
من الأمثال الشعبية القديمة التي ربما تكون قد انقرضت المثل الشعبي «لايمو للحف سلة يا بنات الچنعدة (الكنعدة)», (لايمو) فعل أمر بمعنى أجمعوا مشتق من اللَم بمعنى الجمع والحديث موجه لأسماك الكنعد الصغيرة, ومعنى المثل «أجمعوا يا صغار سمك الكنعد السلة أو الشوك لسمكة الحف», وهذا مثل يساق بأسلوب التهكم, فهو يطلب من بنات «الكنعد» أي الصغير من الكنعد وهي أسماك قليلة أو نادرة الأشواك أن «تلايم» أي تجمع «السلة» أي الأشواك لسمكة الحف.
ويضرب هذا المثل للمكثر من الشيء يطمع فيما لدى المقل منه ومن يندر وجوده عنده. وهو شبيه بالمثل الشعبي الآخر «أهل البقر يطلبوا من أهل الغنم زبدة»
العدد 3154 - الثلثاء 26 أبريل 2011م الموافق 23 جمادى الأولى 1432هـ