العدد 3451 - الجمعة 17 فبراير 2012م الموافق 25 ربيع الاول 1433هـ

الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين. جملة قالها وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير، في حوارٍ أجرته معه الصحافية والكاتبة ميسون ملحم، ونشِرَ في موقع صوت ألمانيا (دويتشه فيله). الوزير الألماني قالها في سياق تعليقه على الأحداث التي جرَت وتجري في العالم العربي، وتجربة ألمانيا بعد الحرب الكونية الثانية في الانتقال إلى الحكم الديمقراطي.

ربما هذه الكلمة هي بديهية جدًا، لكنها لم تكن لتظهر بذلك السَّبك اللغوي. وهي قاعدة فكرية وسياسية وإجرائية منطقية جدًا. فالدعوة تحتاج إلى دعاة. والاقتصاد يحتاج إلى اقتصاديين. والرياضة تحتاج إلى رياضيين. وبانتفاء أحدهما لا يعود للآخر أيّ وجود حقيقي. أكثر ما يُخشى عليه في التغيير، هو بقاء الثقافة القديمة سائدة، ومتسيِّدة، الأمر الذي يفسد على التغيير جوهره ومغزاه ومراميه، وبالتالي ترتد الحالة إلى ما كانت عليه في المربع الأول.

في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، تحدثت رئيسة التلفزيون المصري نهال كمال عن أوضاع التلفزيون المصري، إبَّان وبعد الثورة. كمال أشارت إلى بعض موظفي التلفزيون، وكيف أن «هناك عقليات اعتادت أن تكون موجَّهَة وتابعة للنظام، وعندما نقول لهم فجأة إنكم أصبحتم أحرارًا فبعضهم لا يستطيع استيعاب الموقف»! هذا الأمر سيكولوجي بامتياز، بعضهم مرضى بأسقامه نتيجة رواسب سابقة من العمل، وبعضهم يمرضون به لاحقًاً.

إن التماثل والانسجام ما بين الديمقراطية وديمقراطييها أمرٌ معقّدٌ جدًا، لكنه عضوي وضروري في الوقت نفسه. وقد أظهرت التجارب، أن هذا التماثل بين العنوانيْن يمر بظروف مختلفة؛ فمرة تظهر الديمقراطية ولا يظهر مَنْ يُسيِّرها من الديمقراطيين. وقد يكون هناك ثوار، لكنهم ليسوا ديمقراطيين، وإنما رجعيين دكتاتوريين من الناحية العملية، وإن بُحَّ صوتهم بالشعارات الثورية والديمقراطية. وربما كان للنظام السياسي الذي أفرزته الثورة الجزائرية صورة من ذلك، عندما أصبح الجيش هو القائد الفعلي للدولة ومنتجها وليس الحالة المدنية.

وأحيانًا يظهر هناك ديمقراطيون، دون أن يكون هناك إطار ديمقراطي يعملون فيه. وقد يكون لذلك الظهور أسباب تتعلق بالتأثيرات الديمقراطية أو الثورية المجاورة جغرافيًا، أو في أحيان أخرى زيادة التواصل مع الخارج المنفتح كما جرى للعديد من الشخصيات الآسيوية، سواء في الهند أو الصين أو الكوريتيْن. نتذكر، أن الجنرال الإسباني إيتوربيد الذي أرسِل لمحاربة الفلاحين المكسيكيين، انضمّ إلى صفوفهم تحت تأثير المدّ الثوري العارم، وقام بإعلان استقلال المكسيك في العام 1821، رغم الجدل الذي دار لاحقًا حول عدم قيام النظام الجمهوري.

وفي أحيان أخرى، نرى أن الديمقراطية تنتج طبقات وليدة من السياسيين غير القادرين على التصرف بشكل ديمقراطي وبلا نمط حكم راديكالي، كما جرى بالنسبة للفترة اليعقوبية في فرنسا. فقد أعدمت الثورة الفرنسية سبعة عشر ألف إنسان في بحر عام، وبالَغَ بعض قيادييها في تصفية النظام القديم بشكل خاطئ، لكن التصويب الذي جرى لاحقًاً على بنية الدولة الفرنسية الثورية، قاد إلى حكم ديمقراطي رشيد، تأثرت بها عموم القارة الأوروبية.

لا يمكن بأيّ حال من الأحوال، التغاضي عن مسألة الممارسة الديمقراطية. فالديمقراطية هي بالأساس مرحلة متقدمة من التفكير، ولابد أن يسبقها تأهيل اجتماعي عمودي حتى يستطيع من يَلِجها أن يتعامل بشكل صحيح مع متطلباتها. إذ لا يمكن لشخص اعتاد على التفرُّد في اتخاذ القرار، وعلى التصفيات الفكرية والسياسية فضلاً عن الجسدية، أن يتحوَّل بين ليلةٍ وضحاها إلى شخص ديمقراطي، يقبل بأن يُحاكَم على السرقة، وعلى القتل.

هذا الموضوع لا ينطبق على مَنْ هم في الحكم فقط، بل حتى على السياسيين الذين يعارضون الأنظمة السياسية المستبدة. وقد منحتنا تجارب التاريخ أمثلة عديدة، على تحوُّل معارضين إلى حكام مُؤبَّدين عندما وصلوا إلى السلطة، التي هي في جوهرها مفسدة إذا ما تم التعامل معها على أنها غنيمة سياسية، تم الاستيلاء عليها بعد سنين من القتال والتضحيات، وما يعقب ذلك من تضخم في ذوات السياسيين إلى ما هو أبعد من النسبية. والحكيم من يعرف القيمة النسبية للأشياء مثلما قال القس الإنجليزي وليم رالف إنغ.

باعتقادي، أن التجربة السياسية العربية اليوم، هي أمام اختبار حقيقي فيما يتعلق بمسألة الحكم. نحن لا نتحدث عن السلطة الكلاسيكية وفشلها، وإنما نتحدث عن السياسيين الطليعيين الذين بدأت ثورة الاتصالات التسونامية فرضهم على واقع اجتماعي وسياسي لم يكن لأحد قِبَلاً لأن يجاريه، أو يُمانعه. هذا التحدي قائم بالأساس على عدم اجترار أخطاء الحكم القديم في التأبيد والممارسة السياسية والاقتصادية ذات الحرية المحدودة.

إن انتظام السياسيين في المجتمعات المدنية ضمن أنساق حزبية، قادرٌ على إيجاد قوالب سياسية أكثر تنظيماً، إلاَّ أن ذلك ليس كافيًا أبدًا؛ إذ إن تلك الأحزاب، قد تتحوَّل إلى أنظمة حكم صغيرة قائمة بذاتها تمارس ذات السلوكيات التي يمارسها الحكم المستبد، أو إلى بيوتات سياسية لا تستبدل زعاماتها مثلما هو جارٍ في لبنان اليوم داخل ثمانية عشر طائفة.

وبالتالي، فإن الحاجة الحقيقية تمتد إلى ما هو أبعد من التنظيم الحزبي، وهو ما أسمِّيه «التلمذة الديمقراطية» التي يكون فيها السياسي في حكومة الظل، أو المعارضة إلى مجرد ناقل أفكار ومطبق قرارات تنفيذية بالتضامن الحزبي الجماعي المتنوع، وليس إلى مولِّد أفكار، ومطبق قرارات بشكل أحادي، والأهم إلى نموذج من التنازل الدوري عن أيّ قيمة أو مرتبة حزبية قد يستحصلها طيلة مشواره التنظيمي، وإلاَّ فلا جدوى من تلك الأنساق، ليحصد الجميع تاليًا ذات المشكلات السياسية، التي من أجلها بدؤوا حراكهم السياسي المعارض

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3451 - الجمعة 17 فبراير 2012م الموافق 25 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:10 ص

      يا سلام عليك

      كلامك درسسس يدرس

      يتحوَّل بين ليلةٍ وضحاها إلى شخص ديمقراطي، يقبل بأن يُحاكَم على السرقة، وعلى القتل.

      هذا الموضوع لا ينطبق على مَنْ هم في الحكم فقط، بل حتى على السياسيين الذين يعارضون الأنظمة السياسية المستبدة.

    • زائر 2 | 12:10 ص

      يبو عبدالله شير علينا من وين نستوردهم

      من الهند لو السند لو من الصين ارخص الدمقراطيه تحتاج لدمقراطيين صح هل تعتقد ان مفهوم الدمقراطيه مبهم ومجهول عند مجتمع 99.9%من شعبه يعرف يقراء ويكتب ويعرف ما عليه وما اليه من حقوق دروس الديمقراطيه يبوعبدالله تحتاج لها شعوب ليس شعب واعي كشعب البحرين في التسعينات وبخ احد المدرسين طالب في الصف الرابع لانه كتب برلمان على السبوره وسائله ماهو البرلمان وقف الطالب والقى محاضره على استاذه لمده عشر دقائق يقول الاستاذ لعنت الساعه اللي سئلته فيها وهذا لم يتجاوز العاشره من العمر فما تعريف الديمقراطين؟؟ديهي حر

    • زائر 1 | 11:23 م

      شكرا

      مقال مهم وثري بالتحليل المتزن
      شكرا لكم على هذه المقالات المتميزة

اقرأ ايضاً