العدد 3202 - الإثنين 13 يونيو 2011م الموافق 12 رجب 1432هـ

الطيور الأساطير: القوبعة وأسطورة سقوط السماء

تلجأ العديد من الشعوب في أي زمان ومكان للأساطير وذلك لتحليل سلوك الحيوانات التي لا يمكن أن تجد لها تعليلاً منطقياً بحسب ما توصلت إليه من مكتشفات. ومن خلال دراستنا للطيور اتضح وجود عدد من الطيور التي ارتبطت بأساطير أو خرافات، وبعض تلك الطيور أعطيت أسماء معينة نتيجة لتلك الخرافات والأساطير. وسنبدأ هنا بالقوبعة أو القبَّرة ويقال أيضاً قنبرة وقنبراء.


القبرة بين التخصيص والتعميم

في العصر الحديث تم التوافق على أن يكون الاسم «قبَّرة» كترجمة للاسم الإنجليزي Lark وهو اسم عام يعطى لأي طائر ينتمي لعائلة من الطيور تسمى بلغة العلم Alaudidae أو ما تعرف حالياً باسم عائلة القبَّر أو عائلة القنابر، وهذا إجراء تم اتخاذه لمسايرة النظام العلمي في التسميات خاصة مع ظهور أنواع جديدة لا تعرفها العامة ولا يوجد لها أسماء عربية فلابد من وجود نظام لإعطاء هذه الأنواع الجديدة مسميات عربية؛ إلا أن من سلبيات هذا النظام ضياع أسماء عربية معروفة ومتداولة عند العامة وقد ناقشنا هذه السلبية في الحديث عن أسماء الأسماك. يذكر، أن اسم القبَّرة عند العرب هو اسم خاص، وقد كان عند العرب قديماً اسم عام يشمل للقبَّرة والطيور الشبيهة بها وهو «الحُمَّرة» وقد حاول أمين معلوف في معجمة جعل كلا الاسمين «قبَّرة» و«حمرة» أسماء عامة لكن اسم القبَّرة بقي هو الأكثر انتشاراً.

القبرة اسم خاص

يقال قبَّرة وقنبرة وقنبراء، وهذا الاسم عند العرب هو اسم نوعي أي يخص نوعاً واحداً وهو المعروف حالياً بالقبَّرة المتوجه (Crested Lark) وهي المسماة عند العامة «قوبعة». والقبَّرة في اللغة تعني القنزعه أي التاج من الريش وبه سميت قبَّرة. وقد اتسع في اسم القبَّرة حتى عمِّم على عدد من الأنواع الشبيهة بالقبَّرة المتوَّجة والتي تنتمي إلى العائلة نفسها، وبحسب معجم أمين معلوف فإن العامة في الشام والعراق والسودان تعمِّم الاسم القنبرة على عدد من الأنواع من عائلة القبَّر نفسها. والاسم قبَّرة كان مألوفاً عند بعض العامة في البحرين؛ إلا أنه كان يلفظ بالإقلاب أي «گمبرة» أي قنبرة بقلب النون ميم، وما يدل على ذلك المثل الذي ورد في كتاب «موسوعة الأمثال الشعبية» للناصري وهو المثل الشعبي: «إِلَّي إتگدة الگمبرة في سنه ياكله الدباع في ساعة» أي الذي تكسبه القنبرة في سنة يأكله الدباع في ساعة».


«الحمَّرة» أعم من القبَّرة

في دولة الكويت ومناطق أخرى من شبه الجزيرة العـربية تسمى بعض أنواع من القنابر باسم «حُمَّرة» وهو اسم ورد في معاجم اللغة، جاء في لسان العرب: «الحُمَّرة: ضرب من الطَّير كالعصافير، وجمعها: الحُمَرُ والحُمَّرُ». يشار إلى إن الاسم حُمَّرة هو اسم الجنس لهذه الطيور والدليل على ذلك ما ورد في معجم «لسان العرب» على إن القنبرة نوع من الحُمّر: «القُنْبُرُ ضَرْبٌ من الحُمّرِ».

القوبعة والقبعة

لاحظنا كيف أن بعض العامة تعمِّم اسم الجنس حمَّرة على هذه الطيور والبعض الآخر عمَّم اسم القنبرة أو القبَّرة عليها. أما النوع المشهور عند العرب بالقبَّرة فيسمى عند عامة دول الخليج وكذلك في اليمن باسم «گوبعة» أي قُوبعة. وأصل اسم القوبعة الاسم العربي الوارد في كتب اللغة وهو «القُبعة»، جاء في لسان العرب:

«والقُبَعةُ: طُوَيْئِرٌ صغير أَبْقَعُ مثل العُصفورِ يكون عند حِجَرةِ الجِرْذان، فإِذا فَزِعَ أَو رُمِيَ بحجر قَبَعَ فيها أَي دخَلَها».

إلا أن العامة حرفت الاسم إلى قوبعة أي بإشباع الضمة واواً. والمرجَّح أن اسم «قبعة» يخص نوعاً من القنابر يسمى قبرة الحقول (Sky Lark)، وربما هو الذي يكنَّى في اليمن بأبي قوبع (بحسب معجم معلوف). وهذا النوع الأخير يعرف محلياً بالقوبعة أيضاً؛ ما يعني تعميم الاسم قوبعة بعد تحريفه ليشمل النوعين معاً. وجاء في كتب اللغة إنها سميت قبعة لأنها تكون عند جحر الجرذان فإذا فزع أو رمي بحجر قبع فيها أي دخلها. وربما هذا الجحر ليس للجرذان بل هو عشها والذي هو عبارة عن حفرة في الأرض تبطن بالأعشاب.

وبعض العامة في الخليج تسمي القوبعة بأم عريف أو قوبعة أم عريف ومنها المثل الشعبي: «يالقوبعة يا أم عريف أكلتي زرعي قبل الصيف» وذلك لما عرف عن هذه الطيور بأكلها البذور وتخريب الحقول.

قنابر على رؤوسها مقابر

تسمي العرب العرف الذي على رأس الطائر باسم «قبرة» و«قنزعة»، وقد ربطت العامة منذ القدم وجود قنزعة على رأس طائر القبرة بأسطورة نقلها لنا إسحاق بن سليمان (توفي العام 932م) وذلك في كتابه «الأغذية والأدوية» ويبدو أن هذه الأسطورة أصلها يوناني، يقول إسحاق بن سليمان «أما القنابر فمعروفة مشهورة بقنازعها». ونقل أيضاً إسحاق في كتابه عن جالينوس إنه حكى عن أوسيريس (ويقال أيضاً أويسريس) أنه كان يقول: «إن القنبرة أول طائر كان، وإن أباها مات فلم تجد له أرضاً تدفنه فيها فبقى بحالته ميتاً خمسة أيام، فلما ضاقت بها الحيل دفنته على رأسها، وأن نافيطس الشاعر كان مضرب هذا المثل ويقول: إن القنابر على رؤوسها مقابر».

القنابر وأسطورة سقوط السماء

كتب السيد عدنان السيد محمد العوامي مدير تحرير دورية «الواحة» قصيدة عن طائر القوبعة في دورية «الواحة» العدد (41) مستلهماً سلوك هذا الطائر الذي يحتفر لنفسه حفرة بحجم جسمه وينام فيها مقلوباً على ظهره، وقد زعمت العرب أنه يفعل ذلك وقاية لجسمه خوف أن تقع السماء عليه. لا أدري كيف استلهمت العرب هذه الأسطورة التي صاغتها بشأن هذا الطائر الصغير ضعيف القوائم الذي يريد أن يرفع السماء بهذه القوائم، ولا أعلم إن كانت هذه حكمة أم اسطورة، ولكن فلنقرأ القصيدة لندرك المغزى:

مسلِّيةٌ هذه القُوبَعة

بأفكارِها الغضَّة المبدعة

لها منطِقٌ واضحٌ محكَم

أدلَّتُه مثله مقنعة

فمرقدُها ليس مثلَ الطيور

تنام بأعشاشِها في دَعة

ولكنَّها تتحاشى المنامَ

تخافُ على الحُلْم أن تُفزعَه

وتجتنب الدَّوحَ لا ترتقي

إليه مخافةَ أن تُوقِعَه

فتبقى مسهَّدةً لا تنامُ

حذاراً على الليل أن تهجعه

ويبدو لها الأفقُ من حولها

مضيقاً؛ فتحتالُ كي تُوسِعه

فتحفرُ فوقَ الثرى حفرة

تزجِّي بها ليلَها في سَعة

وتغفو؛ ولكن على ظهرها

وأطرافُها للسما مُشرعَة

تمُدُّ إلى النجم ساقين لا

يزيدان عن قامة الضفدعة

نحيلين، لو لمسا مرَّةً

ثُماماً أحسَّت به مِقْمعة

ولو خطرت بهما نسمةٌ

لقالت لكِ الله من زوبعة

ونسأل ما السرُّ في صبرها

على هذه الرقْدةِ الموجعة

فينقر منقارها نقرةً

يضجُّ لها الليل بالقرقعة

وتهمس والعجب في رأسها

يبدد أحلامها المفزعة:

ألستم ترون نجومَ السماءِ

معلَّقةً كلُّها زعزعة

فلو خرَّ من بينها واحدٌ

فهذان ساقاي كي أمنعَه

ولو وقع الأفقُ من فوقِنا

فمِن غيرِ هذين لن أرفعه

العدد 3202 - الإثنين 13 يونيو 2011م الموافق 12 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً