العدد 3479 - الجمعة 16 مارس 2012م الموافق 23 ربيع الثاني 1433هـ

الجواب الشافي للنهوض بالمواطن الحافي

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تذهب الأسطورة إلى أنه كان بأرض «سكاوندجين» عند مدينة «داهر» مكان كثير الصيد ينتابه الصيادون، وكان في ذلك المكان شجرة كثيرة الأغصان فيها وكر غراب، فبينما هو ذات يوم ساقط في وكره إذ بصياد قبيح المنظر سيئ الخلق يدل قبح منظره على سوء مخبره، على كتفه شبكة وفي يده عصا جاء مقبلاً نحو الشجرة فذعر منه الغراب وقال: «لأثبت في مكاني وأرى ما يصنع!»، ثم إن الصياد نصب شبكته ونثر عليها الحَب وكمن قريباً منها، فلم يلبث إلا قليلاً حتى مرت به حمامة يقال لها «المُطوقة» وكانت سيدة الحمام ومعها حمام كثير فعميت هي وصاحباتها عن الشرك فوقعن على الحَب يلتقطنه فعلقن في الشبكة جميعاً وأقبل الصياد فرحاً مسروراً فجعلت كل حمامة تتلجلج في حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها، فقالت المطوقة: «لا تتخاذلن في المعالجة ولا تكن نفس إحداكن أهم إليها من نفس صاحبتها ولكن نتعاون جميعاً ونطير كطائر واحد فينجو بعضنا ببعض»، فجمعن أنفسهن ووثبن وثبة واحدة فقلعن الشبكة جميعهن بتعاونهن وعلون في الجو.

أسطورة جميلة ونموذج متميز لقوة ووضوح (الرؤية) ونجاح المجتمعات، فالحمامة المطوقة قادت جماعتها وشحذت همم الأتباع للخروج من الأزمة!

ولعل قصة كليلة ودمنة تختصر لنا أزمة التنمية في الدولة العربية والسؤال الجوهري هنا: لماذا تتقدم أغلب دول العالم بينما الدولة العربية في حالة تيهان وبلا بوصلة؟

أقول: الوطن العربي كبير وغني بموارده المادية والبشرية لكنه للأسف يدار بعقلية فقيرة. فنحن نملك التريليونات وحقول النفط وجبال الذهب وآبار الغاز والأراضي الزراعية الشاسعة ونملك الماء العذب الزلال (النيل ودجلة والفرات) ونملك عقول الأبناء التي تشهد لها جامعات أميركا والغرب بالعبقرية والتميز. بل إن الوطن العربي يعتبر أحد أكبر مناطق العالم خصوبة سكانياً فعدد السكان يصل إلى (300) مليون وخلال 20 سنة مقبلة سيصل عدد العرب إلى (425) مليون نسمة!

العبرة هنا ليست في عدد السكان. فعدد الإسرائيليين أربعة ملايين لكن الذين قاموا بمواجهتها وإذلالها هم أطفال الحجارة في غزة ومجموعة من الفلاحين في جنوب لبنان! والعالِم أحمد زويل ما كان لينال جائزة «نوبل» لو بقي في مصر وهي التي يعيش فيها سبعون مليون نسمة وتمثل العمق الاستراتيجي للوطن العربي.

إن مسيرة التنمية لدى الدولة العربية بلا رؤية (vision) واضحة. لذا تتكرس يوماً بعد يوم حالة الجوع والظلم والجريمة والبطالة والفقر والمرض والجهل وصفقات الأسلحة المشبوهة - ألمانيا واليابان صعدتا إلى القمة وهما لا تملكان أي سلاح - ويتقلص أيضاً هامش الحرية فيقوم الإعلام الموجه في وطننا العربي بلعب دور ضارب مدفعي محترف يستخدم سطوة نيرانه لتفريق الناس واللعب على الاختلافات وإشغالهم بقضايا ثانوية لمنعهم من رؤية السيناريو بالكامل. بل المدهش أن تقارير المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (أليسكو) تفيد أن هناك (65) مليون أمي عربي أغلبهم من النساء بمعنى أن كل عام لدينا مليون إنسان أمي وأمية زيادة عن العام الذي قبله! أليس من المخجل أن نبتعد نحن أمة اقرأ عن تيار العلم والمعرفة الذي قدح زناده الأنبياء؟

والعبرة أيضاً ليست في امتلاك الموارد الطبيعية فاليابان دولة لا تملك موارد طبيعية وكذلك الحال لسنغافورة وماليزيا بل إن اليابان تعتبر أول دولة تُضرب بالسلاح النووي لكنها نهضت بقوة. وقد اختطفونا شباباً وعبأوا رؤوسنا بثقافة الهزيمة والنكبة والنكسة! فالمعادلة لا تقوم على الموارد الطبيعية ولا على عدد السكان ولا على مساحة الأرض فهذه المعادلة قديمة وقد ضُرب بها عرض الحائط. فهناك دول قل سكانها وتقدمت مثل سنغافورة برؤية (لي كوان يو) وهناك دول زاد سكانها وتأخرت. وهناك دول قلت مواردها وتقدمت كماليزيا برؤية (مهاتير محمد) وهناك دول زادت مواردها ولكن مواردها مهدرة مثل دول الخليج العربي وبها فئات فقيرة معدمة تعيش حياة المسغبة. وهناك دول قلت مساحتها وتقدمت مثل سويسرا وهناك دول زادت مساحتها وتأخرت... إلخ.

الرؤية تجمع الناس حول حلم مشترك فهي أداة تنسيقية وشريان يضخ الحيوية في حركة الشعوب وتجعل المستقبل أكثر وضوحاً وهي لب الصحة السياسية وهي مفيدة للحاكم قبل المحكوم. ولعل رؤية (2020) التي أطلقها مهاتير محمد في ماليزيا واضحة حتى لسائق التاكسي الماليزي؛ ورؤية غاندي في الاستقلال كانت (مانيفيستو) لكل الفلاحين في الهند؛ ورؤية جون كيندي العام 1960 التي قالها: «إنني أعتقد أن هذه الأمة يجب أن تلزم نفسها بتحقيق هدف - قبل انتهاء هذا العقد - بإنزال رجل على القمر وإعادته سالماً إلى الأرض». هذه الرؤية كانت بمثابة قوة حافزة ليس فقط لبرنامج الفضاء والمهنيين والعلماء بل إن أحد الصحافيين زار وكالة ناسا وسأل عامل النظافة في مقر الوكالة ماذا تفعل هنا؟ فقال عامل النظافة: «أنا أساعد في إرسال أول رجل فضاء إلى القمر».

أرغب في التذكير هنا بأن إستراتيجية (الحمامة المطوقة) ورؤيتها قد أجّجت المشاعر وكانت منبعاً للطاقة أذكت إرادة الجموع للخلاص من شبكة الصياد المستعمر القديم المعاصر، وألهمتنا أيضاً أن الرؤية بطبيعتها مسألة انفعالية فهي مثل الحب له قوة غير عادية في اجتياز الصعاب، أليس كذلك يا صديقي؟

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 3479 - الجمعة 16 مارس 2012م الموافق 23 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:32 ص

      عوفيت أيها الكاتب الفاضل

      اقتباس:
      ((لماذا تتقدم أغلب دول العالم بينما الدولة العربية في حالة تيهان وبلا بوصلة؟))

      الجواب معروف و جليّ!!

      و لكنّ وسطنا العزيزة لا تسمح بنشره.

    • زائر 1 | 3:15 ص

      كافي .. كافي .. كافي ...

      يعطيك الصحّة و العوافي ... يا منصور الشهم الوافي ... ترى حسّك الوطني الدافي ... من مقالاتك مُهب خافي ... بسّ يكفي إنشاءات و قوافي ... و أكتب عن الهامور و الصافي .... ترى سعره بالعلالي "طافي"!!

اقرأ ايضاً