العدد 1322 - الأربعاء 19 أبريل 2006م الموافق 20 ربيع الاول 1427هـ

الجزائر: مؤشرات لخلافة شبه محسومة

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

لا الأرقام «الاستثنائية» المعلنة، المتعلقة بعائدات الطاقة واحتياطات العملات الأجنبية، ولا الظهور الذي يبدو مفروضاً بل متعمد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، قد تمكنت من حجب حال التخبط الملحوظة في قمة السلطة بالجزائر. ذلك، في الوقت الذي تستمر فيه المشاورات والمناورات في الكواليس وصولاً إلى الاتفاق على خليفة لساكن «قصر المرادية»، الذي قطع حتى الآن شوطاً.

منذ مطلع الشهر وتصريحات المسئولين الجزائريين لقطاع الطاقة والمالية تتتالى إلى حد التشابه. فقد كان وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل أحد أبرز المقربين لرئيس الدولة والمحاور المتميز لشركات النفط والغاز الأميركية، أول من افتتح العرض، إذ ذكّر خصومه الذين سبق وتصدوا لمشروع القانون الذي بادر به، والهادف إلى فتح القطاع أمام الاستثمار الأجنبي، بأن العائدات المتوقعة هذا العام ستضرب كل الأرقام القياسية. وأشار الوزير إلى أن المداخيل جاوزت بنهاية فبراير/شباط الماضي 8,4 مليارات دولار، وذلك لم يمنع أحد الجنرالات المحالين إلى التقاعد من التعليق بتهكم على ما ورد على لسان خليل، بالقول: «كما لو كانت هذه المهلة بفضل ذكائه الخارق للعادة، وليست نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية»! ما يثبت أنه داخل السلطة الجزائرية، وخصوصاً الجيش، ليس هناك اليوم استعداد لتقديم أية هدية لأي كان.

وفي مداخلة تصبّ في الاتجاه نفسه القاضي بتعزيز «الإنجازات» المالية للحكومة، أشار الوزير المكلف الإصلاح المالي كريم لجودي، في حديث بثته القناة الثالثة للراديو الوطني، إلى أن «الاحتياطات من النقد الأجنبي لامست عتبة الـ 61 مليار دولار في الشهرين الأولين من العام الجاري»، مضيفاً في لقاء خاص مع بعض الصحافيين أن هذا الرقم يمكن أن يصل إلى 100 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة. كما أوضح أن «الإدارة الخارقة للعادة» لثروات البلاد من قبل الفريق في الحكم تشكل السبب الرئيسي لتحقيق هذا الإنجاز.

وفي مداخلة مكملة في التوجه نفسه، ذكر محمد مزيان رئيس مجلس إدارة شركة «سوناطرك» (الدجاجة التي تبيض ذهباً للنظام) خلال ندوة عقدت حديثاً عن «تمويل وتجارة النفط والغاز في إفريقيا» أن شركته تعتبر هذه القارة منطقة ذات أولوية بالنسبة لمصالحها، بدءاً من ليبيا حتى مالي. وإذا كان مزيان حاول فيما بعد تصحيح تصريحه بالقول إن هذه المنطقة هي ذات أولوية لكنها ليست حكراً على شركته، فإن رده فعل الليبيين كان عنيفاً. فمناسبة الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف الذي ضمّ رؤساء دول إفريقية ومجموعات جغرافية وعرقية في مدينة «تمبكتو»، دعا العقيد القذافي سكان الصحراء الكبرى، الطوارق منهم خصوصاً، إلى الاتحاد لإنشاء فيدرالية، في رسالة موجهة إلى الجزائريين الذين دفعوا بوسائل إعلامهم لمهاجمة الزعيم الليبي الذي يحاول جرّ المنطقة نحو أزمة خطيرة.

على أية حال، فإن رد الفعل الجزائري يؤكد أن المشكلات النائمة بين الدولتين الجارتين المتعلقة بترسيم الحدود، وتقاسم الثروات وتوسيع النفوذ في إفريقيا، لن يتأخر طفوها على السطح. فالعقيد القذافي، الذي لم يوافق أبداً على النظرية الجزائرية الموضوعة منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، القائلة إن «بلده هو القوة الإقليمية الرائدة الذي يجب على الجميع السير وراءها»، ليس مستعداً الآن لتقديم أي تنازل في هذا الشأن سواء في منطقة المغرب العربي أو إفريقيا السوداء. وينبغي التذكير بأن الجزائريين لم «يبلعوا» التصريحات التي أدلى بها موفد القذافي وابن عمه أحمد قذاف الدم، للملك محمد السادس الذي التقاه في مدينة العيون الصحراوية خلال جولة الأخير على المناطق الجنوبية والتي اعتبرتها الجزائر «استفزازية». وأفادت بعض المصادر أن وزير الخارجية محمد بجاوي، أحد المقربين من الرئيس بوتفليقة أثار خلال زيارته الخاطفة يوم الخميس الماضي لواشنطن، مسألة نشوء محور بين الرباط وطرابلس الغرب، ما من شأنه أن يؤثر في المشروع الأميركي الهادف للتعامل مع المنطقة بشكل موحد.

من ناحية أخرى، يشار إلى أن الحكم الجزائري يتجنب حتى الآن التجاذبات مع النظام الليبي، ما يفسره المراقبون بمثابة العجز في هذه المرحلة، ذلك لأن الجزائر لا تريد فتح جبهة خارجية جديدة، وخصوصاً في منطقة المغرب العربي، طالما أن الوضع الداخلي لم يحسم بعد.

في هذا الإطار، يؤكد أحد المحليين الفرنسيين المتخصصين بالشأن الجزائري أن الرئيس بوتفليقة على رغم مرضه، لايزال يقف بوجه الذين يستبقون لإبعاده عن السلطة، الأمر الذي يمنع الأجنحة الأخرى في الحكم من القيام بعملية هروب للأمام باتجاه ليبيا.

خلط كبير للأوراق

لقد فوجئت المراكز الغربية المتابعة للشأن الجزائري بتسارع التطورات في هذا البلد وخصوصاً بعد المرض المفاجئ للرئيس وتعمده التصريح يوم الثالث من ابريل الجاري خلال زيارته المحطة الجديدة قيد الإنجاز في مطار هواري بومدين الدولي، إذ اختار بوتفليقة الذكرى الثانية لإعادة انتخابه لولاية ثانية، لينتقد بحدة سوء الإدارة في عدد من القطاعات الاقتصادية، كذلك البطء الناجم عن البيروقراطية المتجذرة التي تعوق تدفق الاستثمارات الخارجية والتي، بحسب قوله، تؤدي إلى خسارة الجزائر الكثير من مليارات الدولارات. فعندما يعمم الرئيس الجزائري اتهاماته من دون تسمية المسئولين عن الأخطاء، إنما يريد خلط الأوراق وإحداث تضارب بين خصومه. وهؤلاء، وفق مصادر جزائرية متقاطعة، بدأوا منذ مرضه الإمساك بالكثير من المواقع في السلطة، وتمكنوا من إجباره على الذهاب لحضور القمة العربية في الخرطوم. فباعترافه أن الجزائر تعيش حالة من الجمود، أراد بوتفليقة الانتقام من الذين أفشلوا جميع مشروعاته السياسية منها والاجتماعية- الاقتصادية. ويتعلق الأمر بمشروع «الوئام الوطني» الذي لم يعطِ حتى الآن النتائج المرجوة منه على رغم الاستفتاء والحملات الدعائية التي خصصت له. كذلك بالنسبة إلى رهانه على «الخطة الإخائية لدعم النمو» التي اضطلع بها وأعلن تخصيص 55 مليار دولار تصرف في خمس سنوات، من 2004 إلى 2009، الهادفة إلى استنهاض التنمية بواسطة الإنفاق العام.

فبوتفليقة الذي لا يريد بأي حال من الأحوال مسامحة الذين وضعوا له العصي في الدواليب، يحاول الآن أن يظهر للعالم الخارجي «محض الفشل» الذي لحق بمختلف الخطوات الإصلاحية التي عمل لها منذ مجيئه إلى السلطة.

انطلاقاً من هذه الفرضيات، يرى عدد من المحللين السياسيين الجزائريين أن بوتفليقة يمسك بين يديه بالكثير من الأوراق التي يمكن أن تربك خصومه في هذه المرحلة بالذات. هؤلاء الذين ربحوا حتى الآن معركة عدم تجديده لولاية ثالثة. بمعنى آخر، نجح هذا الفريق، نتيجة مرضه، في منعه من تحقيق هذا الهدف. فبين تصفية الحسابات ومناخات الثأر والثأر المضاد، بقيت الجزائر أسيرة عنق الزجاجة إذ لم تتمكن من الخروج منه على رغم تصحيح بعض الموازين الاقتصادية وخفض قيمة الدين وخدمته. وضع بات الرئيس الجزائري يستغله في كل مناسبة ليحمّل خصومه المسئولية كاملة. ولا يتردد في لقاءات خاصة مع زوار أجانب من الذين تربطه بهم صداقة ترديد ما كان بعض الذين واكبوه في ولايته الأولى يذكرونه ودفعوا ثمن ذلك. ويأتي في طليعة هذه المقولات: «إن البلد يغنى بينما الشعب يغوص في الفقر». فالذين يعرفون بوتفليقة جيداً يؤكدون أنه يجب توقع الكثير من المفاجآت كلما تم الاقتراب من الاتفاق على خليفته. في هذا السياق، تشير بعض المصادر المطلعة إلى أن الأسماء المتداولة حالياً مثل اسم رئيس الوزراء أحمد أويحيى، لا تبدو أنها تثير اهتمامه إلى حد اتخاذه قرار المواجهة، فهو في نهاية المطاف، سبق أن كان وزير خارجية الرئيس بومدين في «أيام العز»، وبالتالي فإنه ابن البيت الذي يعرف تماماً خباياه، طريقة تفكير رجالاته وألاعيبه، والأهم المقاييس التي يتم على أساسها اختيار وصناعة الرؤساء وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية للجزائر.

الإرباك ومعطياته

إن إرجاء توقيع «معاهدة السلم والصداقة» مع فرنسا لأجل غير محدد هذه المرة، الذي تأكد بالفشل الذي لحق بزيارة وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، الأسبوع الماضي للجزائر، كان، بحسب المطلعين، ضربة لبوتفليقة. ذلك على رغم قيام عدد من المصادر الرفيعة المستوى بالإشارة إلى أنه لم يكن في وقت من الأوقات لديه النية التوصل إلى تحقيق هذه المعاهدة. فالسبب، بحسب رأي هذه المصادر، أن صفقة كانت تمت بينه وبين نظيره جورج بوش بالنسبة إلى الكثير من المسائل المتعلقة بمنطقة شمال إفريقيا. والدليل على ذلك، التقارب الملفت على كل المستويات بدءاً من المناورات العسكرية المشتركة وتمرير مشروع القانون القاضي فتح قطاع الطاقة أمام الاستثمار الأجنبي الذي تستفيد منه الشركات الأميركية بالدرجة الأولى، وصولاً إلى التفاوض على إمكان بناء محطة نووية لأغراض سلمية بعد أن كان هذا الموضوع نوقش جدياً مع الروس. لكن عموماً فإن التأجيل المتكرر لتوقيع المعاهدة مع فرنسا حتى ولو لم يتم إعلان إلغائه، يؤكد إلى أي مدى لم تعد الجزائر بوضعها الحالي (الانتقالي على رغم جميع المظاهر الأخرى)، اتخاذ القرارات الكبرى في هذه المرحلة بالذات. فالمناكفات التي جرت عشية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتوقيع السريع للاتفاقات العسكرية المقررة، تعكس حالة التخبط هذه. ذلك، لأن كل جناح في السلطة يحاول الدفاع بشراسة عن مصالحه والعمل على ضرب مصالح الآخرين. ويعتبر المراقبون أن تحالفات الأطراف مع الخارج سوف لن تتأخر بالظهور إلى العلن، إذ المناورات الأخيرة مع قوات حلف الناتو ستتبعها مناورات مع القوات الروسية في إطار برنامج التعاون العسكري الموقع بين البلدين، ما يثبت أن الجزائر موجودة اليوم بين نارين. أما فيما يتعلق بموضوع الصحراء الغربية، فيشير مسئول عسكري جزائري سابق إلى أن «الاستفزازات المفاجئة» الأخيرة بين المغرب والجزائر، والتصعيد الملفت من قبل هذه الأخيرة رداً على جولة محمد السادس على المحافظات الجنوبية، ليست سوى نوع من إطلاق الألعاب النارية للتغطية على ما يجري داخلياً، أي عملية الإعداد للخلافة التي تبقى أهم بكثير من ملف الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو.

فإذا كان الرئيس بوتفليقة، المحنك سياسياً، والممسك حتى الآن بالكثير من أوراق اللعبة، يستخدم كل دبلوماسيته ومهارته في طمس ما يجري على الأرض، فإن الأجنحة الأخرى، العسكرية تحديداً تتعاطى كعادتها وفق أقصى درجات الباطنية بانتظار الوقت المناسب لفرض المرشح الذي توصلت إليه ويفي بجميع شروطها

العدد 1322 - الأربعاء 19 أبريل 2006م الموافق 20 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً