العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ

مكالمة هاتفية على أثير «الطائفية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اتصلتْ فتاة بصديقة عمرها (وكلتاهما من مذهبين مختلفين من مذاهب الإسلام) فلم تجِبها. حاولَت مرة ثانية وثالثة وبشكل متوالٍ دون فائدة. حاولت أن تجدها على هاتف المكتب، ثم البيت، ثم الموبايل مرة رابعة ولكن لا فائدة من كلّ تلك المحاولات. بعدها أرسلت لها رسالة نصيَّة تقول فيها: «أرجو أن تطمئنيني عليك، فأنا وجِلَة». هنا جاء الرد مقتضبًا وباردًا وغير محسوب لا في عقله ولا في عاطفته ولا في إنسانيته: «أرجو ألا تتصلي بي مرة أخرى».

بَكَتَ الصديقة صديقتها بحرقة تخنق الصدر، وبدموع سيَّالة، لم أجِد مثيلاً لها من قبل سوى عند امرأة أثكِلت بولدها بين نسوة مثاكيل. فالفقيدة بالنسبة لها هي صَدِيقة ذات وشيجة بالقلب. حينها تذكرت قول النبي محمد بن عبدالله (ص) في وصفه للصديق: الأخ نسيبُ الجسم والصديق نسيبُ الروح. وما أكبر الفارق ما بين مَنْ ينسبك بجسمه وآخر بروحه؛ لأن الأصل بين الحالين هو فارق الإحساس ما بين المادة وما يقابلها من روحانيات.

ابتلعت الفتاة الصدمة، وكتَبَت لها ردًا على ردها: «شكرًا جزيلاً، لكنني أودّ أن أعرف السبب». لم تجِب الصديقة الفقيدة، لأنها فعلاً أصبحت ميِّتة. قيل لها: أنتِ لم تخسري شيئًا.فأضعف الناس هو مَنْ يخسر صديق. وربما هو النعت الصحيح لهذه «الصديقة»، لكن هذا الضعف يُمكن أن يكون نتيجة أسباب لا قِبَل لها بها، ونحن نعيش في مرحلة اجتماعية حرجة (رغم أن الأمر لا يبرره شيء أبدًا). فما يقاس به في وقت الرخاء، لا يُمكن أن يقاس به في وقت الشدة.

هنا، يتعاظم المصاب، ونحن نرى في كلّ يوم صرعى في اجتماع الناس مع بعضهم، مثلما نرى صرعى في السياسة. كلّ فقيد لنا في الدَّم نأسف عليه، لكننا نأسف على مثيله عندما نفقده في المشاعر. وربما صار الفقد في الدم معروف في نهايته وتأثيره المنقضي، لكن فقيد المشاعر والروح هو حيٌّ بجسده، ميِّتٌ في روحه، وقادرٌ على تصدير موته لآخرين، لديهم قابليّة الموت مثله، وكأنهم في صرعة انتحار جماعي، تلجأ إليه عادة بعض الجماعات الروحية المتطرفة.

الناس في مثل هذه الأزمات التي نحن في أتونها هم أشبه بالمرضى، المحتاجين للعلاج. كل الأسقام العضوية تحتاج إلى صبر حتى تنقشع ويبرأ الجسد. هذا هو حالنا ونحن نصدّ بأيديها وأرجلنا وصدورنا لسَعَات العقارب السَّامة. نفوس الناس اليوم مريضة، وتحتاج (كما الجسم) إلى دواء يشفيها مما هي فيه. لا ييأسَنَّ أحدٌ من صديق له صدَّه في لحظة عمى. فالمرضى يكرهون احتساء الدواء من أفواههم، لكن خاتمة الأمور، هي عادة ما تكون لصالح الدواء.

أسوأ شيء يتذكره السويسريون، أنهم تخاصموا على المذاهب. كاثوليك وبروتستانت. وأسوأ شيء يتذكره الإنجليز، أنهم كانوا يُعيِّرون الأيرلنديون، أنهم عملاء لفرنسا. اليوم، يأسف السويسريون والإنجليز على أنهم أسرفوا في الوقت والدم بشأن عناوين تافهة، لم تجعل أحدًا منهم يأكل لقمة أسوغ من لقمة أحد آخر. ولا أحداً يلبس سِلْكًا أنعم من سِلك. ولا ينكح وجهًا أصبَح من وجه. وإنما جَعَلت الجميع يخسر النعم الثلاث، بل وكلّ شيء يملكه.

مَنْ يقضي على صحبة صديق له لدواعٍ طائفية مقيتة وجاهلية، فإنه يفرِّط في وقت وجهد قد بذلهما الطرفان لبعضهما. هو أشبه بمن يجمع نقودًا طيلة عشرين عامًا ثم يخسرهما في لحظة سوء تقدير. إنها سوق للربح أو الخسارة. كثيرون يخسرون في تجارة السوق، وكثيرون أيضًا يخسرون في تجارة الأخلاق وحسن العشرة والجيرة. الفارق بينهما، أن الأول قد يُعوَّض، أما الثاني، فإنه يذهب بلا رجعة، لأنه مرتبط أصلاً بفروع الحياة المختلفة التي بها تتشكَّل حياة البشر.

أتذكر، أن الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل كان يقول «يمكن للشخص أن يُسبب الأذى لآخرين ليس فقط عن طريق الفعل، بل أيضًا عن طريق الامتناع عن الفعل؛ وهو في كلتا الحالتين مسئول أمامهم عن الضرر». هذه حقيقة جليَّة. فالامتناع عن فعل الأمور الجيدة وكلّ ما هو إيجابي، في لحظة لا تتطلَّب من أحد إلاَّ أن يفعل ذلك، لهو أمرٌ في غاية السوء، وسيحاسبه الزمن والتاريخ على تلك الفِعلة، خصوصًا إذا كان الأمر متعلق بوحدة الناس.

فالضرر يختلف تأثيره من ساعة لأخرى. فلحظة أن تترك صديقاً وهو في لحظة فقر وفاقة، هي أفدع من لحظة أن تتركه وهو في سِعَة من رزقه. وحين تشيح بوجهك عن صديق في لحظة قلَّ فيها الأعوان، هي أفدع من لحظة إشاحة الوجه عنه في زمن الاقتدار. فالسخاء إيثار ما يُحْتَاجُ إليه عند الإعسار، كما كان يقول الفقيه المسلم والشاعر معروف الكرخي.

أقصى ما يدخره المرء للبحرينيين وهم في مصابهم الاجتماعي، أن يتلقفوا الصحيح، ويتجنبوا السقيم من القول. فمَنْ هو مُعسَر اليوم سيكون ميسور الحال غدًا، ومَنْ هو في رغدٍ اليوم، فهو في فاقة غدًا، وبالتالي سيحتاج المعسرين اليوم لمن هم في يُسر، وسيحتاج غدًا منْ آلت بهم الحياة للفاقة إلى مَنْ أصبحوا في رغدٍ من عيشهم. هذه طبيعة الحياة وديدنها، فلا تفعلوا بأنفسكم ما فعل الآخرون، فتقعدوا ملومين محسورين

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 6:51 ص

      جبتها عالجرح

      صح لسانك اخي الكريم, لكن مع الاسف الشديد الازمه اظهرت الكثير من الخبايا والوجوه الحقيقيه للبعض ممن لم يحترموا الطائفه الاخرى ولم ياثر بهم صلة القرابه ولا العشره وانا مثال حي على ذلك فلقد فقدت صديقه كانت لي بمثابة اخت لمدة13 سنة وكل ذلك بسبب الازمه وبرودكاستات وصور تتناقل بالبيبي. كما انني رفضت من قبل عائلة زوجي بعد عشره 5 سنين وكل ذلك بسبب رايي ومذهبي!!لم كل ذلك؟ مع العلم انني افتقد صديقتي واتسائل دائما عن حالهاولكن لااجرؤ على محادثتها لانني اخاف من ان تصدني وهذا ما لن اتحمله ابدا!

    • زائر 10 | 6:34 ص

      الزمن ماتغير من اللي تغير

      بدون سبب تغير الصديق اننا اخوان واللحمه التي بيننا تفوق الأخوه ثلاثين سنه طارت وكأن الصداقه تنطفئ كما نطفي اجهزتنا الالكترونيه بمجرد ان نطفي زر التشغيل فهل الانسان تطور وأصبح الكترونيا واحسرتاه؟

    • زائر 9 | 5:33 ص

      السر

      البحرينيون لبعضهم

    • زائر 8 | 4:35 ص

      عبد علي البصري

      كانو اصدقاء في شركه واحده ، كانوا يتبادلون التحيات والمحيا الواضحه على الوجوه صباحا ومساء ، كانوا يأكلون معا ، يتعاونون فيما بينهم . فجأه !! جار الجار على الدار ، ونسي ما كان ولم يكترث بما سيكون ، نسي الاكلات والضحكات والمزحات ،وراح فرحا بما صار اليه ((اخوته السابقين)) . يتبادل القبلات و الحلويات منهنها عن نفسه ، ..... ولاكن الا قل للشامتين الا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا . بس أشكر كل انسان عربي رفعته شيمته العربيه ووقف في صف اخوانه مع أختلاف الدين والمذهب .

    • زائر 7 | 4:22 ص

      ليست فقط صداقات انتهت بل زيجات!

      انتهاء الصداقة شي مر, ولكن الذي امر منه ان تنتهي عشرة عمر وحب بين زوجين عاشا سنين من عمرهم متاحبين بسبب هذه الاحداث. اعرف شخصيا حالتي طلاق حدثتا بعد الاحداث.. ففي الاولى فصل الزوج من العمل وتدهورت العلاقة بينه وبين زوجته التي قامت تنعته بالخائن! وانتهى الامر بالمشاكل بين الطرفين والتي ادت الى الطلاق.. والثانية حالة طلاق بين شخصين عاشا اروع سنين عمرهم في الحب وبعد الزواج والعشرة جائت الاحداث لتمحي الحب وتبدله الى بغض وكره!!

      شيء مؤسف حقيقة

    • زائر 6 | 3:45 ص

      من يريد أن يكون صديق أحد

      من يريد أن يكون صديق أحد فهذا شأنه و من يريد أن يخاصم أحد فهذا شأنه هي حرية شخصية لكن المهم هو عدم تجاوز القانون ... القانون هو الفيصل بين الناس ... لا يمكنني أن أجبر أحد أن يحبني و لا أريد من أحد أن يحبني و لكني أستطيع أن أجبر الناس على إحترام القانون ...
      أنا لا أؤمن بان المحبه يجب أن تعم بين الناس بل أؤمن بأن سيادة القانون هي التي تسير البلدان نحو طريق الأمان ...
      اليوم المنطقة كلها على مفترق طرق و ليس البحرين فقط فأنت يا أما معي أو ضدي ... للأسف هذه هي الحقيقة المره

    • زائر 5 | 3:39 ص

      الاعلأم

      كل البلآوي من التلفزيون المحلي والاجنبي

    • زائر 4 | 12:57 ص

      هذا ماحدث لابنتي لكن بشكل جماعي واقولك بان سبب ذلك هو الشحن الاعلامي من تلفزيون واذاعة وصحف استخفت بمسؤوليتها وسارت في التحريض

      99% من صديقات ابنتي اهلن الكرام من الطائفة ال........الكريمة ونحن نعيش في منطقة مختلطة لم يتدنسون بادران الطائفية هذه تنام عند بنتي وابنتي تنام عند الاخرى والتجمع والتزاور المستمر وهذا استمر لدى بعضهن مند مرحلة الروضة حتى التخرج من الثانوية واستمر حتى هذه الازمة ومن بعد 17 مارس انقلبت الامور شتم وذم وتهجم على مذهب ابنتي لكانها ارتكبت ذنب الله واكبر ماذا حدث للبحرين ونسيجها المتين لقد بكت ابنتي بكاء مرا لم نحرضها على اي موقف قامت من تلقاء نفسها بمسح مشاركتها معهم كي لاتسمع الشتم السبب هو الشحن

    • زائر 2 | 12:31 ص

      صح الله لسانك وانشاالله يعم التسامح بين شعب البحرين الاصيل والمعروف بطيبنه والله يحاسب المتمصلحين من الازمات من كتاب اعمده وخطباء مساجد ومقدمي برامج.

    • زائر 1 | 11:15 م

      هكذا عاشا مع بعض منذ الصغر

      لا تستغرب .. فاحداث البحرين غريبة .. ولم تقتصر على مثقف او امي .. شخصان أميان ممن تركا المدرسة من الصف الثالث ابتدائي .. التحقا بعمل بسيط في وزارة منذ 35 عاما ... لم يفترقا طوال هذه السنين .. وبعد احداث مارس والانقطاع عن العمل لأيام بسبب الاحداث .. وعندما التقيا .. واذا بالأخ س يقول للأخ ش لا تمشي معي .. لماذا ؟ ..س إنكم تحرقون القرآن .... هكذا قيل له .. بعد اسابيع عادا معا .. هكذا عاشا مع بعض منذ الصغر ..

      ( فلاح الدولاب )

اقرأ ايضاً