العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ

ضربة استباقية... سياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لم تعرف عناصر حزمة «الإغراءات» التي يقال عنها إن إيران لن تقوى على رفضها. وقبل أن يلتقي الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا القيادة السياسية في طهران ويطلعها على فحوى «الحوافز» فإن البحث في موضوع الجواب النهائي مؤجل.

إلا أن تصريحات الثنائي الروسي - الصيني التي وصفت الإجراءات التشجيعية، بعد الاتفاق عليها دولياً في مفاوضات فيينا، بالجيدة وطالبت طهران بالموافقة عليها وضعت القيادة السياسية الإيرانية أمام أمر واقع. فالقول إن الحزمة جيدة لما تضمنته من وعود مقابل عقوبات (العصا والجزرة)، حددت لطهران سقفاً دولياً لمواقفها. فاذا مانعت يكون «الثنائي» في حل من التزاماته وبالتالي تستطيع واشنطن ان تتذرع أمام الرأي العام ودافع الضرائب بانها حاولت «المستحيل» وقدمت اقصى التنازلات لكن الطرف الآخر هو من رفض العرض... وبالتالي ارغم دول مجلس الأمن على مناقشة الملف واتخاذ القرار الدولي بشأنه.

المسألة إذاً باتت دقيقة ولم يعد بإمكان طهران سوى فتح صندوق «الحوافز» والاطلاع على ما فيه من عروض واغراءات. والمشكلة الآن ان القيادة السياسية في طهران لم يعد امامها سوى خيار واحد هو «الموافقة» أو القبول على مضض... لأن الخيار الآخر يعني نقل الملف إلى المكان الذي خططت له إدارة «البيت الأبيض»، فالولايات المتحدة من البداية هي التي عطلت كل المفاوضات وقطعت الطريق على الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أنها تتحمل مسئولية دفع «الترويكا» الأوروبية إلى زاوية ضيقة اغلقت عليها كل معابر التفاوض امام طهران بهدف ابقاء كل الطرقات مقطوعة أو مفتوحة على اتجاه واحد.

سياسة «الاتجاه الواحد» أميركية بامتياز لانها الوحيدة التي تتكيف مع رغبة الكيان الصهيوني. والأخير حرض اعلامياً على المشروع الإيراني واخترع سلسلة من الأكاذيب بشأنه لتأليب القوى الكبرى ومنعها من دراسة الملف بتأنٍ من كل جوانبه.

لم يقتصر نشاط الولايات المتحدة على الجانب الأوروبي بل انها نجحت بحدود معينة في تشكيل «لوبي» دولي للضغط على الثنائي الروسي الصيني بقصد منع طهران من التفاهم معه وتشكيل تحالف ثلاثي يعمل على تعطيل إمكانات التحرك المستقل للولايات المتحدة عن الإطار الدولي. فأميركا كانت متخوفة من احتمال عقد إيران صيغة خاصة مع موسكو وبكين تشكل في النهاية صفقة مع الاقتراح الروسي (نقل التخصيب من الأراضي الإيرانية) تمنع على واشنطن التحرك دبلوماسياً أو عسكرياً.

هذا النشاط الذي قادته أميركا من خلف الكواليس عطل على طهران إمكانات عقد صفقة مع الثنائي الروسي - الصين واعطى فرصة للترويكا الأوروبية لحرق الوقت ودفع الملف إلى المكان الذي أرادته الولايات المتحدة من البداية.

الى ذلك وسعت إدارة جورج بوش دائرة اتصالاتها واتجهت نحو تخويف دول الخليج وتشكيل رأي عام محلي يميل إلى رفض أي مشروع نووي في المنطقة بذريعة أن إيران تملك النفط والغاز وليست بحاجة إلى طاقة نووية سلمية. كذلك أقدمت على تسريب معلومات كاذبة إلى بعض الصحافيين تشير إلى وجود مخاطر أمنية وراء المشروع، مضافاً إليها تسريبات مضحكة بشأن مخاطر بيئوية قد تتعرض لها دول الخليج وشعوبها.

باختصار لم تعدم واشنطن أي وسيلة إلا واستخدمتها وصولاً إلى الكلام عن طموحات إيرانية إقليمية وتدخلات سياسية في العراق وخطة «صفوية» تهدف إلى تشكيل امبراطورية يمتد نفوذها إلى مناطق تتجاوز حدود جنوب العراق.

كل هذه الاجواء التي اصطنعها الصحافيون في علم البيئة والتاريخ أسهمت واشنطن في اشاعتها خلال فترة الشهور السبعة الأخيرة بهدف تشكيل مراكز قوى عربية وإقليمية وأوروبية ودولية تضغط عالمياً على الثنائي الروسي - الصيني وتجبره على سلوك الطريق الوحيد الذي خططت له الولايات المتحدة منذ فترة ليست قصيرة.

الآن حصل ما حصل، وهناك صعوبة في إعادة صناعة الزمن. كذلك لا يمكن أن تعرف ردة فعل القيادة الإيرانية قبل فتح «صندوق العجائب» الذي يفترض ان سولانا سيحمله معه إلى طهران.

المشكلة في الموضوع هي نجاح أميركا في اقفال كل الطرق امام طهران حين وضعتها امام خيار واحد هو القبول بالعرض الذي وصفه الثنائي بالجيد. فإيران أمام هذا الكلام فرض عليها ما يشبه الأمر الواقع. والأمر الواقع هو اقرب إلى الضربة الاستباقية السياسية. وغير ذلك، وهذا ما تتمناه واشنطن، سيعطي ذريعة للأشرار في «البيت الأبيض» بدفع الأزمة إلى نوع مختلف من الضربات الاستباقية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً