العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ

المعرفة والخرافة العربية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الأمة التي تستهلك ما تنتجه لا خوف عليها؛ بل الخوف على الأمة التي لا تُنتج وتتوجه بكليتها إلى استهلاك ما يُنتجه الآخر. وما يُستهلك في نهاية المطاف نتاج عمل ومعرفة. نتاج تخطيط لم يأت من فراغ واستسلام للضجر.

المعرفة صنو الضجر الذي لا ينتج معرفة؛ بل ينتج إحباطاً، ينتهي مع ضخ معارف واكتشافات جديدة، توفر مزيداً من الاستهلاك للأمم التي تعيش عالة على القلق المعرفي للآخر. التحامه وتوحده بفعل التغيير لا نيته فحسب؛ فالنية لا تكفي في عالم يقدّم كشف حضوره وإضافته وتميزه وقفزاته المعرفيه كل دقيقة؛ بل كل ثانية.

عربياً، يراد للمعرفة أن تكون على صلة بالخرافة، ولا خرافة في الغرب. لا أسطورة ما لم تُعاين نتائجها على الأرض، لا في المخيلة ولا خزان الإحباط والتشرذم في النفس.

تُعاين المعرفة في الصيدليات في هيئة دواء، وفي المعامل في هيئة اختراع، وفي الآداب والفنون في هيئة نص فارق، وفي العلاقات الإنسانية في هيئة إنجاز على الأرض، يرتبط بوضع حد للأوبئة والمجاعات والحروب والقلاقل والصراعات.

لا خرافة ... لا أسطورة تختزل طاقة الفرد في نصِ وهم، وفي حكايات آخر الليل في الطريق إلى البيت بعد عبث طويل. تلك ليست أسطورة، إنها مخدر قاتل وورم خبيث يعيث فساداً وشللاً لطاقة الإنسان. يقدم له كل ما يطفئ قدرته على الإبصار، ويقمع شغفه المعرفي باسمها (الأسطورة).

تماماً، كما ورد في توصيف آسر وذكي وعميق اعتاد أدونيس أن يلتقطه ببراعة القلق الفاعل: «لا يقرأ لكي يفكر. يقرأ لكي يتأكد أن هناك من يفكر عنه».

وتماماً في تهكّمه العميق: «لا يقدر أن يشرب الحقيقة إلا في كأس الخرافة».

أكرر، عربياً، يراد للمعرفة في بعدها المتشعب وما ينتج عن ذلك البعد أن تكون على صلة بالخرافة. يلوذ بها الناس كما يلوذ المدمنون بمواد وأدوات نسيانهم كي لا يفكروا ويتأملوا ويسهموا مع سواهم من سكان هذه المعمورة، في تراكم الإنجاز المعرفي الذي يقفز بالإنسان من جنته الرمزية، إلى جنات تقدم له ما بعد القيمة تلك، بدءاً بوضع حدّ لصداعه عبر أقراص؛ وليس انتهاءً بتحصين وجوده الكلّي، وحفاظه على جنسه صحة وتعليماًَ واكتشافاً ومغامرة وقدرة على تحدي عوائق محاولاته للوصول إلى ما يجعل هذا العالم مستحقاً لأن يكون البشر رقمه الصعب في حركته ودورانه وفاعليته.

عربياً، لا شيء من ذلك يمكن تلمّسه حتى على مستوى التوقع والإرهاص والأمل في الحدود الدنيا. لا شيء يدل على ذلك؛ بل يمكن القول، إن المعرفة عربياً تجاوزت مرحلة الضجر الدائم إلى مرحلة تحولها لمرض معدٍ يجب تجنبه.

الثروات المكنونة تعوّل عليها الأنظمة العربية؛ فيما لا ترى في صنّاع الثروات الحقيقيين أي حضور لافت. وهْماً تظن أنها أحيطت بالحصانة. أنظمة ترى في معرفة شعوبها تهديداً لإقامتها المزمنة؛ فيما للأنظمة اشتراطاتها لنوع وأصل وتوجه ومجال المعرفة التي يراد لها أن تسود؛ ما دامت لا تشكّل لها أي تهديد، وفي الوقت نفسه، تحقق غايتها من قيادة «قطيع» تملك مخرجات التحكم فيه وتوجيهه وتحديد نوبات فرحه وضجره.

لن أتجاوز حصتي من يأس يلوح بكل أعضائه بالقول: «المعرفة عربياً باتت علامة موت في مواجهة تناسل حيوات»

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:35 ص

      الخرافات العربية

      بين استبداد الأنظمة العربية وجهل الشعوب والخرافات والتطرف الديني وترسيخ ثقافة عبادة الحكام وتغيب العقول الواعية غرقت الشعوب العربية في التخلف عن مواكبة الدول المتقدمة, ورجعنا لعصر الجاهلية نتناحر في مبيننا .

    • زائر 1 | 5:51 ص

      بلاشك

      لأمة التي تستهلك ما تنتجه لا خوف عليها .. نحن لا نجيد سوى الاستهلاك والبلع والنووم

اقرأ ايضاً