العدد 1381 - السبت 17 يونيو 2006م الموافق 20 جمادى الأولى 1427هـ

مجلس حقوق الإنسان

لويس آربور comments [at] alwasatnews.com

.

فيما يباشر أعضاء المجلس الجديد لحقوق الإنسان عملهم غدا (الاثنين)، مزودين بتفويض قوي جديد، فإنهم يركزون على مشروع أساسي يهدف إلى تعزيز منظومة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة وتزويدها بكل ما يؤهلها للاستجابة بمستوى أفضل للتحديات الراهنة. ويمثل المجلس موقعا محوريا في عمل المنظمة من أجل «حماية كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع».

إلا أنه من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأننا نبدأ من الصفر، ذلك أن منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بدأت نشاطها منذ عاماً، ولها تاريخ مشرف، ساهمت في بنائه اللجنة المنقضية صلاحيتها الآن. فقد قامت بوضع ثروة من المعايير والمواصفات الدولية لحقوق الإنسان، وأنشأت الكثير من الآليات المستقلة لمراقبة تلك المعايير، ودعمت مواقف المدافعين عن حقوق الإنسان، والضحايا والضعفاء في بلدان العالم. والتحدي القائم الآن هو ضمان أن يرقى المجلس الجديد إلى مستوى ذلك التراث التاريخي الغني أثناء قيامه بما ينبغي عليه لدعم وحماية حقوق الإنسان في الظروف السائدة حاليا.

الكثير من الملامح الجديدة للمجلس تعطي أملا للاعتقاد بأنه يمثل نقلة نوعية نحو الأفضل مقارنة باللجنة التي سبقته، فقد مثلت الطريقة التي تم بها انتخاب أعضائه الشهر الماضي تغييرا إلى الأفضل بابتعادها عن «أسلوب العمل المعتاد». وكان أعضاء اللجنة يتم اختيارهم مسبقا خلف أبواب مغلقة، يتم بعدها «انتخابهم» علنا. وعلى العكس من ذلك، فكان على أعضاء المجلس الجدد التنافس على المقاعد، وتطلب الأمر من المرشحين الناجحين أن يحصلوا على دعم الغالبية من الدول الأعضاء كافة، في اقتراع سري. وللمرة الأولى في تاريخ المجلس، قدم المرشحون التزامات طوعية بدعم ومساندة حقوق الإنسان، والتي يتوقع وفاؤهم بها وإلا فقد يواجهون احتمال تعليق عضويتهم في المجلس.

ويؤكد قرار إنشاء المجلس أهمية وضع حد لازدواجية المعايير، وهي مشكلة شابت أعمال اللجنة السابقة. وغالبا ما أغفلت المناقشات السياسية في الماضي حقيقة أن كل الدول لديها مشكلات تتعلق بحقوق إنسان، وأن على الجميع أن يتحملوا المحاسبة على إخفاقاتهم. ومن هنا فإن الاختبار الحقيقي ليس العضوية بل هو المحاسبة. وتماشيا مع هذا الاتجاه، فإن آلية عالمية جديدة للمراجعة الدورية ستقدم للمجلس - وللعالم كله - فرصة لفحص سجل كل دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها دولة. ويمثل ذلك تطوراً مهماً لما فيه من إمكانية لتحسين حقوق الإنسان في أنحاء العالم.

وربما من الأكثر أهمية أن المجلس سيجتمع على مدار العام، بينما كانت فترة اجتماعات اللجنة السابقة محددة بستة أسابيع فقط، ما حد بشدة من فعاليتها ومرونتها. وبتوافر المزيد من الوقت القيم، سيتمكن المجلس من القيام بمبادرات وقائية لنزع فتيل أزمات على شفا الانفجار، وإيلاء عناية خاصة لمساندة الاستجابات الفورية في الأماكن التي تلوح فيها بوادر تجاوزات لحقوق الإنسان، كما ستتوافر لدى المجلس أيضا آلية أفضل للاجتماع والتعامل الفوري مع تجاوزات حقوق الإنسان الطارئة.

وستكون جميع هذه التغييرات قليلة الجدوى، ما لم يكن أعضاء المجلس الجديد مستعدين للارتقاء فوق منافعهم السياسية الآنية وتبني قضية ضحايا حقوق الإنسان على مستوى العالم. وهذا الأمر يتطلب من كل واحد منهم قيادة تقوم على المبادئ. إن اختيار السفير دي ألبا المكسيكي، وهو مدافع قوي عن حقوق الإنسان، كأول رئيس للمجلس، بادرة تستحق الترحيب. ويشير هذا الاختيار إلى أن أعضاء المجلس الجديد جادون في عملهم، وأن قيادة المجلس وضعت في أيد أمينة، وعادلة وكفوءة.

إن الطريق أمام المجلس محفوف بالتحديات، ويتطلب معظمها مناقشات ومحاورات مكثفة. سيكون على الأعضاء القيام بخيارات صعبة تبدأ بمراجعة أعمال اللجنة؛ فعلى المجلس الجديد انتقاء أفضل الممارسات والخصائص، إذ إن أي إضعاف لآليات منظومة حقوق الإنسان أمر غير مرغوب فيه مطلقا.

وفي النهاية فإن جوهر الأمر هو الكيفية التي يمكن بها لأعضاء المجلس إعطاء المزيد من البأس لتطبيق المعايير القائمة والمتجددة لحقوق الإنسان. ومن المأمول به أن يتم إعطاء أولويات متساوية لجميع حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، مثلما هو الحال مع الحقوق المدنية والسياسية. وفوق كل ذلك، يتطلب هذا الإطار المحسن والأكثر فاعلية من الدول الأعضاء أن تكون مستعدة للعمل، بدلا من الاكتفاء بإطلاق التصريحات. وقد قامت اللجنة بمواجهة تحديات عصرها بوضع معايير عالمية لحقوق الإنسان. وليكن عصر المجلس هو عصر تطبيق تلك المعايير. وقد وعدت الدول الأعضاء بتحقيق ذلك، وهذا ما نتوقعه من هذه الدول، فالضحايا والضعفاء، في جميع أرجاء المعمورة، لا يستحقون أقل من ذلك

العدد 1381 - السبت 17 يونيو 2006م الموافق 20 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً