العدد 3487 - السبت 24 مارس 2012م الموافق 02 جمادى الأولى 1433هـ

للمرأة بصمات واضحة في قيادة التغيير نحو الحقوق المتساوية (2)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

لقد رأيت للتوّ صديقتي الطيبة، الرئيسة جاهجاغا من كوسوفو. انها رئيسة صغيرة السن، لكن حياتها هي شهادة عما يمكن أن تفعله النساء لتعزيز السلام والأمن. كانت لاتزال طالبة عندما بدأت الحرب. لقد شاهدت الكثير من المعاناة. كانت ترغب في تقديم المساعدة. لذلك بعد انتهائها من الدراسة، أصبحت ضابطة شرطة، وعملت بشكل وثيق مع القوات الدولية لأجل صياغة سلام هش. لقد تقدمت ضمن تلك المؤسسة وأصبحت قائدة لقوات الشرطة الجديدة في كوسوفو. ومن ثم في العام الماضي، أصبحت أول امرأة تُنتخب كرئيسة في أي مكان في البلقان (تصفيق). ولقد عملت لجمع بلدها لأجل تعزيز سيادة القانون، والمصالحة بن الأقوام، والاستقرار الإقليمي، وأثناء كل ذلك كانت تدافع عن حقوق وفرص النساء والفتيات.

يمكنكم أن تنظروا حول العالم اليوم ورؤية الفرق الذي تحققه القيادات النسائية. ديلما روسيف في البرازيل، والرئيسة السابقة لتشيلي ميشال باشليه، التي تقود الآن نساء الأمم المتحدة. إنهن يحملن عبئاً هائلاً لأجلنا لأن ذلك العبء ثقيل بالنسبة لأي قائد، ذكراً كان أم أنثى. لكنني لا أخشى الوقوع في التناقض عندما أقول إن ذلك أصعب بالنسبة للقيادات النسائية. هناك العديد من التوقعات، والصور النمطية والكاريكاتورية الجاهزة التي مازالت مترسخة بعمق في النفوس والثقافات.

عندما جلست بمفردي لتناول العشاء مع آونغ سان سو كي، شعرت فعلاً كما لو أنني أقابل صديقة قديمة، على رغم أنها كانت المرة الأولى التي سنحت لنا فرصة رؤية بعضنا البعض شخصياً. بالطبع، أُعجبت بها من بعيد وقدرت شجاعتها. لقد ذهبت إلى البيت الذي سُجنت فيه ظلماً. تحدثنا خلال العشاء عن النضال الوطني، لكننا تحدثنا أيضاً عن النضال الشخصي. كيف يمكن للمرء الذي عومل بهذه الصورة غير العادلة التغلب على الشعور الشخصي بالغضب، والسنوات التي خسرها، والعائلات التي لم يعد يشاهدها، لكي يكون قائداً يوحّد الناس ويجمعهم؟ لقد حدد نيلسون مانديلا هذا المعيار السامي، وقال لي أحياناً كثيرة كيف أن الاحتجاز في السجن أجبره على التغلب على الغضب الذي كان يشعر به وهو شاب، لأنه عرف عندما خرج من باب ذلك السجن، بأنه لو بقي غاضباً، لو بقي ممتلئاً بالحقد، لبقي في السجن.

والآن، آونغ سان سو كي، ومثل نيلسون مانديلا، لَمَا كان اسمها سيذكر في التاريخ لو لم تتخذ قرار الدخول في السياسة، كما فعل هو أيضاًً. إذاً، هي الآن، على ما أعتقد، في السابعة والستين، تسافر في سيارة مكشوفة في حرارة الريف، تقابل حشوداً من عشرات الألوف، بل مئات الألوف، تمتص الآمال التي يضعونها فيها. هي تعرف أنها عندما تدخل عالم السياسة، ومع أنها في نهاية المطاف هي الطريقة لإجراء التغيير الذي يدوم، تنتقل من كونها رمزاً إلى سياسية. أنا أعرف هذه الطريق. وأنا أعرف كم من الصعب أن يكون الإنسان قادراً على موازنة مُثله العليا، وتطلعاته، مع الأخذ والعطاء لأي عملية سياسية في أي مكان في العالم.

الآن، بإمكاننا سرد القصص طوال الليل، وبإمكاننا التحدث عن النساء اللواتي كنَّ مصدر إلهام لنا. لكن ما يُلهمني ليس فقط من هنّ، بل ما الذي تفعلنه. إنهن يشمّرن عن سواعدهن ويشرعن في العمل. ولهذا الأمر تداعياته بالنسبة لبلدنا، وأمننا القومي، لأن أهم أهدافنا - بدءاً بإرساء السلام ومقاومة التطرف إلى توسيع رقعة الازدهار وتقدم الديمقراطية - تتوقف إلى حدٍ كبير على مساهمة ومشاركة النساء.

الدول التي تستثمر في توظيف النساء والصحة والتعليم مرشحة أكثر لأن تكون لها نتائج أفضل. وأطفالها سيتمتعون بصحة وبمستوى تعليم أعلى. لقد شاهدنا، في كل أرجاء العالم، ما الذي تفعله النساء عندما تنخرطن في المساعدة على تحقيق السلام. إذاً هذا ليس فقط الشيء الصحيح الذي يتبقى علينا القيام به لمساندة النساء ودعمهن وتشجيع مشاركتهن، بل هو ضرورة إستراتيجية مُلحّة.

لهذا السبب جعلت من تمكين النساء، في وزارة الخارجية، حجر الزاوية للسياسة الخارجية الأميركية. لقد أعطيت التعليمات إلى دبلوماسيينا وإلى خبراء التنمية للمشاركة مع النساء، لإيجاد السبل لإشراكهن وللبناء على قوتهن الفريدة، ومساعدة النساء في تأسيس مشاريع أعمال، ومساعدة الفتيات للالتحاق بالمدارس، والدفع لإشراك النساء الناشطات في محادثات السلام وفي الانتخابات. وهذا يعني أيضاً مواجهة التمييز، والتهميش، والاغتصاب كتكتيك حربي. لقد شاهدت الإساءات المروعة وما الذي تفعله في حياة النساء، وأعرف أنه لا يمكننا أن نستريح قبل وضع حد لذلك.

في ديسمبر/ كانون الأول، أطلقنا خطة العمل القومية الأميركية بشأن النساء والسلام والأمن، التي تشكل خريطة طريقنا في كيفية تسريع وإضفاء الطابع المؤسساتي على جهودنا عبر مجمل حكومة الولايات المتحدة من أجل دفع المشاركة النسائية قدماً. إننا نواجه فعلاً بعض المشاكل الصعبة. إننا نحاول بناء القدرات المحلية. إننا نقدم المنح لتدريب النساء الناشطات والصحافيات في كينيا على أنظمة الإنذار المبكر بالنسبة للعنف. إننا ندعم المركز الجديد لمعالجة الصدمات لدى ضحايا الاغتصاب في السودان. إننا نساعد النساء في جمهورية إفريقيا الوسطى للوصول إلى الخدمات القانونية والاقتصادية. إننا نحسّن جمع الأدلة الطبية لمقاضاة العنف القائم على الجنس في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وما هذا سوى البداية، لأنه من حول العالم، من العراق إلى أفغانستان والسودان، إلى الديمقراطيات الانتقالية الجديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نتوقع من سفاراتنا وضع استراتيجيات محلية لتمكين النساء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

لكننا نراقب بدقة ما يجري. نشعر بقلق بالنسبة للثورات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إنها تحمل الكثير من الأمل، لكنها تحمل أيضاً مخاطر حقيقية، خاصة بالنسبة للنساء. لقد شاهدنا النساء في الخطوط الأمامية للثورات، وعلى الأخص في ميدان التحرير بالقاهرة. لقد شاركن في المسيرات، وفي التدوين وفي «تويتر»، وعرَّضن حياتهن للخطر إلى جانب أبنائهن وأشقائهن - كل ذلك باسم الكرامة والفرص. لكن بعد الثورة، وجدن في أحيان كثيرة أن محاولاتهن للمشاركة في ديمقراطياتهن الجديدة قد أعيقت. سررنا لأن رئيسة المحكمة العليا الأميركية روث بادر غينسبرغ ذهبت إلى مصر وتونس في رحلة برعاية وزارة الخارجية. وأثناء وجودها هناك، قالت إن بنات الشرق الأوسط «يجب أن تكنّ قادرات على الطموح والإنجاز استناداً إلى الموهبة التي وهبها الله لهن ولا أن تعاق من خلال أية قوانين يسنها الرجال» .

قبل مجرد أسابيع معدودة، خلال اجتماع في مبنى البلدية في تونس، وقفت امرأة شابة ترتدي الحجاب وتحدثت عن تجربتها في العمل بالشراكة مع السفارة الأميركية في برنامج نسميه الجسر إلى الديمقراطية. قالت إن الناس الذين تلتقي بهم كثيراً ما يتفاجأون عندما يرون امرأة شابة تضع الحجاب وتعمل، تعمل مع الأميركيين، وأننا نقوم بالعمل معها. قالت إن هذه التصورات المسبقة أصبحت تتلاشى تدريجياًً، وإن عدداً متزايداً من الناس يتوقون إلى العثور على شركاء جدد للمساعدة في بناء ديمقراطيتهم الجديدة. قلت لها إنه في أميركا، وفي تونس، وفي أي مكان في العالم، يجب أن يكون للنساء الحق في اتخاذ خياراتهن الخاصة بالنسبة لما يرتدون، وكيف يعبدون، والوظائف التي يقومون بها، والقضايا التي يدعمونها. هناك خيارات على النساء اتخاذها لنفسها، وهذا اختبار أساسي للديمقراطية.

الآن، نعرف أن النساء الشابات في تونس ونظرائهن في المنطقة يواجهن منذ الآن المتطرفين الذين سيحاولون تجريدهن من حقوقهن، كبح مساهمتهن، والحد من قدرتهن على اتخاذ القرارات بأنفسهن. أما لماذا يركز المتطرفون دائماً على النساء، فيبقى هذا لغزاً بالنسبة لي. لكنهم جميعاً على ما يظهر متشابهون. لا يهم البلد الذي يتواجدون فيه أو الديانة التي ينتمون إليها. إنهم يريدون السيطرة على النساء. إنهم يريدون الرقابة على ما نرتدي، والرقابة على ما نفعل، والرقابة على ما نقرره بشأن صحتنا وأجسادنا. نعم، من الصعب التصديق أنه هنا في بلدنا، علينا أن نقف للدفاع عن حقوق المرأة، ورفض الجهود الرامية إلى تهميش أي منا، لأن أميركا بحاجة لتقديم المثال للعالم أجمع.

ويبدو من الواضح لي أنه لأجل تحقيق ذلك، علينا أن نعيش قيمنا الخاصة، وعلينا أن ندافع عن قيمنا الخاصة. إننا بحاجة لاحترام بعضنا البعض، وتمكين مواطنينا، وإيجاد أرضية مشتركة.

إننا نعيش بما أسميه عصر المشاركة. فقد مكنّت التغيرات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية الناس في كل مكان من صياغة مصائرهم الخاصة بطرق لم تكن لتتصورها الأجيال السابقة أبداً. جميع هؤلاء النساء - هؤلاء النساء في العالم - قد أثبتوا أن الأفراد الملتزمين، وغالباً مع مساعدة، مساعدة من أصدقائهم، يمكنهم أن يحدثوا فرقاً في حياتهم الخاصة، وأبعد من ذلك بكثير.

لذلك اسمحوا لي بهذا الامتياز العظيم لإنهاء هذا المؤتمر من خلال تحدي كل واحدة منكنّ. كل واحدة منا يجب أن تكون جزءاً من الحل. كل واحدة منا يجب أن تكون «امرأة في العالم». يجب أن نتحلى بالشجاعة مثل النساء اللواتي صفقتم لقصصهن، وبالالتزام مثل المنشقات والناشطات اللواتي سمعتم منهن، وبالجرأة مثل اللواتي أطلقن حركات سلام عندما كان يبدو أن كل الآمال قد ضاعت. وسوية، أعتقد أن هذا جزءٌ من رسالة أميركا للتأكد من أن الناس في كل مكان، نساءً ورجالاً على حدّ سواء، تتوفر لهم في نهاية المطاف فرصة العيش حسب الإمكانات التي وهبهم الله إياها. لذلك دعونا نسير قدماً ونجعل ذلك يتحقق. (انتهى)

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3487 - السبت 24 مارس 2012م الموافق 02 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:58 ص

      اقرأئي التاريخ

      كما هو الحال معكم , انتم لاتعرفون تاريخ الشعوب وتعتقدون دائما بأن الشعوب ليس لهم تاريخ مثلكم تماما . يا سيدة كلينتون المرأة العربيه ادا حركت يدها فان الصعاب تنحني والتاريخ يرفع قبعته احتراما لها . ما عليك الا ان تشاهدي المرأة البحرينيه العضيمه كيف تصنع تاريخ بلدها رغم كل عبوات الغازات اللأمريكيه السامه .

اقرأ ايضاً