العدد 3417 - السبت 14 يناير 2012م الموافق 20 صفر 1433هـ

الطعن في وطنية البشر... المفصولون مثالاً

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

قضايا المفصولين ومعاناتهم لاتزال تمثل جرحاً غائراً لم يطب بعد، فعلى رغم عودة البعض في القطاعين العام والخاص، فإن 1878 منهم لايزالون خارج مواقع العمل، ما يعني أن 14535 فردا بحرينيا يعانون بشدة من ظروف معيشية قاسية، ويلاقون صعوبات جمة في تسيير حياتهم اليومية بسلام، بسبب تعطل من يعولهم.

هؤلاء قبل أن يكونوا مواطنين هم بشر، يتمتعون بكل الحواس اللازمة التي تعينهم على التفاعل مع كل ما يدور حولهم، ولديهم مشاعر ونفسيات تؤدي بهم إلى الانفعال والتأثر والتأفف والتململ.

بمعنى أوضح هم ليسوا كراسي أو قطعا جامدة، بل هم أجساد من لحم ودم وعظام، لهم صفات مشتركة مع أصناف البشر المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، فإذا كنا لا نقبل كمسلمين بقطع رزق بوذي أو سيخ أو يهودي، فكيف نسمح بأن يكون بيننا أناس يتخفون تحت عباءة الدين ومن المفترض أن يتقوا الله حق تقاته، ويخافونه أكثر من أي فرد طبيعي آخر، أن يمسكوا الكيبورد ويهاجموا المفصولين، ويصفونهم بأبشع الأوصاف، ويتهمونهم بالخيانة والصفوية والعمالة، ويستهزئون بالدولة لإرجاع البعض منهم لأنها بنظرهم غير قادرة على تطبيق القانون؟

فهل تطبيق القانون لا يستوي إلا بقطع أرزاق الناس؟ وهل القانون يسمح لكل من هب ودب بأن يطعن الآخرين في شرفهم وكرامتهم ووطنيتهم بلا أي دليل أو برهان؟ وهل كل من شارك في اعتصام أو مسيرة للمطالبة بتحسين وضعه المعيشي والتعامل معه بعيداً عن أي تمييز أو محاباة يعتبر ساعياً لتنفيذ أجندات خارجية أو يتبع عمامة في هذا البلد أو ذاك؟

قبل أن نسمح بالتعدي على الناس بالهمز واللمز والسباب، علينا أن نتفق على قاعدة واضحة للوطنية، إذ اختلط هذا المفهوم على البعض فراح يؤطره بمقاييس يراها وحده أنها صحيحة وخالية من أية عيوب، بينما من ينظر إليها يجد فيها انحيازاً طائفياً لا ينطلي حتى على الأطفال، فكيف بمن بلغ بهم الرشد وزينهم الله بالعقل ومكنهم من التمييز؟

ما يجعل هذا الشعب يعاني بكل طوائفه من مرارة الانقسام، وجود بضعة أفراد نستطيع أن نعدَّهم على الأصابع، يتحكمون في مصير الخلق، ويزجون بهم في أتون صراع لا دخل لهم فيه.

والأكثر ألماً ومرارة أن مثل هؤلاء يتحركون بلا قيود، ويتفوهون بعبارات تقشعر لها الأبدان، ويعملون خفية وجهراً بكل جرأة، ولأنهم يرفعون شعار الوطنية وفي داخلهم حقد وغل وكراهية، فلا حاجز يصدهم ولا رادع يوقفهم عند خط محدد.

حقوق المواطنين في العمل والمسكن والعلاج والتعليم والعيش المشترك بأمان، لا يجب أبداً المساومة عليها، وليس من حق أحد أن ينتزعها منهم تحت أي ذريعة كانت، ففي فقدها هلاك ونزاع وتفتيت لوحدة الأمة وإضعاف لهيبتها وقوتها.

النفـَس السائد حالياً هو إلغاء الآخر ومسحه من الوجود، وعدم إفساح المجال أبداً للتحاور معه أو التفاهم على أرضية يتم من خلالها الانطلاق نحو مستقبل خال من المنغصات، بينما الاختلاف في جوهره من المفترض أن يقود إلى التطوير والبناء، لا إلى الخوف من فقد مواقع وفرص أوجدتها الأزمات.

لعل أحد مسببات بقاء الوضع الاجتماعي محصناً من الانفلات، هو وجود عقلاء يزنون الأمور بميزان المنطق والحكمة، وتغليب المصلحة العامة على أية اعتبارات فئوية، لذلك ما ان تشتعل فتنة في مكان إلا وأخمدت في مهدها بأيد بحرينية خالصة، ولنا فيما حصل في المحرق وداركليب ومدينة حمد والبديع وبني جمرة، دورس ومواعظ يجب أن تصل لكل من تدفعه نفسه المريضة لاستغلال الناس وزجهم في معارك وهمية منبعها طائفي.

وإن كان منا من يتفكر ويرجع ذاكرته إلى المواقف التاريخية الخالدة التي سطرها البحرينيون، فيفوت الفرصة على كل تحريض من شأنه إشعال الساحة، ففي المقابل أيضاً بيننا أطفال صغار وناشئة يأملون منا أن نورثهم تركة خفيفة، أساسها الحب والألفة والاحترام، لا حملا ثقيلا يقصم ظهورهم، وأفكارا ملوثة فاسدة تنطبع في مخيلتهم، فنموت ويبقون وحدهم يدفعون ثمن صراع أوجده الموتورون ومن يتغذون على جراحات وآلام الوطن لكي يصعد نجمهم ويعلو شأنهم.

وإن كنا نبتغي وطناً مستقراً يشعل قناديل الفرح، فعلينا ألا نسمح بنزع الابتسامة من وجوه أطفال حرمتهم الأحداث التي مرت بها البحرين من اللحاق بأقرانهم، فتعيش بيوت تحت وقع الظلام والجوع والألم، وتجاورها بيوت تشع بالخير والراحة والطمأنينة، فليس منا نحن البحرينيين من يهنأ له بال وجاره في ضيق وعوز، ولا يعرف كيف يوفر قوت عياله ويداه مكبلتان بلا عمل، وليس من العدل والإنصاف أن نجعل مصيرنا في يد قلة متمصلحة من بقاء الحال على ما هو عليه، يتحدثون باسمنا دون وجه حق لحث الدولة على حرمان الناس من أرزاقهم

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3417 - السبت 14 يناير 2012م الموافق 20 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:24 م

      وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون

      والادهى من ذلك تلك الفئة التي تدعي التدين ومعرفة الله
      اين ذهب ايمانكم امام المناصب التي استوليتم عليها
      هناك وزارات تم توظيف اقارب كل مدير بعد فصل المواطنين وكان البلد صارت كعكة يتقاسمها الانذال وعديمي الضمير

    • زائر 9 | 4:05 ص

      دعوة المظلوم مستجابه ..اتقوها ياظلام

      سابقى ادعو عليكِ يامن تسببت في قطع رزقي في الليل والنهار وسادعو على من يفرح بهذا وطبقه ورضا عنه ...اراني الله فيكم مايفرحني ويرضيني
      والله ليس غافل عماتعملون
      يمهل ولايهمل

      معلمة مازالت مفصولة,,,

    • زائر 7 | 1:29 ص

      يا منتقم

      الله ينتقم من الظلمه قطاعي الارزاق

    • زائر 6 | 1:28 ص

      لي الحق بان اعيش

      سلمت يداك اخي العزيز على ما جاد به قلمك \' لسنا الرب للتحكم بارزاق البشر ووحده سبحانه القادر على تقييمنا وتقييم \' اللهم احفظ بحريننا من كل شر ولست ارى في من يطالب بقطع أرزاق الناس سوى نفس مريضه الله يعينهم على نفسهم

    • زائر 5 | 1:05 ص

      العداله

      "ما يجعل هذا الشعب يعاني بكل طوائفه من مرارة الانقسام، وجود بضعة أفراد نستطيع أن نعدَّهم على الأصابع، يتحكمون في مصير الخلق، ويزجون بهم في أتون صراع لا دخل لهم فيه."

      بنطبق هذا على من يتظاهر دون وعي وتفكر. على الدوله أن تراعي هذه الناحيه ولا تظلم الناس وتعاقب من ثبتت عليه جرم.

    • زائر 4 | 12:37 ص

      هل هذا معقول

      بلد تسعى لوجود فقراء اكثر مما هو موجود ان وجد ذنب الى العائل (ضرب مثل) ما هو ذنب من يعولهم هل السلطة التفتت اليهم لتراى ما بهم من عوز وحاجة ونقص . في كل الديانات يجب ان يراعى مصالح اهالي الموقوفين والمسجونين . وبالاخص في الدين الاسلامي ولاكن لا نراى من يهتم بهم في بلدنا المسلم من قبل المعنيين بشئون البلاد ....

    • زائر 1 | 10:25 م

      الوطن يجمع الجميع

      بارك الله فيك......... ليس لاحد حق من قطع الرزق و يوم الحساب سوف يقفون لامحالة بين يدي الله و لهم في الدنيا الخزي و العار في القريب العاجل و الله يحفظ البحرين من كل سوء و يحفظ اهلها جميعا بدون استثناء

اقرأ ايضاً