العدد 3334 - الأحد 23 أكتوبر 2011م الموافق 25 ذي القعدة 1432هـ

القذافي: الديمقراطية تعني دِيْمُوا على الكراسي!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قتِلَ الزعيم الليبي معمَّر بن محمد بن عبدالسلام أبومنيار القذافي. ولكي يُقتل، قتِلَ معه آلاف من الليبيين في بحر ثمانية أشهر من القتال، وتكبَّدت الدولة الليبية خسائر مادية، تصل إلى 14.2 مليار دولار، و29 طناً من الذهب بِيْعت على تجار محليين لتوفير مليار دولار من السيولة لسداد رواتب الليبيين، وانخفض الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي الليبي من 120 ملياراً إلى 110 مليارات دولار. الكلفة كانت هائلة، لكنها دُفِعَت، ونقطة في نهاية السطر.

بعد سقوط العاصمة طرابلس، لجأ القذافي إلى مدينة سِرت، موطنه وموطن أجداده. سَكن في المجمَّع رقم 2 بالمدينة. وعندما زحَف الثوار على سِرت التي دكها الناتو، خرَج القذافي من مسكنه باتجاه الجارف، لكن طائرة حربية فرنسية، قصَفت موكبه المكوَّن من 15 سيارة. انقسم الرَّتلُ إلى سماطيْن، فهبَّ الثوار نحو أحدها، والذي آوى إلى ماسورة صرف صحي ذي فوهة كبيرة، وكان القذافي ببطنها يتمسَّك بها. تتبَّعوه حتى ألقوا القبض عليه حيًا، فعُذب على يد آسريه عذابًا شديدًا، ثم أصابوه بالرصاص في ساقيه وبطنه ورأسه، حتى قضى نحبه.

كان توماس جفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية يقول «إن شجرة الحرية يجب أن تروَى من حين إلى آخر بدماء الوطنيين والطغاة»، لكن ذلك في حينه لا يستقيم وفطرة البشر تجاه بعضهم. فعلاً، لم أكن لأرغب أن أرى القذافي وهو في السبعين من عمره، بهذا الحال المخيف، يتهارش عليه المتعطشون لدمه رغبة منهم في الانتقام، فيُرسلون أظافرهم قبل بنادقهم إلى جسده، ويرفسونه خصرًا بأرجلهم، ويجزُّوْن شعر رأسه، وهو مُضمَّخ بدم وجهه ورقبته، وبطنه. هذا أمر لا علاقة له بالثأر، ولا بالقصاص، إنه أشبه بفيلم بشع للرعب.

في نهاية فبراير/ شباط المنصرف، نشرت مجلة «نيتشر» العلمية البريطانية، دراسة تقول، إن هناك منطقة في الدماغ، مسئولة عن العدل والإنصاف في معاملة الآخرين. ثم عقَّبت الأستاذ المساعد بقسم علم النفس، بجامعة روتغرز الأميركية والمشاركة في الدراسة، إليزابيث تريكومي، بأن مسح الدماغ بالرنين المغناطيسي أظهر أن مناطق اللحاء قبل الجبهي في الدماغ تلعب دورًا أساسيًا في جنوح البشر نحو الخير، والانتصار إلى الفقراء أكثر منه للأغنياء. لكن تلك الدراسة لم تنطبق لا على القذافي أيام حكمه، ولا على آسيريه. إنها الوحشية بعينها.

لقد أظهرت لقطات الفيديو المشاعة، أن القذافي عاندَ آسريه، وعندما خارَت قواه من التعب والجرح، اتهمهم بارتكاب الحرام. إنها مكابرة، تعيد إلى الأذهان بصقة عمْرو بن عبد ودّ العامري في وجه الإمام علي بن أبي طالب خلال معركة الخندق، في الوقت الذي كان فيه الأمير جالسا على صدر العامري ليجهز عليه، مع الفارق.

هذه طبائع مَنْ لا يتخيَّل أنه سينهزم يومًا ما. هو يعصر آخر قطرات الجبروت، حتى ولو كان على شفا حفرة من الموت، لأن حياته متوقفة على جبروته، فمتى ما انقضى الجبروت مات، ومتى ما انقضت حياته انتهى جبروته.

قبل أيام، تحدث سائق معمّر القذافي الخاص، حنيش نصر، والذي ألقِيَ القبض عليه وهو معه، عن أن القذافي وفي أيامه الثلاثة الأخيرة في سرت كان ذا أعصاب باردة، وبصحة جيدة، غير مكترث بما يجري. آمر حرسه الشخصي منصور ضو الذي تمَّ اعتقاله مع القذافي بعد إصابته قال إن القذافي لم يكن خائفاً، في الوقت الذي كانت فيه ليبيا تحترق. الأكثر من ذلك، فقد بيَّنت الصُّور، أن القذافي كان مهتماً حتى بمنظر وجهه، وهو يخوض معركة المصير التي لن يخرج منها سالمًا له هو ولا نظامه ولا أولاده؛ فقد كان عارِضَا لحيته مُشذبان، في حين أبقى على شاربه وذقنه مصبوغيْن ومُدبَّبَيْن بدقة. إنه هدوء، يكشف إحدى غرائب القذافي.

في كلّ الأحوال، وما يتوجَّب قوله والاعتراف به الآن، هو أن معمّر القذافي كانت أمامه فرَصٌ كثيرة للهروب إلى الدول التي كانت تقدِّسه في إفريقيا، وفي الجوار، لكنه لم يفعل، وآثر البقاء في الداخل الليبي، بل إنه أوصَل عائلته إلى الجزائر، ثم كرَّ راجعًا إلى الصحراء، رغم أن الطريق كان يأكل أربعة أيام من المسير المتواصل. ثم أمَّن طريقاً آخر لبقية أولاده نحو النيجر، حيث لجأ إليها أحد أبنائه وأكثر من أربعين من حاشيته والمقربين إليه، وهو أمرٌ يجب أن يُقِرّ به الجميع، من أن القذافي لم يكن منهزمًا ذاتياً، أو خائفاً، ولم يكن ينوي الهرب إلى الخارج مُطلقاً.

لكن (وهي الكلمة التي فيها غاية التفسير) لا يهم إن كان القذافي غير هَيَّاب من القتال أو أنه مقدام فيه؛ فالشجاعة ليست في العدميَّة السياسية، والقتال من أجل قضية خاسرة موضوعيًا وأخلاقيًا، وإنما الشجاعة هي في القدرة على منح القضية مزيدًا من الشرعية؛ عبر تفسيرها بشكل يتلاءم والمنطق، وحقوق الناس، وحفظ كرامتهم، وإدارتهم بالإنصاف. وهو ما نعنيه في حالة القذافي، الذي خلق قضية، وتزعمها، وقادها، ومات في سبيلها، دون أن يُدرك أن لا طعم لها ولا هدف، سوى شعارات لم تبنِ البلد، ولم تطوِّره، بل أبقت عليه متخلفاً.

كان القذافي يقول في تعريفه للديمقراطية، إن الديمقراطية تتكوَّن من كلمتين، الأولى ديموا، والثانية كْرَاسِي، ما يعني (مثلما كان يقول) ديموا على الكراسي وفي السلطة أيها الحكام، وهو دليل (والكلام له) على أن الديمقراطية شعارُ حكمٍ فاسد. وبالفعل، استبدله بشعار الجماهيرية، وحكم الناس من خلال المؤتمرات الشعبية، وهو شعار تبيَّن أنه أسوأ مما يتخيّل، لأنه وباختصار، لا يفضي إلى ديمومة الحكام على الكراسي فقط، وإنما موتهم عليها أيضًا.

بقيت كلمة أخيرة نقولها للمجلس الوطني الانتقالي وبالتحديد للمستشار مصطفى عبد الجليل الذي بدا أنه يملك ولا يحكم في بلاده، بعد أن انفرد ثوار مصراته بتصوير وإعلان خبر مقتل القذافي للعالم وللصحافة قبل أن يعلن المكتب التنفيذي للمجلس ذلك. عليكم أيها المستشار أن تتذكروا فقط كلمة قالها الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل «يمكن للحكومة أن تتواجد بسهولة دون قوانين، لكن القانون لا يمكن أن يوجد دون حكومة». والسلام

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3334 - الأحد 23 أكتوبر 2011م الموافق 25 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:57 ص

      .هل فعلا قتل القدافى قتل النعاج ؟

      الاخ محم تسلم يداك على هذة المقالات الحلوة
      لقد وضع مقالك النقط على الحروف فى اشكالية الشخصية التى اعدمها الثوار وهل هى بحق للقذافى؟ اعنى ان يقطع الطريق ذهاب وايابا فى تأمين وصول اهلة الى دار الامان ؟ثم الذقن المخنجرة المحلوقة جيدا!هل هذة من صفات المحاربين اليائسين ؟وامر اخر لقد همس لى بعضهم بعد ان شاهد الشريط بأن المغدور اقصر طولا وانحف واقل شعرا فى الخلف .هل فعلا قتل القدافى قتل النعاج ؟

    • زائر 5 | 8:47 ص

      جميييييييييييييل

      يمكن للحكومة أن تتواجد بسهولة دون قوانين، لكن القانون لا يمكن أن يوجد دون حكومة

    • زائر 4 | 6:24 ص

      سيف الاسلام

      اليوم نشرت بعض الصحافة الغربية ان سيف الاسلام القذافي يريد ان يواصل القتال والانتقام لمقتل والده!!!!!!!!! الجنون فنون

    • زائر 3 | 6:21 ص

      المقاربة الاهم

      إنها مكابرة، تعيد إلى الأذهان بصقة عمْرو بن عبد ودّ العامري في وجه الإمام علي بن أبي طالب خلال معركة الخندق، في الوقت الذي كان فيه الأمير جالسا على صدر العامري ليجهز عليه، مع الفارق.

    • زائر 2 | 3:39 ص

      القمم

      من يتذكر القذافي يتذكر مداخلاته في القمم العربية

    • زائر 1 | 1:01 ص

      الم يكن القذافي ذا شعبية كبيرة في المجتمع العربي

      نعم إن القذافي قتل فلأيمكن إنكار شجاعته وبطولته بغض الطرف عما إذا كان ظالم آم لا, كان شجاعا في التكيف مع الاوظاع سو ا الداخلية أو الخارجية وكان هو الوحيد من الحكام العرب أعلن استيائه من وضع الدول والجامعة العربية ومجلس الأمن وموقفهما من قضية فلسطين ومشابها فأعلن ذالك عدة مرات ومن منبر الأمم المتحد نفسه,عمل المستحيل ألا يسلم احد من أفراد شعبة للمحاكم الدولية كما أنه جدا بإعادة المقرحي وله الكثير من المواقف ألشريفه مات موتت الرجال الأبطال الشرفاء المدافعين عن أنفسهم فلأيمكن غظ النظر عن كل هذا

اقرأ ايضاً