العدد 3397 - الأحد 25 ديسمبر 2011م الموافق 30 محرم 1433هـ

هل ينشأ أدب سجون نسائي؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تميّز الحراك السياسي الأخير في البحرين بمشاركة نسائية واسعة، وهي ظاهرةٌ تشترك فيها أغلبية دول الربيع العربي.

هذه المشاركة كانت مفاجِئةً سواءً للحكومات أو للحركات والأحزاب السياسية المعارضة، وفي كثيرٍ من الأحيان استتبعت تعاملاً فظاً وشرساً مع نساء الربيع العربي على أيدي الأنظمة العربية. وبالمقابل حظين بتعاطفٍ وتكريمٍ واسعٍ من العالم الخارجي، تُوّج بمنح جائزة نوبل للسلام للناشطة اليمنية الصحافية توكل كرمان، التي أهدتها لزملائها وزميلاتها المناضلات في العالم العربي.

المشاركة الواسعة للنساء كانت لها كلفةٌ عاليةٌ، مادياً ومعنوياً، فقد نالهن الأذى الجسدي وتعرّضن للقتل والجراحات والسحل في بعض الميادين، كما نالهن من الأذى المعنوي الشيء الكثير. ففي مصر حاول بلطجية النظام وإعلامه المهترئ النيل من شرف المرأة المصرية باتهامها بالإتيان بأمور غير أخلاقية في ميدان التحرير. وفي اليمن وقف رئيس الدولة ليشكّك في مسلك المرأة اليمنية باتهامها بالاختلاط، ومخالفة الأعراف القبلية. وفي بلدان أخرى تم الترويج لبعض مقاطع الفيديو التي صوّرتها الأجهزة السرية لتختلق قصصاً وسيناريوهات وهمية، في محاولاتٍ بائسةٍ لتشويه النساء العفيفات الشريفات المطالبات بالحرية والكرامة.

في النسخة البحرينية من الربيع العربي، كانت للمرأة مشاركةٌ كبيرةٌ فاجأت السلطة والجمعيات السياسية معاً، ونالها على إثر ذلك الكثير من الأذى، المادي والمعنوي. مئاتٌ فُصلن من أعمالهن، من اتجاهات وأعمار ومستويات وظيفية مختلفة. عشراتٌ قدّمن للمحكمة، بتهمٍ أغلبها تتعلق بحرية التعبير عن الرأي. كثيراتٌ منهن من القطاع الطبي والتعليمي والإداري، من تلك الشرائح غير المهتمة كثيراً بالسياسة، حتى جاء فبراير فوجدت نفسها في وسط الحراك الشعبي الكبير.

هؤلاء دخلن سلك النشاط السياسي والحقوقي، وأمامهن فضاءٌ أوسع من حرية التعبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي غير الخاضعة لهيمنة الدولة. وهن يمتلكن القدرة على التعبير عن الذات، والمطالبة بجرأةٍ بالحقوق، والتخاطب مع العالم بلغة العصر.

خلال العقدين الماضيين شهدت الساحة الثقافية في السعودية، صعود تيار روائي نسائي، كان يعبّر عن تطلعات المرأة، حيث كان يتركز على قضايا مثل الدراسة بالجامعة وحق العمل وقيادة المرأة للسيارة. واعتبرت هذه القصص والروايات مرآةً شفافةً لواقع المرأة السعودية، بالنسبة للباحثين العرب والأجانب، في مجتمعٍ محافظٍ ومنغلقٍ وقليل البوح. الأدب يمثّل كرسي اعترافٍ للشعوب، تنعكس عليه قضاياها ومشاكلها ومعاناتها اليومية، فحيث لا يمكن الحديث علانيةً، يكون اللجوء للأدب والرواية والسرد القصصي.

النقاد يقولون إن الأدب العظيم وليد المعاناة العظيمة. وفي الربيع العربي ضحّت المرأة، وتعرضت للاعتقال والسجن ومحاولات الإذلال وامتهان الكرامة. وهي تجارب تنحفر بقوة في النفس البشرية، ولا يمكن نسيانها، خصوصاً مع تخلّف المجالس الرسمية الخاصة بالمرأة والجمعيات النسائية عن مواكبة الحدث أو إنصاف الضحايا. كل هذه المعاناة المرة توفّر مادةً أساسيةً غزيرةً، يمكن أن تولّد أدباً نسائياً طازجاً على مستوى المنطقة العربية، يتربع على قمته أدب سجون نسوي.

كان أدب السجون سابقاً حصراً تقريباً على الرجال، عدا تجارب محدودة كما في المغرب (مليكة بوفقير) ومصر (نوال السعداوي) على سبيل المثال، لكن الربيع العربي يَعِدُ بولادة الكثير من أدب سجون النساء. بارك الله الأنظمة التي تجاوزت كل الخطوط والقيم والأعراف، حتى شاهد العالم المرأة العربية تُسحل وتُضرب وتُهان في الشوارع والميادين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3397 - الأحد 25 ديسمبر 2011م الموافق 30 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 2:02 ص

      اي نساء

      رد الزائرة رقم

    • زائر 17 | 1:04 ص

      معلمة مفصولة

      لم اعرف طريق السياسة ولم اتحدث بها قط ولا احبها
      ولم اشارك في مسيرات لانشغالي كأم ومعلمة ولكني كنت اايدها ويعجبني الحراك في ذاك الوقت..شاركت في الاضراب تضامنا مع الجميع..وتفاجأت بردة الفعل العنيفة والتحقيقات في الوزارة ومركز الشرطة ومجلس التأديب وصولا للفصل..
      اليوم صرت افهم جيداً في السياسة والقوانين
      صارت لدي خبرة في امور كثيرة.
      والاكثر من هذا صرت احب السياسةولهم يعود الفضل..وصارت لي قناعات مميزة ولو عاد الزمان لشاركت في كل مسيرة ولن اتراجع وساتمسك بمطالبنا في الديمقراطية والحرية والعدالة

    • زائر 12 | 12:29 ص

      ابشر

      ابشر يا قاسم القضايا كثيرة والانتهاكات جسيمة، ومن هذا الكم الكبير من الجرائم والمعاناة سيخرج كتب كثيرة وروايات وقصص تشيب لها الوالدان.

    • زائر 11 | 12:28 ص

      المرأة’ البحرينية

      أذهلتني شجاعتها ومواقفها وصمودها.
      تعرضت الى أبشع المعاملة على المستوى العالمي ناهيك عن الاسلامي والعربي بالتحديد.
      فلم في يحدث في أي مكان في العالم ان اهينت المرأة على المستوى التي تعرضت له المرأة البحرينية.

    • زائر 9 | 12:26 ص

      صج وينها المجالس الخاصة بالمرأة

      ما سمعنا تنديد ولا استنكار من الجمعيات والاتحادات الخاصة بالمرأة.

    • زائر 8 | 12:25 ص

      مال اول

      يا سيد بعض الناس مازال يطنطن بفبركات الاعلام الرسمي.حتى الآن مازالوا بيطنطنون بتعطيل الدراسة وتعطيل علاج المرضى. في اي عالم يعيش مثل الزائر رقم 4؟

    • زائر 7 | 12:10 ص

      شوية مصداقية

      المراه العربية في ال بيع العربي نالها الاذى وهي تعبر عن رايها بشكل سلمي فلم تحاول تعطيل الدراسه ولا تأخير علاج مريض

    • زائر 6 | 12:10 ص

      امثله حيه

      انهم اثبتوا على الهواء مباشرةً بأن كل ما كنا نقراْ عن الـتأريخ لم يكن افتراءاً . قالوا لا تعيدوا تأريخ كربلاء ... و لكن مع الأسف اثبتوا للعالم بان الدنيا لم يتغير عندهم .

    • زائر 3 | 11:32 م

      لقد غابت "شيم العرب" في التعامل الخاص مع المرأة في هذا الخريف العربي..

      المشاركة الواسعة للنساء كانت لها كلفةٌ عاليةٌ، مادياً ومعنوياً، فقد نالهن الأذى الجسدي وتعرّضن للقتل والجراحات والسحل في بعض الميادين، كما نالهن من الأذى المعنوي الشيء الكثير.

    • زائر 1 | 11:17 م

      كرامة المرأة تهان

      مهما كان جنس الانسان ذكر أو أنثى لا أحد يمتلك الحق في تجريده من كرامته أو إتهامه بالباطل الفادح أو الإعتداء على عرضه وماله. إن كانت الفتاوى الشرعيه تخرج في تحريم المطالبة بالحقوق فمبدعيها يعتبرون الناس أموات. مايصبرنا هو مايبكينا ومالا يثنينا عن عزائمنا. الحمدلله

اقرأ ايضاً