سبق أن ذكرنا أن عدداً من الجماعات الشعبية في العديد من الثقافات تعتقد أن أكثر أفراد المجتمع عرضة للإصابة بالعين هي المرأة وخاصة التي وضعت حديثاً وكذلك الأطفال وخاصة المولود الجديد؛ لذلك أوجدت كل ثقافة لنفسها طقوساً خاصة لحماية المرأة النفسة أو النفساء وكذلك المولود الجديد. وقد تناولنا في الفصل السابق الطقوس الخاصة بحماية الأطفال، وسنتناول في هذا الفصل الطقوس الخاصة لحماية المرأة وخاصة النفساء، وأكثر ما يصيبها من أذى هو ما تطلق عليه العامة مسمى «ربط» أو «كبسة» (تلفظ أحياناً چبسة) والمشاهرة أو المدارسة، وقد تعرضت هذه المصطلحات إلى التطور الدلالي فأصبحت بعض الجماعات تعمِّم مصطلحاً وتخصص مصطلحاً آخر؛ إلا إن المفهوم واحد، وسنخصص هذا الفصل في تحديد المصطلحات المستخدمة ومعانيها المختلفة في مناطق مختلفة من الوطن العربي

الكبسة والمشاهرة بين التخصيص والتعميم

قبل أن ندخل في التحليل اللغوي لمصطلحي الكبسة والمشاهرة سنبدأ أولاً بتحديد المعنى الاصطلاحي لها في مناطق مختلفة من دول الخليج العربي.

«الكبسة» في البحرين والكويت وقطر والعراق

في البحرين يطلق مسمى ربط أو كبسة على حدوث عائق للمرأة يجعلها غير قادرة على الحمل أي عقيمة دون وجود أسباب علمية للعقم، وقد يحدث الربط في يوم الزواج أو بعد الولادة؛ أي فترة النفاس، وتحدث الإعاقة بسبب عدم التزام المرأة بطقوس معينة يجب أن تؤدى أو أن تصاب بالعين. وحتى يتم فك ربط أو كبسة هذه المرأة هناك طقوس معينة يجب أن تؤديها المرأة. ويذكر إسماعيل الفحيل وآمنة الحمدان في كتابهما كتاب «عادات الميلاد في مجتمع الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت» أن مصطلح «كبسة» هو الشائع في كل من الكويت وقطر وله المعنى نفسه المستخدم في البحرين (الفحيل والحمدان 1997: ص70). وأشار صباح نوري مرزوك (مرزوك 1986م) في بحثه «عادات وتقاليد الحلية في العقم والولادة» إلى وجود مفهوم الكبسة في مدينة الحلة في العراق بالمفهوم نفسه في البحرين.

«المشاهرة» في الإمارات

في دولة الإمارات العربية المتحدة يستخدم مصطلح مشاهرة بمعنى كبسة؛ إذ أشارت الدراسة الميدانية التي أجريت في دولة الإمارات «إلى أن المشاهرة تعني الكبسة؛ وذلك على حد قول إحدى الإخباريات التي تقول، إنهم أخذوا چبسة أو منچبسة من أهل البحرين» (الفحيل والحمدان 1997: ص70). وقد قرر معدا كتاب «عادات الميلاد في مجتمع الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت» لتخصيص المصطلحات (كبسة ومشاهرة ومدارسة) فعالجا مصطلح «الكبسة» ليعني «تسبيب ضرر للمرأة يؤدي لعدم حملها أو للإجهاض»، في حين استخدما مصطلح مشاهرة أو مدارسة لتعني «تسبيب الأذى للسيدة النفساء وطفلها الوليد»، والمدارسة هي المشاهرة لكنها باللغة الفارسية (الفحيل والحمدان 1997: ص71 وص133)، وهذا تلاعب في دلالة المصطلحات ولا يوجد اتفاق عليه بين الكتاب والشعوب وإنما كما نلاحظ هنا كل منطقة تستخدم مصطلحاتها الخاصة بها.

«المشاهرة» و«الكبسة» في فلسطين

بحسب دراسة يحي جبر وعبير مدخل حول التراث الشعبي الفلسطيني فإن كلا المصطلحين الكبسة والمشاهرة شائعان في فلسطين ولكن بدلالات تختلف عما خصصها الفحيل والحميدان في كتابهما السابق الذكر، فالكبسة لها المفهوم الشائع نفسه في البحرين وقطر والكويت والعراق، أما المشاهرة فتعني الطقوس المتبعة للتخلص من الكبسة؛ إذ تذكر المشاهرة في البحث على أنها «تمثل الفعل المضاد للكبسة» (جبر ومدخل 2009م).

«المشاهرة» في مصر

في مصر يستخدم فقط مصطلح «مشاهرة» وهو مصطلح عام لعدَّة أمور تصيب المرأة قبل الزواج وبعد الولادة أو قد تصيب المولود الجديد، ويعرِّف فارس خضر «المشاهرة» في كتابه «العادات الشعبية بين السحر والجن والخرافة» كالآتي:

«المشاهرة إعاقة مؤقتة، يُعتقد أنها تصيب المرأة أو وليدها، نتيجة عدم التزامها بمجموعة التابوهات (المحظورات) التي تحدِّدها الجماعة. ويُعتَقَد أن هذه الإعاقة قد تستمرّ طوال عمر المرأة، ما لم تستطع إزالة آثارها «فكَّها» بأيٍّ من طقوس الفَكِّ المتعدِّدة. وتبدو مظاهر هذه الإعاقة في عدم الإنجاب، إذا ما كانت عروساً حديثة، أو التوقف عنه، إذا ما كانت قد أنجبت من قبل حدوث الإصابة. وأقل درجات هذه الإصابة هي جفاف لبن الأم المرضعة، وحدوث اضطراب مع الدورة الشهرية، أو إصابة وليدها بآلام في العينين، أو بتعثر المشي وتأخره عن السن المعتادة ... ويُطلق على الأم المصابة بالمشاهرة لفظ «المشهورة» أو «المتعاقة» بمعنى «الْمُعاقة» ... والمشاهرة- في حد ذاتها- قد تُعَدُّ سحراً أسود أضَرَّ بالمرأة بشكل غير عمدي، إذ لم يوجَّه إليها من قِبَلِ ساحر لإيذائها، وإنما نتجت الإصابة- كما ذكرنا- لعدم التزامها بالتابوهات التي تتوارثها الجماعة» (خضر 2008: 25 – 26). ويتضح بعد أخذ جولة في العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية وخاصة المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أن لفظة «مشاهرة» قد ارتبطت بالطقوس المتبعة لفك الربط أو علاج المشاهرة.

«المشاهرة» و«الكبسة» في السودان

من خلال سلسلة مقالات عن التراث السوداني كتبتها حنان محمد خليل في منتديات «عبري تبج» يتضح إن مصطلح المشاهرة وكذلك الكبسة في السودان أكثر عمومية من باقي البلدان فهو ليس حصرياً للإصابة بالعقم وليس حصرياً على المرأة أو المرأة ومولودها؛ بل قد يصيب حتى الحيوانات والجمادات؛ إذ تنقل الكاتبة عن كتاب «الساقية» لمحمد أبوسليم أن الساقية قد تصاب بالكبسة وهناك طقوس لفك كبسة الساقية. ويبدو من توظيف المصطلحات كبسة ومشاهرة أنهما مترادفان إلا أن طقوس التخلص من الكبسة دائماً ترد باسم طقوس المشاهرة.

التفسير اللغوي لـ «الكبسة» و«المشاهرة»

من الصعب البحث في أصول هذه المصطلحات فقد لا تكون من أصول عربية ولكنها تتشابه مع ألفاظ عربية إلا أن هناك من أجتهد في رد هذه المصطلحات للعربية، فقد يكون المصطلح كبسة اشتق من الكبس بمعنى الطم الردم فيقال «كَبَسَ البِئْرَ والنَّهْرَ يَكْبِسُهُمَا كَبْساً: طَمَّهُما ورَدَمَهُمَا وطَوَاهُما بالتُّرابِ، وكذلِك الحُفْرَةَ». أما المشاهرة فقد يكون للمصطلح علاقة بالقمر والشهر وقد سبق أن ذكرنا علاقة المرأة بالقمر والشهر، وجاء في معجم «تاج العروس»: «المُشاهَرةُ: المُعامَلَةُ شَهْراً بشَهْرٍ، كالمَعَاوَمةِ من العامِ ... وأشْهَرْنا دخَلْنا في الشَّهْرِ. وأشْهَرَت المرأةُ: دخَلَتْ في شَهْرِ ولادِها».

ويرجِّح فارس خضر أن كلمة مشاهرة «مصدر لأحد الاشتقاقات اللغوية من كلمة «الشهر»، وقد استخدمته العقلية الشعبية نتيجة عدم انتظام الدورة الشهرية لبعض النساء، مِمَّن يتأخر حملُهنَّ لأسباب صحية في الأساس، وقد اتَّسع استخدام هذه التسمية، لتشمل عدداً من الإصابات، التي يُعتقد أنها منسوبة إلى قوى سحرية ... ومما يُرجِّح هذا الاستنتاج أن الجماعة الشعبية تشترط للإصابة بالمشاهرة وللعلاج شرطين متصليْن بالشهر بوصفه مُحدِّداً زمنيّاً لها: الأول: يُشترط للإصابة بالمشاهرة ألاَّ يكون قد مرَّ «شهر» على زفاف العروس حين يحدث كسر أحد التابوهات، ولو مَرَّ هذا الشهر الأول على العروس ولم تظهر عليها آثار الإصابة، فلن يكون لهذا الكسر أو الإخلال أيُّ تأثير عليها. والثاني: يشترط أن يتم العلاج من المشاهرة بعد أذان المغرب لليوم الأول من الـ «شهر» العربي.. أو بعد أذان الفجر لليلة نفسها» (خضر 2008: 25 – 26).

ودليل آخر على ارتباط المشاهرة بالشهر هو ما ذكرته حنان محمد خليل في سلسلة مقالاتها عن المشاهرة في السودان: «وطقوس المشاهرة عندما يهل الهلال تسمى (أون تف) بمعنى نفض الهلال ... والمقصود هو نفض البلاء والتخلص من الشرور بفضل الهلال. والولد الذي لا يرتب له هذا هو الذي يصير فى عرفهم (هبيلا) بمعنى أبله.

ويقال له تفتى أي المصاب بالكبسة أما عملية الإصابة نفسها فتسمى تفتور»