العدد 1452 - الأحد 27 أغسطس 2006م الموافق 02 شعبان 1427هـ

الحمقى وحدهم يحتقرون تجارب الآخرين

بعد الرد الإيراني على رزمة الحوافز الأوروبية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كسبت طهران تحيين الموعد المضروب لتقديم ردها على مشروع الحوافز الأوروبي الذي تقدمت به الدول 5 + 1 في السادس من يونيو/ حزيران الماضي كي تُوقف عمليات تخصيب اليوارنيوم، وعلى رغم أن فحوى الرد الإيراني لايزال غير معلوم بشكل مُفصّل فإن ما رَشَحَ عنه لحد الآن هو أنه ردٌ مَرِن لكنه لا يمتثل للقرار 1696 الذي يدعو طهران إلى وقف عمليات التخصيب، فالرد الذي جاء في اثنتين وعشرين صفحة تضمّن استعراضاً شاملاً لمراحل التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة النووية والترويكا الأوروبية منذ العام 2003 ولغاية الآن، وإشارة مُركّزة إلى النقاط الايجابية التي أوردتها رزمة المقترحات مثل حق إيران في استخدام التقنية النووية المُقرّرة بالماء الخفيف، واعتبار ذلك محوراً مهماً للتفاوض، كما أن الرد الإيراني احتوى على مجموعة أسئلة عن النقاط الغامضة التي جاء بها العرض الأوروبي، داعياً إلى ضرورة الإجابة عليها، مع التأكيد على استعداد طهران التام للتفاوض من أجل إزالة نقاط الغموض واستئناف المفاوضات، واستعدادها أيضاً لإتاحة مزيد من الفرص لدخول خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، وتوقيع اتفاقات مناسبة في هذا الشأن بحسب تعبير ما سُرّب لغاية الآن عن الجانب الروسي، بالإضافة إلى موضوع الترتيبات الأمنية في المنطقة.

وفي قراءة أولية لما تعنيه تلك الإشارات يُمكن القول إن الإيرانيين وكما كان متوقعاً قبل الثاني والعشرين من أغسطس/ آب الجاري لم يرفضوا العرض، لكنهم لم يقبلوه كما هو، كما فعلوا سابقاً مع المقترح الروسي، كما أن منسوب الرد جاء بالحد الذي يخلط الأوراق من جديد ويترك الباب مفتوحاً أمام تباينات حقيقية بين الدول المعنية مع احتفاظ طهران بمسألة مواصلة تخصيب اليورانيوم وإن بنسبة خمسة في المئة وهي النسبة التي تُؤمّن لها استفادة سلمية للطاقة لأغراض التشغيل الكهربائي. الولايات المتحدة الأميركية هددت باكراً بفرض عقوبات على إيران ما لم تستجب لمطالب الدول الكبرى، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، قال إن الرد الذي قدمته إيران على العرض الغربي، طويل ويتطلب تحليلاً مفصلاً وحذراً، وإن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من المحادثات بهدف تحسين بعض التعبيرات والمعاني التي تتطرق إليها هذه الوثيقة، وإنه سيبقى على اتصال مفتوح مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني. أما الألمان فقد وصفوه بأن غير مُرضٍ ولا يثير ارتياحاً، في حين قال الروس إنهم سيواصلون العمل لبحث سبل التعاون السياسي مع إيران بشأن برنامجها النووي، وإنه من المهم أن ندرك المغزى ونبحث عن العوامل البناءة. أما الصينيون فقالوا إنهم يدرسون الرد الإيراني وفق ما يمليه عليهم الضمير ومبادئ الأخلاق، وإنهم يُعارضون فرض عقوبات على إيران من منطلق إيمانهم بعدم جدوى هذا الخيار لحل المشكلة بشكل تام، إلاّ أن اللافت أكثر هو تصريحات وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي دعا إلى ضرورة تفادي التصعيد الذي قد يؤدي إلى صراع حضارات مع إيران والعالم الإسلامي!

على أية حال فإن الرد الإيراني يُعطي مؤشرات عدة أهمها أن طهران تُريد المُضي أكثر في اتباع سياسة البقاء على الطاولة إلى أقصى مُدة ممكنة بينها وبين الغرب، وبالتالي تمييع الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي يُلوّح بها الساسة الأميركيون عبر مجلس الأمن ضد إيران، رغبة منهم (أي الإيرانيين) في ربط هذا الملف المُعقّد بملفات إقليمية شاقّة تكون مفاتيحها لدى طهران، ثم أيضاً محاولة التلاعب بسقف المطالبات والعروض المُقدّمة، مع حرصهم على تحيين مفاوضاتهم بأزمنة مدروسة سلفاً للوقوف على المجسّات الإقليمية والدولية، وهو ما يظهر من الموعد الأخير الذي أصرّت عليه طهران لكسب موعدي اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال شهر سبتمبر/ ايلول المقبل، والمتعلق بتدوين سياسات الأجهزة التابعة للوكالة وموعد تقديم تقرير البرادعي بشأن الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، والثاني لمجلس الحكام الذي سيعقد في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل، وذلك بعد انتخاب الأعضاء الجدد في الاجتماع السنوي .

وعلى رغم أن الإيرانيين قد سمعوا تحذيرات، وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشئون الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي، للمصارف التي تدير حسابات مالية لكوريا الشمالية أو إيران من أنها ستواجه مصير المصارف السويسرية التي ارتبط اسمها بألمانيا النازية، فإنهم يسمعون أيضاً تصريحات بوش ورايس بشأن العراق وعن حجم التورّط الأميركي هناك، والذي بلغ منتهاه في الأشهر الستة الماضية، وبالتالي فإن الحاجة الأميركية إلى إيران لتسوية ما في هذا البلد الملتهب مازالت مفتوحة.

الولايات المتحدة تشعر جيداً بأن الوقت لم يحن بعد لفتح ملف المواجهة الحقيقية مع طهران، على رغم الإلحاح الصهيوني على ضرورة إنهاء الخطر النووي الإيراني الذي يُهددها، لكن الحقيقة الأكيدة التي يفهمها الأميركيون جيداً هي فداحة الخسائر التي قد يتكبدونها نتيجة تلك المواجهة، والتي توقّع لها بريجينيسكي أن تطول لأكثر من ثلاثين سنة، إضافة إلى ذلك فإن العجز المعلوماتي والاستخباراتي في مسيرة المواجهة مع إيران لايزال يفرض نفسه وبقوة، وهو ما بيّنه التقرير الذي قدمته لجنة الاستخبارات في الكونغرس والتي دعت فيه إلى تعزيز القدرات الاستخباراتية بشأن إيران وملء الفراغات في المعلومات بشأن إمكاناتها العسكرية وطموحاتها النووية لمواجهة التهديد الاستراتيجي الذي تمثله، وسط نفوذ إيراني متنام في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية بحسب ما جاء في التقرير، وخصوصاً بعد حوادث العدوان الصهيوني على لبنان، إلى الحد الذي يتصل فيه وزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي إلى وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي للاطمئنان على مدى التزام حزب الله بوقف إطلاق النار! مع الإشارة هنا إلى أن خيار الضربة العسكرية لايزال قائماً، وقد يزداد بتزايد حضور المحافظين الجدد في النظام السياسي الأميركي وفي إدارات الشركات الكبرى والذين يرون في برامج إيران النووي بأنه لا يقل فداحة عما أحدثته اعتداءات 11 سبتمبر على حد قول جون بولتون، بل إن وثيقة الأمن القومي الأميركي أشارت إلى ما يُفهم أن واشنطن مستعدة لشن حرب أخرى إذا لزم الأمر على رغم تورطها في العراق، وبالتالي فإن الأمر قد لا يبدو سهلاً إلى الحد الذي تتصرف فيه طهران بعيداً عن مسار الحوادث، وخصوصاً إذا تبيّن أن ميزان المصالح بين روسيا والغرب قد دخل مرحلة جديدة، فالروس وعلى رغم أنهم يُحاولون ما أمكن إيجاد توازن استراتيجي بينهم وبين الولايات المتحدة الأميركية في منطقة القوقاز والشرق الأوسط بدعمهم دولاً كإيران وسورية وفي الشرق الأدنى كوريا الشمالية، فإنهم أيضاً قد يُقدّمون تنازلات للغرب إذا ما قُدّمت لهم عطاءات أمنية واقتصادية مهمّة كانوا قد وُعِدوا بها منذ حكومة بوريس يلتسين، وبالتالي فإن الإيرانيين قد يقبلون لاحقاً بوقف عمليات تخصيب اليوارنيوم وإن بشكل محدود إذا ما أدركوا أن الروس قد ينقلبون عليهم في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات اقتصادية في مجال النفط والغاز اللذين يُعتبران أبرز الصادرات الإيرانية بالإضافة إلى منتجات حزامها المنجمي بنسبة 86 في المئة من إجمالي صادرات إيران

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1452 - الأحد 27 أغسطس 2006م الموافق 02 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً