العدد 3317 - الخميس 06 أكتوبر 2011م الموافق 08 ذي القعدة 1432هـ

من يقودنا... وإلى أين يأخذنا؟

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

يبدو الوضع في البحرين أشبه بمتاهة يعرف البعض نقطة بدايتها لكن أحداً لم يكتشف نقطة نهايتها بعد، فالاحتمالات كافة متوقعة ومستبعدة في الوقت ذاته، هنا في هذه الجزيرة الرابضة في مياه الخليج العربي الدافئة لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يجزم بأن يوم غد سيكون هادئاً أو متوتراً، الجميع يعيش الحياة لحظة بلحظة، ليس هناك فرق بين من يمسكون بتلابيب القرار، وبين من يعبثون بتفاصيل هذا القرار، جميعهم متوترون، جميعهم منفعلون، جميعهم خائفون وغير متأكدين كيف ستكون الأوضاع غداً.

البعض يتصور أن القرار يمسكه السياسيون في البلاد وهو موزع بين المسئولين في الحكومة والقياديين في المعارضة، وأن باستطاعتهم الجلوس إلى مائدة المفاوضات وإيجاد الحلول الناجعة لكل ما تعانيه البلاد من أزمات ومشاكل في جلسة واحدة، لكن ذلك ليس دقيقاً، والبعض الآخر يعتقد بأن الربط والحل قد أصبح بيد الأمن والعسكر، وأن باستطاعة هؤلاء أن يعقدوا اجتماعاً حاسماً يتخذون فيه قرارات مصيرية وقاطعة يفرضون من خلالها هيبة الدولة ويستعيدون الأمن والنظام، لكن ذلك ليس دقيقاً هو الآخر، وهنا تلتبس الأمور وتتداخل التحليلات بين جميع القوى والفعاليات المؤثرة في الأوضاع والأسيرة لها في آنٍ واحد.

هناك من يعتقد بأنه يمتلك مفتاح الحل، وهناك من يعتقد بأنه يحفظ الأرقام السرية لخريطة الطريق التي يمكن أن تخرج البلاد من الأزمة الخانقة التي نعيشها جميعاً، بعض السياسيين يصرّ على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة، والبعض يصرّ على أن تكون الكلمة الفصل للجانب الأمني في أي تسوية ستتم مناقشتها، وبين هذا البعض وذاك توشك البلاد على الضياع، ويوشك عقد وحدتها على الانفراط للأبد وهو أمر جدّ خطير، فإننا لا نتكلم عن الوحدة السياسية فقط، بل إن المخاطر أكبر من ذلك بكثير، ذلك أن انفراط عقد وحدة بلادنا سيأتي على كل شيء.

قد يتصور البعض بأن ما يتم طرحه هنا لا يعدو تلاعباً بالمفردات اللغوية، لكنه بالتأكيد ليس كذلك، فهل يتصور أحد أن الانقسام الذي يشهده مجتمعنا والذي يغذيه البعض بحسن نية فيما يغذيه البعض الآخر بسوء نية، هذا الانقسام سيقف عند حدود معينة؟ واهم من يفكر بهذه الطريقة، وساذج من يعتقد بأن تحطيم كل الروابط الاجتماعية والعلاقات الإنسانية التي تشكلت على مدى عقود من الزمن وجعلت من البحرينيين أمة واحدة، لن تتبعه تداعيات كبيرة تؤثر سلباً على جميع مكونات المجتمع بما يفتت وحدته ويلغي شخصيته الاعتبارية ويجعل من الوطن الواحد مجموعات متخاصمة ومتمزقة دينياً وعرقياً ومذهبياً.

لقد آن الأوان لأن يتوقف الجميع عن المقامرة والمغامرة بالوطن، آن الأوان لأن تعرف كل جهة حدودها، وأن لا ننساق أو نساق إلى المذبح بأرجلنا، ونحن هنا بحاجة إلى وقفة تقييم جادة، ذلك أن القول بأن كل الأمور تحت السيطرة وأن ما تمر به البلاد إنما هو بعض القلاقل والاضطرابات العادية وأننا تعوّدنا على هذا النوع من المشاكل التي سينجح الأمن في التعامل معها وتنتهي المسألة هو قول متطرف في التمسك بالحل الأمني الذي أثبت بأنه غير قادر على بسط الأمن وتوفير الاستقرار.

كما أن القول بأن الثورات التي اشتعلت في معظم البلاد العربية تنطلق من ذات الظروف وبالتالي لابد لها أن تصل إلى ذات النتائج، وأن البحرين ليست استثناءً وبالتالي لابد أن تحقق التحركات الاحتجاجية التي تدور في البحرين كامل المطالب التي يرفعها الشارع، وأن انقلاباً عاماً في المفاهيم وفي النظريات وفي طريقة الحكم والقضاء والحياة العامة سيحدث لا محالة هو قول متطرف أيضاً، وربما يأخذنا إلى صدامات وانقسامات مجتمعية خطيرة حذّرنا منها في مجريات هذا المقال.

والحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن بال أحد من البحرينيين هي أن هذه البلاد لا تستطيع أن تسير على قدم واحدة، ولا تستطيع أن تنظر بعين واحدة، ولا تستطيع أن تتنفس برئة واحدة، ولا يستطيع مكون اجتماعي فيها أن يلغي المكون الآخر مهما فعل هذا المكون ووظف من إمكانيات داخلية أو خارجية، فقدرنا هو أن نعيش سوياً، وأن نتعلم كيف ندير خلافاتنا ورؤيتنا المتباينة للأشياء ولطريقة الحكم أيضاً.

لقد أيقن الجميع أن استمرار الحال السياسي على ما هو عليه غير ممكن، وأن الوقت قد حان لكي يصاغ عقد مجتمعي جديد ينظم العلاقة بين الحاكم وما يمثله والمحكومين وما يمثلونه، وهنا لابد من القول إن ليس هناك وصفة سحرية يمكن اللجوء إليها ومن خلالها يتم الخروج من الأزمة، بل يجب الجلوس إلى طاولة حوار جادة يتم فيها تمثيل القوى الحقيقية المؤثرة والفاعلة على الساحة السياسية، بهدف التوصل إلى شكل الحكم ومؤسساته في المرحلة المقبلة بما يحقق مصالح الجميع ويبسط العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية الحقوق والواجبات بعيداً عن التمييز والمحاباة بسبب لون أو عرق أو انتماء مذهبي أو عائلي أو قبلي، أجل نحن بحاجة إلى إنجاز عقد اجتماعي جديد يعيد التوازن لبلادنا ويحقق الوئام والسلام للجميع ويخرجنا من دوامة العنف

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 3317 - الخميس 06 أكتوبر 2011م الموافق 08 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:09 ص

      بوعبداللطيف

      بل يجب الجلوس إلى طاولة حوار جادة يتم فيها تمثيل القوى الحقيقية المؤثرة والفاعلة على الساحة السياسية،

    • زائر 8 | 7:49 م

      جلال

      شكرا لمقالك الرائع ياريت يكون هذا منهاج عمل وخارطة طريق على درب وحدتنا وتكاتفنا جميعا .

    • زائر 5 | 2:46 ص

      أنا سني واشكرك

      شكرًا لك على هذا المقال الرائع وما ميز مقالك هو الحياد وليس كما يفعل البعض الذي يجعل من العاطفة بوصله له في كتاباته

    • زائر 4 | 2:24 ص

      شكرًا

      مقال جميل ياريت الناس تسمع وتعي شكرًا

    • زائر 3 | 1:26 ص

      التراجع النقابي

      كثير من القيادات النقابية ترى في التوجه السياسي الحل لارجاع المفصولين والموقوفين عن العمل وهذا التوجه خلق استياء كبير بينهم. لاحضنا في الأونة الأخيرة بأن زمام الأمور قد بدأ يفلت من هذه القيادات وهذا سيزيد من مستوى الأزمة القائمة ويعقدها أكثر وأكثر.
      أتفق معك يا أخي محمد بأن الحل يكمن في العمل الجماعي وكذلك في التواصل بين الجموع وأن لا يستثنى أية مكون من مكونات هذا الشعب.

      نعم، نحتاج أن نستثني الحاقدين والمتمصلحين الذين يصطادون في الماء العكر كما يقال.

      كلنا واحد، احترموا حقوقنا

    • زائر 2 | 12:39 ص

      العياذ با الله يا بو حسن

      القارى بين صفحات الوضع البحريني بحكمه تتكون لديه معلومه اكيده بان الديره تبدو كا قطعه قماش باليه بداءت بلاهتراء اي بحريني على رغم اختلاف موقعه من اعراب المحنه اذا كان يحمل بين حناياه اي خير الى هذا البلد بغض النظر عن انتمائه الديني او الطائفي عليه لملمه مابفى من ود بين اهالي الزلاف واهالي سماهيج بين اهالي قلالي واهالي الدراز بين اهالي ستره واهالي البديع ياجماعه احنا في بحر غبه ومحملنا شارف على الغرق والاجنبي ما يهمه النتيجه عنده محمل غير محمل وعنده اهل غيركم وهذي ديرتكم والكل مسؤل امام وطنه

    • زائر 1 | 12:34 ص

      كلام في الصميم

      بل يجب الجلوس إلى طاولة حوار جادة يتم فيها تمثيل القوى الحقيقية المؤثرة والفاعلة على الساحة السياسية، بهدف التوصل إلى شكل الحكم ومؤسساته في المرحلة المقبلة بما يحقق مصالح الجميع ويبسط العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية الحقوق والواجبات بعيداً عن التمييز والمحاباة بسبب لون أو عرق أو انتماء مذهبي أو عائلي أو قبلي، أجل نحن بحاجة إلى إنجاز عقد اجتماعي جديد يعيد التوازن لبلادنا ويحقق الوئام والسلام للجميع ويخرجنا من دوامة العنف

      مقتبس من المقال

      شكرا لكم مفال فغلا في الصميم

اقرأ ايضاً