العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ

الربيع العربي يصبح جزءاً من الذاكرة المرئية للعالم

يعيش العالم العربي ثوراته، والتي لا نراها في الشوارع فقط ولكن أيضاً في الأفلام والصحف والأغاني؛ إذ يتم استخدام الوسائل الممكنة لتوثيق الأحداث، وكشف ويلات الحرب، واستشراف الإمكانات النضالية الكامنة في الربيع العربي، في وقت يواجه فيه رياح التحديات المتعددة التي تقف أمام مساعي التغيير الديمقراطي بعد الثورات.

خلال الأيام المخصصة للربيع العربي خلال الدورة 62 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، أعرب السينمائيون العرب عن مشاعرهم المختلطة بين الأمل والخوف، والتحدي والعزيمة، والقدرة على الاستمرار. وفي خضم مقاومة القمع والنضال من أجل التغيير، قام العديد من المخرجين بتوثيق موجة التحول التي تجتاح الدول العربية وتؤدي إلى خلق ثقافة جماعية جديدة للمقاومة.

ويشعر الكثيرون بأن هذه العملية الفنية إنما تترجم سعياً شخصياً وسياسياً للتوفيق بين التوترات القائمة بين الإسلام، والإيمان، والحرية، والديمقراطية. لكن التوافق في الآراء بين العاملين في وسائل الإعلام يدور حول مقولة يوليوس قيصر الشهيرة - عندما كان يقود جيوشه عبر نهر روبيكون شمال إيطاليا - «لقد سبق السيف العذل».

هذا، ولقد ربط صناع السينما في سورية بين إنتاج الصور والديمقراطية؛ إذ ترجمت الصور مذابح المدنيين اليومية، وتمكنت من تخطي عيون الرقابة في دولة تمزقها الصراعات.

ووفقاً للمحلل السينمائي علاء كركوتي، فسورية لا تملك صناعة سينما وطنية وتجارية، فأفلام هوليوود والأفلام المصرية هي وحدها المتاحة للجمهور؛ ما أدى إلى الغياب التام للثقافة السينمائية.

وليس هذا من قبيل الصدفة، فمعظم الأنظمة الاستبدادية تزدهر عبر فرض قيود شديدة على المخيلة الجماعية للسكان، بما يحد من قدرتها على استحضار بدائل لروتين القمع اليومي.

وبدورها، اكتشفت المنتجة والناشطة السينمائية، هالة العبدالله - أثناء العمل على فيلمها الوثائقي «فضيحة الكاريكاتير» وهي قصة تتناول حرية التعبير التي تتحايل على الرقابة - قانوناً يحظر استخدام «صوراً خالية من التعليق»؛ ما يسلط الضوء على الوجه الغادر للقمع.

وفي حين دأبت القوات الحكومية على السيطرة على كل شيء بما في ذلك الإنتاج الفني، اجتمعت المقاومة والإبداع في الساحات أو المواقع العامة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليفتتحا معاً مساحات عامة جديدة للتضامن الإجتماعي، والتغلب على المخاوف الجماعية، والتعبير عن أمل وشعور جديد بالانتماء.

والآن يتزايد شعور الفرد أكثر من أي وقت مضي بأنه مواطن في بلده، وسط عملية إحياء ثقافي يشمل الرقص في الشوارع وتحويل الأغاني الشعبية القديمة إلى أناشيد ثورية.

وتقول العبدالله، إن الناس نزلت إلى الشوارع للمطالبة بالحرية، فحتى في بلد (مكمم الشفاه) مثل سورية نسمعهم يرددون هتافات تؤكد أن الشعب السوري هو شعب واحد، وكذلك نرى تجسيداً للحرية في الشعر، مشيرة بهذا إلى العلاقة القوية بين التمرد، والثقافة والانخراط الفعلي.

أما محمد علي الأتاسي، وهو منتج ثقافي يعيش في المنفى، فيقول لوكالة إنتر بريس سيرفس إنه تحول إلى صناعة الأفلام كضرورة نفسية «وذلك عندما أدركت أنني لم أعد قادراً على التعبير عن مشاعري إلا من خلال الإمساك بالكاميرا». ويشمل فيلم الأتاسي «حلول خلاقة»، لقطات متعددة من داخل البلاد باستخدام المقابلات على الإنترنت وسكايب.

هذا، وكما تنتشر الثورة والنضال من أجل التغيير في مختلف أنحاء العالم العربي، تبدأ «صناعة الأفلام المستندة إلى شهود العيان» في الظهور كنوع جديد من الفن الذي يتيحه «يوتيوب»، والذي يعتبر شكلاً جديداً من أشكال المعارضة مستوحاة من أفلام «المؤلفين».

والآن نجد أن جيل الشباب، الذي يتميز بالفطنة وبراعة استخدام الهاتف الخلوي، قد أصبحوا حراساً للعالم المرئي، ويقومون بأرشفة اللقطات التي لا يمكن حجبها عن الناس الثائرين ضد سلطة الدولة.

تقول نورا يونس، وهي صحافية إلكترونية تبلغ 34 عاماً من العمر، وناشطة حقوقية ومؤسسة شركة المصري اليوم للوسائط الإعلامية المتعددة وأول تلفزيون على شبكة الإنترنت في القاهرة والعالم العربي، أن الإبلاغ عما يحدث هو استراتيجية للبقاء على قيد الحياة.

وتضيف «لقد نزلنا إلى الشارع وفقدنا أصدقاء، والبعض فقدوا أعينهم أو أيديهم؛ فأدركنا أن هذا لم يعد مجرد شيء نقوم به ولكنه أصبح نمطاً لحياتنا، فهو خيارنا ضد الظلم الآن وإلى الأبد».

وعلى رغم ذلك، شعرت يونس بضرورة أن تطلب من الصحافيين الشباب المدربين حديثاً على استخدام الفيديو أن «يخرجوا من أماكنهم ويتركوا كاميراتهم لتدور وتسجل كل ما يحدث». وفيما يعتبر أصعب مهمة حتى الآن، كان على الشباب العشريني النزول إلى الشوارع و»التعلم بالممارسة» عملية الإبلاغ عن الثورة بكل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك.

فقد قتل أحمد عبدالفتاح، وهو صحافي فيديو شاب، عندما أصابته رصاصة في عينه وهو يصور عملية قتل المتظاهرين على كوبري قصر النيل خلال التعتيم الرسمي على الإنترنت أثناء ثورة القاهرة التي دامت 18 يوماً في يناير/كانون الثاني الماضي.

وبعد ذلك، تم تجميع اللقطات الدرامية التي صورها ستة صحافيين شباب، بالإضافة إلى عبدالفتاح، في فيلم وثائقي بعنوان «الإبلاغ ... عن ثورة»، وهو الفيديو الذي يعتبر نموذجاً قوياً لأفلام شهود العيان.

وتقول نورا يونس: «أنا مصورة فيديو، وعيناي هي أغلى ما أملك... لكننا لن نتوقف أبداً مهما فعلوا، فهذا واجبنا، وهو ما نجيده ... وسنستمر في القيام به».

وتواجه يونس، التي تعيش التناقضات الضمنية في «صحافة النضال»، صراعاً يومياً بشأن أخلاقيات الصحافة، والموضوعية الصحافية، والخطوط الفاصلة بين توثيق الثورة والفيلم الوثائقي الثوري والتي أصبحت غير واضحة بالمرة.

ونرى حالياً كثيراً من التصرفات المتسمة بالتحدي من جانب النساء، والتي تعبر بشكل متزايد عن استعدادهن لإبداء الرأي دون الخوف من أية عواقب.

من جانبها، تعبر المصرية الألمانية فيولا شفيق، مخرجة الأفلام الوثائقية، من برلين عما يحدث من تغيير وجهات النظر في العالم العربي بقولها إن الصورة العارية تدل على حالة جديدة من انعدام الخوف، وهذا يعطيني الأمل لأن حادثاً من هذا النوع لم يكن ممكناً قبل الثورة».

وتحذر فيولا من أن فتح الحدود الثقافية يمكن أن يؤدي إلى حقبة يصبح فيها الفن أكثر عدوانية؛ ما قد يولد ردود فعل عنيفة محتملة، مثل سلطة النظام في تصنيف المنتجين الثقافية على أنهم «خونة» أو «كفار».

وهكذا نرى المزيد من النساء يواجهن الكاميرا دون خوف. ففي أول فيلم وثائقي لحنان عبدالله «ظل رجل»، يتم تناول القضايا المثيرة للجدل التي طال السكوت عنها مثل الزواج، والحرية، ومعنى والآثار المترتبة على الاستقلال المالي، والتقاليد، ومايمكن قبوله وما يتوجب رفضه.

ووفاء (69 عاماً) هي بطلة الفيلم الوثائقي التي ولدت في شوارع القاهرة الخلفية. وتتذكر فحص العذرية «الشرف» الذي إضطرت لتقديمه ليلة زفافها. ولا تشعر وفاء بأية هواجس أو ندم على طلاقها، على رغم أنها لم تعد قادرة على استعادة شعورها باحترام الرجال.

هذا، وبينما تتصاعد وتيرة العنف في مختلف أنحاء العالم العربي، مع تسليط الضوء بشكل كبير على سورية والبحرين، يشير الروائي والشاعر الجزائري، وعضو لجنة التحكيم بمهرجان برلين السينمائي، بوعلام صنصال، إلى أن الجزائر قد تخطت بطريقة أو بأخرى عملية النقد على رغم أن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة «يخنق الشعب الجزائري معنوياً وثقافياً، وهو فعل يضاهي الإبادة الثقافية».

العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً