العدد 3467 - الأحد 04 مارس 2012م الموافق 11 ربيع الثاني 1433هـ

إشكالان لتحديد سعر السلعة في العقد المستقبلي

تطرقت إلى الآلية اللازمة لتحديد القيمة العادلة لقيمة الأصول موضوع العقود المستقبلية.

لمتابعة المثال المذكور في المقال السابق، نجد أننا أمام إشكالين لتحديد سعر السلعة في العقد المستقبلي. الإشكال الأول هو أن السلعة أو الأصل يكون أساساً موجوداً مع البائع حين إبرام العقد مع المشتري؛ لكن المشتري لا يريد تسلم السلعة إلا مستقبلاً. هذا يعني، أن يقوم البائع بالاعتناء بالسلعة في مخازنه، إذا كانت غير مالية، ويتحمَّل تكاليف وأعباء ذلك كافة بما فيها كلفة الفرصة البديلة، حتى انقضاء مدَّة العقد ويقوم بتسليمها إلى المشتري.

في هذا السياق، نجد أن المشتري قد استفاد كثيراً من هذه الصفقة التي بموجبها حصل على السلعة في الوقت المعلوم الذي يريده وبالطريقة المعلومة وبحالتها المطلوبة، كل ذلك توافر له نتيجة لجهد البائع المبذول لذلك وعليه؛ فإن البائع يصبح مستحقاً لمكافأة تكون نسبتها متضمنة في قيمة السلعة حين إبرام العقد، هذه المكافأة، تسمَّى معدَّل الفائدة، فأين ربا الأضعاف المضاعفة المقتضي للحرمة في هذه الصفقة؟

الإشكال الآخر هو أن السلعة لا تكون موجودة مع البائع في تاريخ إبرام العقد، والبائع في تاريخ الاستحقاق يقوم بشرائها من السوق وتسليمها للمشتري. الإشكال يكمن في كون هذه العملية غير مقبولة عند بعض الفقهاء لأنهم يشترطون أن تكون السلعة مع البائع في تاريخ إبرام العقد، أحد أسباب الرفض هو اعتبار الغرر وأنه لا يمكنك أن تتعاقد على بيع لا تملكه في حينه.

في اعتقادي، أنه لا يوجد تعريف دقيق وعملي للغرر لكن المتداول أنه عدم العلم أو التأكد بما ستؤول إليه مقتضيات العقد. بهذا التعريف، تكون كل معاملاتنا في أصغر تفاصيل حياتنا محرَّمة لأنها غرر، عندما نشتري الفاكهة لا نعرف ما إذا كانت سليمة من الداخل أم لا، نقود السيارة لا ندري إذا كانت رحلتنا تشتمل على مخاطر أم لا، ندفع ثمن التذكرة لشركة الطيران لتقلنا الطائرة لوجهتنا بطيب خاطر غير مدركين لما سيؤول إليه مصيرنا على هذه الطائرة، وغيرها الكثير، فهل كل هذه المعاملات محرمة بدعوى الغرر؟

يوسف القرضاوي يقول، إنه ليس كل الغرر محرم بلحاظ الأمثلة المذكورة أعلاه بل الغرر الذي يؤدي إلى النزاع وخصومة وأكل أموال الناس بالباطل. إذاً، إذا تمت العقود المستقبلية بكل تراض وبدون نزاع، تصبح هذه العقود مشرعنة من زاوية الغرر؟

العامل الآخر الذي يذكره الفقهاء هو الجهالة، وتعني أن يتكسب طرف في العقد على حساب جهل أو عدم علم الطرف الآخر بكل الحيثيات أو مخاطر العقد. هذا في نظري سبب غير ناهض لتحريم المشتقات على أساسه لأن الأطراف المصدرة والمتداولة لهذه العقود هي مؤسسات مالية مدركة وواعية لهذه العقود، مدعومة برأي خبراء قانونيين لديهم تطلعهم إلى مكامن الخطر والربح والخسارة. وعليه نستنتج أن الغرر والجهالة ومعدَّل الفائدة أسباب غير مقنعة لتحريم المشتقات... (يتبع)

جعفر العمران

العدد 3467 - الأحد 04 مارس 2012م الموافق 11 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً