العدد 3403 - السبت 31 ديسمبر 2011م الموافق 06 صفر 1433هـ

جدلية امتدادات القرى

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

مشروعات امتدادات القرى التي تنفذها وزارة الإسكان في عدد من مناطق البحرين؛ جاءت بدعم من عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، للحفاظ على النسيج الاجتماعي للقرى، ونظراً إلى اشتراك هذه المناطق بمواصفات وروابط قلما توجد في مناطق أخرى.

ومحافظتا العاصمة والمحرق، خير دليل على تغير التركيبة الاجتماعية وتخلخلها، إذ توغلت العمالة الآسيوية وسط الأحياء السكنية فيها بعد أن حزم المواطنون حقائبهم باتجاه المدن الحديثة، كمدينة عيسى ومدينة حمد ومدينة زايد وغيرها من المشروعات الإسكانية البعيدة عن الأماكن التي ولدوا وتربوا وسط أزقتها، تاركين خلفهم عبقها الذي يشكل جزءاً من هويتهم الوطنية وانتمائهم الجذري المرتبط بها.

والحقيقة تقول إن غالبية البحرينيين من ذوي الدخل المحدود، اضطروا إلى التوسع في بيوت آبائهم والبقاء مع عدد كبير من الأفراد، على ألا يستسلموا إلى مرارة الإيجارات المرتفعة في ظل غياب قانون صريح ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ما يفسح المجال للتلاعب في الأسعار.

وعندما تمت الاستجابة لطلباتهم وتسلموا مفاتيح بيوتهم الجاهزة؛ اضطروا تحت إلحاح الحاجة وضيق المكان إلى مغادرة مناطقهم الأصلية، حاملين في نفوسهم ألم الحرمان من الجيران والأحباب وأصدقاء الطفولة.

وحتى الساعة، لايزال مشروع امتدادات القرى قائماً ضمن أجندة وزارة الإسكان، على رغم الخلاف الشهير الذي تسبب به في قرية النويدرات قبل سنوات، إذ كان رئيس مجلس بلدي الوسطى الراحل إبراهيم حسين، أول من تقدم بمقترح إنشائه لتلبية طلبات أهالي القرى الأربع (النويدرات، المعامير، العكر الشرقي والعكر الغربي)، وبعد إعادة توزيع الدوائر الانتخابية في العام 2006 وتقليص الدوائر الانتخابية البلدية إلى أربعين بدلاً من خمسين دائرة، انتقل النطاق الجغرافي للمشروع إلى الدائرة الثامنة بعد أن كان في الخامسة.

وفي العام 2008 تغير اسمه إلى «هورة سند» بدلاً من «النويدرات الإسكاني»، فيما أصيب الأهالي بالدهشة، وخصوصاً أنهم وافقوا على بيع أراضيهم لإنشاء المشروع على أن يستفيد منه أبناؤهم، إلا أن وزارة الإسكان في تلك الفترة غيرت توجهها فجأة، ما أثار لغطاً ومناقشات حادة بين عدد من النواب وأعضاء المجلس البلدي، فانقسموا إلى فريقين، الأول دافع عن حق القرى في استغلال المساحات المحيطة بها لإنشاء مشروعات إسكانية تحفظ هويتها وتركيبتها الاجتماعية، وتلبي الطلبات الإسكانية فيها بصرف النظر عن أقدمية الطلب أو حداثته، والثاني يرى أنه من الأجدر الانتهاء من القوائم القديمة التي تعود إلى العام 1992 و1993، حتى وإن كان أصحابها من مناطق متفرقة أو محافظات مختلفة، فالأهم بالنسبة إلى هذا الفريق هو الانتهاء من الأقدم فالأحدث تباعاً وليس العكس.

وبعد مفاوضات وشد وجذب، واعتصامات قادها كلا الجانبين، خلص رأي وزارة الإسكان إلى توزيع 45 بيتاً لخامسة الوسطى و45 بيتاً للثامنة، و140 بيتاً للطلبات العامة بحسب الأقدمية.

واليوم التاريخ يعيد نفسه مجدداً، وهذه المرة في قرية دار كليب، إذ يطالب أهالي داركليب وشهركان بتوزيع بيوت مشروعهم الإسكاني الذي أوشكت وزارة الإسكان على الانتهاء منه عليهم، باعتباره حقّاً من حقوقهم، مؤكدين أنهم لن يتنازلوا عنه، وخصوصاً أنه جاء ثمرة زيارة قاموا بها لعاهل البلاد في العام 2004، إذ أمر جلالته بمشروع إسكاني يستفيدون منه، ووجه وزير الأشغال والإسكان (آنذاك) فهمي الجودر، إلى زيارة القرية والاطلاع على احتياجاتها الخدمية.

وبمعزل عن الخلاف على بقاء مشروع امتدادات القرى أو إلغائه لعدم إنصافه أصحاب الطلبات القديمة، فإنه بات استحقاقاً لأهالي القرى انطلاقاً من تبني القيادة السياسية التي تمثل أعلى سلطة في البلاد، وأوامرها يجب أن تنفذ حرفيّاً، وعلى وزارة الإسكان أن توجد الحلول البديلة لتسريع وتيرة إنشاء المشروعات الإسكانية التي تكفل تلبية كل الطلبات في أماكن مختلطة بعيداً عن القرى، من خلال التعاون وفتح باب الشراكة مع القطاع الخاص، ذلك أن توزيع البيوت المخصصة كامتدادات للقرى على غير أهاليها سيخلق حالة من الغبن في نفوسهم، ولن يكون الساكنون الجدد على علاقة طيبة مع تلك القرى لشعورهم بأنهم غرباء فيها.

وبما أننا نعيش اليوم أساساً في وضع مؤسف جدّاً على المستوى الاجتماعي، ولدينا انقسام طائفي حاد إثر الأحداث التي مرت بها البحرين مطلع العام 2011، فإننا لسنا في وارد تحمل المزيد من الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بسبب التغيير الفجائي لطبيعة المشروعات الإسكانية والفئات المستحقة لها، فيما تنتظر منا الأجيال إصلاح الأمور ولمّ الشمل وترميم التصدعات حتى لا يجدوا أنفسهم مرغمين على تسديد ثمنها مستقبلاً

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3403 - السبت 31 ديسمبر 2011م الموافق 06 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:04 ص

      تسلم على المقال الرائع

      الله يعطي كل كل انساان حقه
      واتمنى كل انسان يعيش بنعمه بالبحرين
      واهل القرى لهم الحق بالمشروعات الاسكانيه
      تحياتي لكم ولد البسيتين

اقرأ ايضاً