يلعب الإعلام دورا كبيرا في توعية الناس وتوسيع مداركهم وتزويدهم بشتى المعلومات المفيدة والأخبار الجديدة، وشد انتباه الجماهير إلى الكثير من القضايا والأمور، التي تكون غائبة عن وعيهم ومداركهم، وكذلك للترويج وإشاعة بعض الأمور التي يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر في تحشيد تلك الجماهير لكسب تأييدها وولائها، أو إقناعها بتبني فكرة ما أو إسداء النصح والإرشاد لها، أو التحذير وأخذ الحيطة والحذر من أمور كثيرة، كذلك إلهاب حماس الجماهير وتحشيدها في قضايا تهم الوطن وتحذر من مخططات وأهداف العدو، وغيرها من فوائد - لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن حصرها أو اختصارها في مقال أو كتاب. وعلى رغم الكبت والضغوط المختلفة، وتكميم الأفواه وإشاعة الرعب والخوف والفزع بين صفوف الناس، واستخدام العنف والقمع والإرهاب مع كل من يتفوه بكلمة أو ينبس ببنت شفة، وفي ظل تلك الأجواء الملبدة بكل وسائل الإبادة والقتل والدمار في زمن الدولة الأموية، وبعد ارتكاب الجريمة النكراء بحق الرسول الأعظم "ص"، وآل البيت "ع"، والمتمثلة بقتل الإمام الحسين "ع"، في انتهاك صارخ لكل المبادئ والشرائع السماوية، وانتهاك لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية السامية، وتعديات صارخة على قدسية الإنسان وعزته وكرامته وحريته وحقوقه، فكانت أبشع جريمة في تاريخ البشرية جمعاء، ولكن الله جل وعلا، أعز وأكرم ونصر الحسين "ع" وآله وأنصاره في الدنيا وفي الآخرة. فقامت دولة الحسين وانتشرت في ربوع العالم، وأصبح ضريحه مزارا يشد له الرحال من كل مكان في العالم، ويؤمه الزوار على مدار العام، ليتبركوا ويقتدوا بفكر الحسين ويتبعوا آثاره، ويستنيروا بقبسات من نوره الوضاء، ويستمدوا قوتهم ويجددوا آمالهم من سناء ثورته الخالدة المجيدة، في حين نرى دولة الظلم والطغيان الأموية قد زالت واندثرت ولم يعد لها ولا لطواغيتها اي وجود، فكان مصيرهم إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير. وبعد عودة ركب السبايا من الشام إلى مدينة جدهم الرسول الأعظم "ص"، مروا بكربلاء وتشرفوا بزيارة قبر الإمام الحسين وقبور آله وأصحابه النجباء، ومن ثم اتجه الركب إلى الكوفة - وما أدراك ما الكوفة - التي كان لأهلها أكبر الأثر في خذلان الإمام "ع" بعد أن دعوه لمبايعته وأرسلوا له الكتب يدعونه للقدوم إليهم، ولكنهم تخلوا عن رسوله إليهم وهو مسلم بن عقيل، الذي قتل من قبل السلطات الأموية أبشع قتلة، وكذلك انقلب أهل الكوفة على الإمام الحسين "ع" وتخلوا عنه، وانضموا إلى الجيش الأموي لقتاله على رغم كل النصح والإرشاد الذي قدمه لهم، وبين لهم الأمور كافة وحذرهم من مغبة ما هم عازمون ومصرون عليه، وأوضح لهم الأخطاء والمخاطر من مواصلتهم الإصرار على قتاله وهو ابن بنت نبيهم، وحاول إقناعهم بكل الوسائل والطرق لإقامة الحجة عليهم، ولكنهم تمادوا في غيهم وضلالهم حبا للمال وطمعا في الدنيا وزخرفها، ليرضى عنهم طواغيت بني أمية، ولكنهم لم يجنوا غير الذل والهوان والقتل في الدنيا، ومصيرهم جهنم وبئس القرار لينالوا عذاب الله في الدرك الأسفل من جهنم. وبمرور ركب السبايا والرؤوس المحمولة على الرماح بالكوفة، انتاب أهلها شعور بالإثم وتأنيب الضمير، واحتشدوا بالركب - رجالا ونساء - وهم يبكون وينتحبون على تقصيرهم في نصرة الحسين "ع" وخذلانه والتخلي عنه ومحاربته فأشارت إليهم بطلة كربلاء زينب بنت علي بن أبي طالب "ع" أن اسكتوا، لتخطب فيهم وتلهب شعورهم بالإثم وتفضح النظام الأموي الجائر، وما ارتكبه من جرائم وحشية، فتقول في خطابها لهم، على رغم من معاناتها وتحملها الشدائد والصعاب: "أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم، ألا ساء ما تزرون". "أي والله، فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترخصوها بغسل أبدا، وكيف ترخصون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم، وهو سيد شباب أهل الجنة؟" "لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء، أتعجبون لو أمطرت دما؟ ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون". "أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السموات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدا". قال من سمعها: "فلم أر والله خفرة أنطق منها، كانما تنزع عن لسان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، فلا والله ما أتمت حديثها حتى ضج الناس بالبكاء، وذهلوا، وسقط ما في أيديهم من هول تلك المحنة الدهماء". وتكلمت فاطمة بنت الحسين فقالت في كلام لها: "أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالا، وأموالنا نهبا"... "ويلكم، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم، وأية نفس نزعت إلى قتالنا، أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا، قست قلوبكم، وختم على سمعكم وبصركم، وسول لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون"... "تبا لكم يا أهل الكوفة، أي تراث لرسول الله قبلكم؟ وذحول له لديكم؟ بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب، وعترته الطيبين الأخيار". وتكلم علي بن الحسين، زين العابدين، فقال: "أيها الناس، ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، وقاتلتموه؟ فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي". ولما نودي بقتل الحسين في المدينة، وعلم الناس بذلك ضجت المدينة بأهلها، ولم تسمع واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين، وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهي وتقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم مـــاذا فـعــلـتم وأنــتـــم آخـــــر الأمم بعترتي وبأهلي بعـد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم وكان لزينب - بطلة كربلاء والبقية الباقية من أهل البيت - عليهم السلام - والذين كانوا في ركب السبايا دور فاعل ومؤثر في فضح زيف وكذب الحكم الأموي وتعريته وكشف حقيقته، وهم في طريقهم إلى الشام، وعند وصولهم إلى عاصمة الأمويين، لكون النظام الأموي الجائر لجأ إلى تضليل الناس وخداعهم، فكانت لخطب السيدة زينب وبقية العترة الطاهرة دور إعلامي كبير، وحتى في مجلس يزيد، إذ حشدوا الرأي العام عليه، بمن فيهم زوجته التي استنكرت ما فعله بأهل البيت عليهم السلام، وقتله ابن بنت رسول الله "ص"، وسبي أهله وعياله. وكان لإعلام أهل البيت عليهم السلام دور بارز في فضح النظام الأموي وممارساته المنافية للدين، وكشف الحقائق التي كان يتستر بها النظام ويضلل ويخدع الناس، وما عاناه الناس من ظلم وجور وقمع وإرهاب، ما دفع الناس للقيام بثورات متكررة على الأمويين، للتكفير عن خذلانهم وتقصيرهم في نصرة الإمام الحسين "ع" ولم يكن هدف تلك الثورات هو الانتصار على النظام الأموي، وإنما الهدف هو الثورة على الظالمين، والتضحية بالنفس وبذل الدماء
العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ