العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ

عمل الخير: قطاع معرفي - إنتاجي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قبل نحو عشر سنوات توقع عالم الإدارة الراحل بيتر دركر أن يتفرع عن الاقتصاد المعرفي قطاع منتج يعتمد على الأعمال الخيرية وعلى المتطوعين. وكان دركر هو أول من تنبأ بأن مشروعات «الخصخصة» ستجتاح العالم قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهو أيضاً الذي تنبأ بأن الاقتصاد المعرفي سيصبح أهم من الاقتصاد الصناعي، إذ إن أكثر من نصف الناتج القومي للدول المتقدمة حالياً يأتي من اقتصادات المعرفة.

على أننا أيضاً نشهد تحقق نبوءة أخرى للعالم الذي رحل عن الدنيا قبل فترة وجيزة... فالأعمال الخيرية والطوعية بدأت تتحول إلى قطاع كبير جداً... فقبل نحو أسبوعين أعلن مؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل غيث (وهو أغنى رجل في العالم) أنه سيتفرغ للعمل الطوعي الاجتماعي بدءاً من العام ، ويوم أمس الأول أعلن ثاني أغنى رجل في العالم «وارين بافيت» أنه قرر وهب معظم ثروته الشخصية إلى المؤسسة الخيرية التي يديرها بيل غيث، وهي ثروة تقدر بثلاثين مليار دولار، وهي تعادل ثلاثة أضعاف الناتج القومي لعام واحد لكل البحرين. وهذا يعني أن مجموع ما سيوفره هذان الاثنان يمثل أكثر عشر مرات من الناتج القومي للبحرين.

أحد كبار التنفيذيين في «سيتي غروب»، وهو «ساندي ويل» قرر أخيراً أن يتبرع بنحو مليار ونصف المليار دولار أيضاً.

ويبدو ان الزحف نحو أعمال الخير لن يتوقف. فبحسب الاحصاءات الدولية فإن عدد الذين يملكون أكثر من مليون دولار في حسابهم الشخصي (عددهم أقل من ملايين) أصبحت لديهم ثروة تفوق تريليون دولار (التريليون يعادل مليون مليون)... وهذا رقم كبير جداً ويمثل أكثر من الناتج القومي لأغنى دولة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية.

عندما تبرع «بافيت» بثلاثين مليار دولار أمس الأول كتب في رسالته إلى «غيث» وزوجته «ميليندا»: «من خلال عملكما في المؤسسة الخيرية التي أسستماها، أظهرتما فطنة ودراية واندفاعاً لا مثيل لها، بهدف تحسين ظروف عيش ملايين الناس الذين لم يكونوا محظوظين مثلنا»...

وأضاف «لم تفرقا بين الناس على أساس لون البشرة أو العرق أو الدين، وأنا مسرور بضم ثروتي إلى مصادر الأموال التي تستخدمونها لعملكم الخيري».

هكذا إذاً بدأ يتحقق ما قاله بيتر دركر قبل أكثر من عشرة أعوام، وأصبح الان لدينا قطاع منتج يعتمد على أعمال الخير... والملاحظ هو أن الذين يتبرعون هم المنتجون القياديون في اقتصاد المعرفة، وهؤلاء هم أكثر الناس الذين يعرفون قيمة الثروة التي بين أيديهم وكيف انهم حققوها من خلال جد واجتهاد واستخدام للذكاء المنتج للمعرفة.

فاعلو الخير هؤلاء ربما لن تجد بينهم من حصل على ملايين ومليارات الدولارات من خلال الفساد الإداري، أو من خلال سرقة ثروات الشعوب أو تبييض الأموال... فهناك نوعان من البشر، كما يقول الفيلسوف «برتراند رسل»، أحدهما مبدع ومعطاء، والآخر مفسد وطماع... والخير لا يأتي إلا من الذين حصلوا على ثرواتهم من خلال الإبداع والعطاء... أما الصنف الآخر فإنه سيزداد شراهة في سرقة الثروات

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً