العدد 3331 - الخميس 20 أكتوبر 2011م الموافق 22 ذي القعدة 1432هـ

علاقة أزمة المياه والوقود الحيوي بأزمة الغذاء العالمية (1)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

ان تزايد عدد السكان عالميا قد ضاعف الحاجة لزيادة إنتاج الغذاء والطلب على الطاقة وبسبب ارتفاع أسعار المحروقات المتمثلة في البنزين والديزل الى مستويات غير مسبوقة دفع هذا الأمر الكثير من دول العالم للبحث عن بدائل أخرى وبأسعار أقل كلفة وقد جاءت هذه البدائل للأسف الشديد على حساب حاجات الناس المتزايدة للمحاصيل الزراعية الأساسية كالحبوب، والتي بدأت تنذر بنقص شديد في العرض أمام موجات الطلب المتصاعدة بسبب شح هذه المنتجات الزراعية في الأسواق من جانب، وتعاظم الحاجة إليها لصناعة الوقود الحيوي في العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل من جانب آخر.

وهكذا أصبح طرفا المعادلة العرض والطلب يدفعان ولكن نحو الشح وتراجع المخزون العالمي من الحبوب في وتيرة متصاعدة والنتيجة هي التعجيل في بروز أزمة غذائية خانقة.

ومن الأسباب التي دفعت بالأزمة الى السطح تدني الإنتاج بسبب الأحوال الجوية المتقلبة، فارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف والحرائق أدت الى خفض إنتاج العالم من القمح كما أدت زيادة تكاليف الشحن والتأمين وبعض مستلزمات الإنتاج الزراعي من الأسمدة بنسب تفوق الـ 100 في المئة كل هذه الأمور مجتمعة دفعت بالأزمة نحو هاوية سحيقة.

أما الأسباب الرئيسية للأزمة كما يراها الكاتب أسامة بدير والصحافي سامي محمود، فهي ترتبط من ناحية بالأزمة العالمية للمياه، إذ تواجه العديد من دول العالم نقصا في المياه وزيادة في الاستهلاك منذ العام 2003، أما المشكلة الكبرى فهي تناقص المياه العذبة بالسلاسل الجبلية مثل جبال الهمالايا، وجبال روكي والانديز والألب والتي تعمل كمخازن طبيعية للمياه حيت تتجمع بها مياه الأمطار والثلوج في الشتاء، ثم تبدأ في الذوبان لتسيل وديانا في الصيف وتمد بقاعا أخرى بالمياه على شكل جداول وأنهار إلا أن هناك أدلة علمية حديثة تشير الى أن ما يعرف بالأنهار الثلجية بدأت تنكمش في جميع السلاسل الجبلية، وعندما يختفي الثلج ستصبح الفيضانات في الربيع والخريف أكثر شيوعا،

في المقابل ستزداد مواسم الجفاف في الصيف، هذه الظواهر بدأت في الظهور والزيادة، في المقابل يتوقع أن تكون مدن ساحلية كمنطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وساحل شبه الجزيرة العربية عرضة للفيضانات بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر».

ويستطرد الكاتبان «تمثل الزراعة المستهلك الرئيسي للمياه بنسبة 70 في المئة، بينما الصناعة 20 في المئة، والإنسان 10 في المئة للاستهلاك المنزلي وفي المعدل تعتبر الحاجات اليومية لمياه الشرب قرابة 4 ليترات للشخص الواحد في حين تبلغ الحاجة لإنتاج غذاء الشخص الواحد يوميا بين 2000 و5000 لتر! أما الأمر المفزع فإن مشاكل المياه مازالت تميل إلى تجاهل دور الزراعة كأكبر مستهلك للمياه علماً بأنه بحلول العام 2030 سيتحتم زيادة إنتاج العالم من الغذاء بنسبة 60 في المئة تقريبا وذلك لتلبية حاجة ملياري شخص إضافي».

أما فيما يخص السبب الآخر للأزمة الغذائية فترتبط بإنتاج الوقود الحيوي، ويستطرد الكاتبان «هو وقود صديق للبيئة يقوم إنتاجه على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت متمثلة في صورة حبوب أو محاصيل زراعية كالذرة وقصب السكر أو في صورة زيوت وشحوم حيوانية مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل إلى ايثانول كحولي أو ديزل عضوي لاستخدامه في الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات وقد بدأ هذا الأمر في بلدان عديدة أبرزها الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند. هذا الأمر جعل من دولة نامية كالبرازيل تستغني عن استيراد النفط. كما يمكن الحصول على الوقود الحيوي من التحليل الصناعي لبقايا المحاصيل الزراعية وتدويرها مع المخلفات الزراعية والحيوانية مثل القش والخشب والسماد». وهذه بعض الحقائق والأرقام:

- في العام 2006 بلغ إنتاج العالم من الإيثانول كوقود 40 مليار ليتر وقد أنتجت البرازيل والولايات المتحدة الأميركية قرابة 90 في المئة من هذه الكمية.

- في العام 2006 انتج 6.5 مليارات ليتر من زيت الديزل بنسبة 75 في المئة في بلدان الاتحاد الأوروبي، أما البرازيل فتخصص نصف إنتاجها من قصب السكر لإنتاج الإيثانول.

- تعتزم الولايات المتحدة الأميركية تخصيص 25 في المئة من إنتاج الذرة لصناعة الإيثانول بحلول العام 2022.

ويضيف الكاتبان «على رغم المزايا الحميدة التي يتمتع بها الوقود الحيوي، إلا أن هناك أكثر من إشكالية أخلاقية وعلمية نتيجة استخدام المحاصيل الغذائية مثل الذرة والقمح وفول الصويا لإنتاج الوقود الحيوي أهمها:

- تحويل الحقول المنتجة للمحاصيل الغذائية إلى مناجم لإنتاج الطاقة سينتج عنه خلل في التنويع الزراعي والجور على الغابات الخضراء والمحميات الطبيعية.

- (الدول النامية والتي تحصل على هبات دولية على شكل مساعدات غذائية سيتحول الأمر بالنسبة لها إلى كوابيس بسبب تصاعد أسعار الغذاء وعدم وجود فائض في الدول المصدرة للدول الفقيرة.

- بالنسبة للدول النامية ستتصاعد النزاعات على الموارد المائية بسبب تزايد الحاجة لاستخدامها في ري قصب السكر والذرة المنتجة للطاقة.)

- زيادة الصراع بين الغذاء والوقود، فإنتاج 100 ليتر من الوقود الحيوي يحتاج إلى 240 كيلوغراما من الذرة، هذه الكمية تكفي لتغذية شخص واحد لمدة عام كامل، هذه المنافسة لها تأثير كبير على الفقراء المشترين للمحاصيل الغذائية الأساسية.)

وهذا يفسر السبب الرئيسي وراء شح مخزون الحبوب في العالم هذا العام وارتفاع أسعارها بحسب تقرير منظمة «الفاو» بنسبة 34 في المئة بحسب ما ورد ذلك في نشرات الأخبار الاقتصادية أما الأمر المفزع فهو: إذا كان إنتاج كل 100 ليتر من الوقود الحيوي يحتاج إلى 240 كيلوغراما من الذرة، وان هذه الكمية تكفي لغذاء شخص لمدة عام فكيف الأمر بالكميات الخرافية التي أنتجتها الدول المتقدمة؟ (مثال: في العام 2006 بلغ إنتاج العالم من الإيثانول كوقود 40 مليار لتر) بمعنى 96 مليار كيلوغرام من الذرة والحبوب الأخرى تمت التضحية بها في سبيل إنتاج هذه الكميات التجارية! في المقابل كم عائلة فقيرة حرمت من حقها الطبيعي في الحصول على حصتها من هذه المحاصيل في دول العالم والدول النامية والفقيرة تحديدا؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من العدل أن نرجح الحاجة للوقود لتسيير العربات والآليات على حساب غذاء الملايين من البشر؟

نحن نشهد المجاعات تفتك ببعض دول العالم الثالث كالصومال، والعالم يسعى لمساعدتها بكل السبل، ولكن من دون وجود خطة طويلة المدى لانتشالها من براثن الموت، أو الأخذ في الحسبان إمكانية تكرار مثل هذا الأمر في دولة أخرى بل ربما في أكثر من دولة واحدة في آن واحد مستقبلا... وإذا وقع المحظور ماذا سيترتب على العالم أن يفعل؟

وإذا تزامن هذا الأمر مع مآسٍ أخرى مرتقبة كالفيضانات أو الهجرة أو المنازعات على المياه، كيف سنبرر جريمة كنس آلاف بل ربما ملايين الموتى من الأطفال والفقراء من أجل الحفاظ على مستوى وافر من الطاقة الجديدة؟ هذا وسيحتاج العالم الى سنوات طويلة قبل الوصول الى وضع أطر وقوانين تجرم حرق مقدرات العالم الغدائية من أجل تسيير المركبات

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 3331 - الخميس 20 أكتوبر 2011م الموافق 22 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً