بأعواده ... آلته ... يعيد صوغ معرفة أخرى... صوغ نوايا وذهابات عميقة نحو المهمل في النفس والروح. والذين يصغون الى الساحر بامتياز مارسيل خليفة يدركون كم الاستفزاز والكشف الذي يمارسه عليهم كلما احتضن آلته... كلما سرى دفء روحه اليها... اذ سرعان ما يشيع حالاً من الدفء المعمّم في أرجاء الصالة... حتى الأشياء يطولها شيء من ذلك الدفء. ذهاب آخر يجترحه مارسيل خليفة في عوالم ركنت الى خدرها الرسمي والشعبي... وإلى «تنبلتها» التي يبدو أنها من غير حدود... فيما هو يمعن في إشاعة يقظة استثنائية وملفتة كلما طرق أبواب العواصم برهافة الشاعر والمكتشف والمصلح الفذ. وحتى العواصم التي أيقنت أن هذا الرجل لن يتركها تستمتع بموهبة الحجْر لديها، أدركت أخيراً أن عليها أن تترك الناس عرضة للهواء والمطر والحرية، عرضة لحالات مارسيل خليفة، لذلك وعلى رغم أنها لم تتقن درس الخديعة والتصنع، فانها تركته يعبر الى الضفة الأخرى من المكان... إلى الناس.
أحيا الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة مساء الاربعاء الماضي حفلا موسيقيا في البحرين قدم فيه للمرة الأولى أمام الآلاف من عشاق فنه، آخر اعماله «تقاسيم» مختتما فعاليات ربيع الثقافة الذي نظمته ادارة الثقافة والفنون في البحرين على مدى أكثر من شهر. واكتظت الصالة الثقافية قرب متحف البحرين الوطني بآلاف الحاضرين الذين جاء بعضهم من المملكة العربية السعودية والكويت وباقي دول الخليج، وافترش الكثير منهم أرض الصالة ورددوا مع مارسيل اغانيه القديمة مثل «ريتا والبندقية» و«يا حادي العيس». وقال خليفة لوكالة «فرانس برس»: ان «تقاسيم عبارة عن ثلاثي للعود والكونترباص والايقاع» مشيرا إلى ان العود الذي يعزف عليه شخصيا «يتحاور في هذا العمل للمرة الاولى منذ عملي كونشرتو الاندلس مع الكونترباص والايقاع في مدى لحني يتناول كل المساحات الصوتية في الآلتين».
واضاف «هذا العمل المكون من ثلاثة اجزاء مهدى للشاعر محمود درويش بعد 30 عاما من صدور عملي الأول المأخوذ من نصوص درويش وعود من العاصفة». وأشار خليفة إلى انه «لحن الكثير من نصوص درويش وهذا العمل يأتي ضمن هذا السياق لكن لن تكون فيه أشعار درويش ولن يكون فيه صوتي (..) بل هو موسيقى أحاول معها استكشاف آفاق جديدة». وشارك مع خليفة في العزف ابنه بشار (ايقاع) وعازف الكونترباص النمسوي بيتر هيربرت فيما قدم عازف الفلوت البحريني أحمد الغانم برفقة رامي، الابن الثاني لخليفة، مقطوعة لحنها المؤلف اللبناني لعازف الفلوت اللبناني العالمي وسام بستاني.
وكان خليفة أحيا عدة حفلات موسيقية في البحرين اعتبارا من العام 1997، وكان آخرها العام الماضي بمناسبة يوم الموسيقى العالمي شاركته فيه زوجته يولا كيرياكوس والمغنية اللبنانية اميمة الخليل. وبعد البحرين، يحيي خليفة حفلا في القاهرة ومن ثم حفلا آخر للمرة الاولى في الخرطوم.
ويعد خليفة الذي أصبح في يونيو/ حزيران الماضي أول فنان عربي يطلق عليه لقب «فنان اليونسكو من أجل السلام» واحدا من الفنانين البارزين في العالم العربي بسبب مهاراته في عزف آلة العود والرسائل السياسية التي تحملها أغنياته. يذكر أن مهرجان «ربيع الثقافة» التي استمر شهرا كاملا بتنظيم من مجلس التنمية الاقتصادية، ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد للثقافة والتراث، تخللته مسرحيات ومحاضرات وحفلات موسيقية وشعرية ومعارض أقامها فنانون ومثقفون من البحرين، فرنسا، لبنان وتركيا، أسبانيا والولايات المتحدة. ويعد «ربيع الثقافة» الذي استمر في الفترة من الاول حتى 29 مارس/آذار الماضي جزءا من الجهود المبذولة لاعادة تلك الدولة الخليجية الصغيرة لتصبح مركزا ثقافيا وسياحيا.
يعود الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة إلى القاهرة بعد تسعة اعوام لاحياء حفلتين في 20 و21 ابريل/ نيسان الجاري، احداهما في دار الاوبرا المصرية في اطار فعاليات ربيع المورد الثقافي الذي تنظمه مؤسسة المورد الثقافي الاهلية. وقالت مديرة المؤسسة بسمة الحسيني لوكالة «فرانس برس» ان «خليفة سيأتي للمشاركة في فعاليات مهرجان الربيع الثالث مع فرقة الميادين والفنانة اميمة خليل، وسيقام الحفل الأول في المسرح المكشوف في دار الأوبرا المصرية والثاني في قاعة النيل في ساقية الصاوي المؤسسة الثقافية الاهلية الخاصة». وأكدت أن «حضور خليفة وخليل وفرقة الميادين سيشكل علامة بارزة في مسار مهرجان الربيع في دورته الثالثة وخصوصا أنهم معروفون بمواقفهم الوطنية والتقدمية والانسانية التي وراء منح خليفة «لقب فنان السلام» من منظمة اليونيسكو».
وكان خليفة حضر إلى القاهرة العام 1997 ليشارك في مهرجان الموسيقى العربية وقدم اكثر من حفل خلال وجوده في العاصمة المصرية. وعرف خليفة وفرقته الميادين في بيروت في أواسط السبعينات اذ قدم الكثير من الأغاني الوطنية وغنى الكثير من قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش. ويعتبر خليفة من أبرز وجوه التيار الغنائي السياسي العربي الملتزم. ومن سورية تشارك فرقة «حوار» للمرة الأولى في العاصمة المصرية. والفرقة كما تصفها الحسيني تشكل «مدخلا جديدا للابداع» فهي تستند في موسيقاها وغنائها إلى التقاليد الموسيقية الشرقية والكلاسيكية الغربية، والآلات التي تستخدمها سماعية غير الكترونية.
وفي القسم الشعري ستشارك الشاعرة الفلسطينية المقيمة في الولايات المتحدة سهير حماد في تقديم تجربتها في مخيمات الأردن وحياة نيويورك باللهجة العامية الأميركية (سلانغ) على نمط غنائية الراب. كذلك يشارك الشاعر البحريني قاسم حداد الذي صقله نضاله وتجربة الاعتقال دفاعا عن الديمقراطية، علما بأنه أطلق موقعا على شبكة الانترنت مخصصا للشعر والشعراء العرب. وإلى جانبهما، يقف الشاعر العراقي فاضل العزاوي الذي يكتب الشعر بثلاث لغات، هي: العربية، الانجليزية والألمانية بعدما استقر في المنفى اثر سنوات من الاعتقال. ويختتم القسم الشعري بامسية مشتركة لشاعري اللهجة العامية المصرية امين حداد وبهاء جاهين بعنوان: «حاجات وحشاني»، إذ يرتكز الأول في شاعريته الموروثة عن والده فؤاد حداد على بساطته الماكرة في تفسير العالم والتعليق عليه في حين يستند الثاني أيضا إلى موروثه الشعري من والده صلاح جاهين فيكثف شعره ويتعامل مع العامية المصرية فيضيء فيها امكانات ابداعية جديدة
العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ