العدد 1462 - الأربعاء 06 سبتمبر 2006م الموافق 12 شعبان 1427هـ

القبول به «رجعية»... ورفضه قمة «الحداثة»...

التصويت الإلكتروني: «ترف» سياسي... يزيد من افتراضات سوء «النية»

لمفردة «الإلكتروني» رونقها الخاص المفعم بالإغراء التقني والعصري. «الإلكتروني» هو بالضرورة نقيض ذلك «التقليدي»، «اليدوي»، و«البدائي». فهل يبان الإنسان تقليدياً رجعياً صرفاً حين يقرأ، يفهم، يستوعب، أو حتى يتوقع أن «الإلكتروني» - بكل معانيه السابقة - خطوة للوراء، قد يكون ذلك صحيحاً نسبياً. لكن، يبقى طبعاً أفق آخر يسمح بشيء من الجدل والتحاور والمخالفة لكل الأشياء التي تغري في الظاهر.

الإطلالة الحكومية الأخيرة بمشروع التصويت الإلكتروني الذي هبط من السماء «فجأة»، تأتي ضمن سياق تلك النتائج الطبيعية وفق الانعدام اللاطبيعي والمعتاد للتواصل السياسي بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي البحريني، تعودنا على التفكير الفردي وعلى القرارات التي تأتي «فجأة»، فلا جديد في الأمر، حتى نعتبر «الإلكتروني» في حد ذاته حدثا «جديداً» علينا، فالجديد الذي نعلم أنه قد يأتي ما هو أكثر منه جدة وغرابة أصبح فاقداً لأهم ما فيه من قيمة قد تضاف إليه أيضاً «فجأة»!

ببساطة ما الجديد... في واقع سياسي لا منظم... فيه كل الاحتمالات والتوقعات واردة.

من جهة أخرى، لابد أن نقر بحقيقة تاريخية، مفادها أننا أسوأ من يستثمر التقنية على المعمورة، لم يعد «الإلكتروني» يمثل وزنه القيمي لدينا، والمعنى من هذا الزعم الذي أطلقه على القارئ هو أن «الإلكتروني» لم يعد بالضرورة ذلك المناقض للتقليدية والبدائية.

في نماذج الشرق المهووس بالرجعية أصبح «الإلكتروني» ببساطة هو مجرد تسهيل لما يجري على أرض الواقع من علات وتراجع. كنا نتباهى بالشتيمة في الشارع فأصبحنا نمارسها إلكترونياً، فأنتجنا «شتيمة إلكترونية».

وهكذا تستمر الحلقة فإن كنا لا نمارس الشفافية في المعلوماتية من جهة، وفي العملية الانتخابية من جهة أخرى فإنه من الضرورة أن نستكمل هذه الخروقات إلكترونياً، بمعنى أننا إذ نقرأ مفردة «الإلكتروني» فإننا لا نحاول سوى أن نتصور «التصويت الإلكتروني» في الانتخابات القادمة كأداة إلكترونية نمارس من خلالها المزيد والمزيد من التكتم المعلوماتي «إلكترونيا»، أداة نمارس من خلالها أيضا المزيد من الخروقات للشفافية، فيكون خرقنا للشفافية هذه المرة متطوراً، أي «إلكترونيا». وعليه كانت فرضية أن الإنسان البحريني حين يرى «الإلكتروني». خطوة للوراء فهو ليس بالضرورة إنساناً «رجعياً» أو «تقليدياً» بل لعله أكثر الناس «حداثة».

هجرة الآلة... لا النظرية...

طبعاً كان الخطاب التخويني من مقدمتنا «شبحياً» مبالغاً فيه، والحكومة عبرت في أكثر من موقع أنها تحاول صناعة تاريخ جديد للتجربة الديمقراطية في البحرين، بأن نكون أول من ينعم بالإلكترونية في الانتخابات، وجميع ما صدر من الحكومة في حقيقته «جميل» ولا غبار عليه، لكن الذي غاب عنها تحديداً هو أن الشارع لا يخاف من «الإلكتروني» بوصفه «آلة» قدر خوفه/شكه/ عدمية الثقة لديه من «النظرية».

الخوف من النظرية هو الخوف، امتداداً للخوف من تعكير ما قد يلف الانتخابات القادمة، أتحدث هنا عما تحدثت عنه جل خطابات المعارضة، وتحديداً عن «الرقابة» و«المشاركة في الإعداد» للانتخابات القادمة. إذا أرادت الحكومة أن تحقق للبحرين فرصة البدء بالتصويت الإلكتروني فعليها أولاً أن تحقق كل الشروط التي طلبتها الجمعيات السياسية المعلقة، حينها تنتهي أزمة الثقة، وتنتهي كل المعوقات أمام التصويت الإلكتروني.

حينها فقط، يكون التصويت الإلكتروني أكثر من هجرة «آلة»، عندها يكون هجرة لآلة مدعومة بالنظرية، والنظرية هي التجارب الغربية المفعمة بروح الديمقراطية والحرية والمشاركة والثقة، من الوضع التأسيسي لابد من مراعاة أن شتى الأوراق العلمية نحو التصويت الإلكتروني صيغت وفق مبدأ ثقة معتمدة لا جدال فيها البتة. وهذه النقطة المحورية لابد من معالجتها بدقة وهدوء وبشراكة حقيقية لا تخضع لقرارات الطرف الواحد.

التجارب الدولية في التصويت الإلكتروني تجارب لها خصوصيتها التي لابد من مراعاة عدة عوامل ساهمت في وصولها للمستوى الذي هي فيه اليوم، إذ لا يمكن أن نحاول إسقاط التجربة البحرينية على التجارب هناك في ظل وجود فارق زمني رهيب، هذا الفارق الزمني لا يتضح من خلال التوقيت الزماني فقط، بل هو ممتد ومتشعب جداً في التجربة الديمقراطية من أبعاد أكثر تأصيلاً وتاريخية.

التجارب الغربية في البدء لم تتجه نحو إقرار خدمة التصويت الإلكتروني إلا بعد أن حققت مستويات عليا من الشفافية في المعلوماتية، وهذا البعد هو أكثر ما نعاني منه في البحرين، فنحن نعيش في ظل فقر معلوماتي لا مبرر له.

المجتمعات الديمقراطية يستطيع أي فرد منها أن يطلع على ما يريد من بيانات ومعلومات تخص مجتمعه، لكننا هنا نعيش حالاً تبعث على الشك، تُنمي الشك، تصنع الشك حول «الإنسان» الذي يتحكم بالمعلومات المحتجزة وعن أغراضه وأهدافه من هذا الإغلاق المعلوماتي. لم تذهب الدول الغربية لإقرار هذا النموذج إلا بعد أن تقدمت على هذا «الشك» بمراحل طويلة، إلا أن الشك وانعدام الثقة هو أكثر ما يسيطر علينا اليوم في تجربتنا الوليدة، وهذا الحجز المعلوماتي هو أكثر خطواتنا اتساعاً للوراء.

التصويت الإلكتروني... يتطلب بيئة «السواء السياسي»

لا يمكن اعتماد التصويت الإلكتروني في بيئة سياسية تتصف بالاضطراب، فالتصويت الإلكتروني هو في المطلق السياسي تعبير عن حال استرخاء سياسي ليس إلا، تعبير عن حال من الترف السياسي، من التشبع الحقيقي بشتى العوامل التي تصب في جعل وتصيير المجتمع لحال مهيأة من الانتقال لـ «الإلكتروني».

وهنا، لابد من مراعاة فارق مهم، وهو أن النماذج الاجتماعية الغربية لا تعيش أزمة ثقة في الجوانب الفنية فيما يتعلق بنيل استحقاقاتها الوطنية، فالرقابة والإدارة والإشراف على الانتخابات عملية محسومة بالمشاركة الوطنية لشتى الأطراف، وهذا ما يجعل الأمر لدينا في التجربة البحرينية أكثر تعقيداً، فالبحرين لا تعيش حالاً من السواء السياسي فيما يخص الانتخابات وإدارتها ومراقبتها، فكيف لنا أن ننتقل لخيار التصويت الإلكتروني من دون أن تتم حلحلة أزمة الثقة من باب أولى.

سنستعرض على سبيل المثال خطاب جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، والذي يصب - بغض النظر عن محتوياته - في الدلالة على أننا لا نتمتع ببيئة سياسية سوية، بل اننا نعيش حالاً من التشكيك وإنعدام الثقة وصولاً إلى التخوين أحياناً، هذه الحال تضرب عميقا في تفسير مجمل ردود الفعل القاسية على المشروع، والتي صدرت عن الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية ذات البعد التاريخي في التاريخ السياسي البحريني.

ولأن الثقة أولاً وأخيراً كانت «متواضعة»، كان مشروع «التصويت الإلكتروني» كذلك ضمن المفردات الجديدة التي أُضيفت لأجندة انعدام الثقة السياسية من قبل الجمعيات السياسية المعارضة تجاه الحكومة، وهذا السياق لابد من ملاحظة بإمعان في خطاب جمعية «الوفاق» بشأن التصويت الإلكتروني.

«الوفاق»... خطاب النقض والتشكيك...

طالبت الجمعية الجهات الرسمية المعنية بإدارة العملية الانتخابية النيابية والبلدية القادمتين بـ «تفعيل مبدأ الشراكة بشكل حقيقي وواقعي في هذه الانتخابات». وشددت الجمعية التي تقود الجمعيات المعارضة على خطورة «استخدام التصويت الإلكتروني في ظل انعدام الثقة بين الأطراف المعنية ورفض المؤسسة الرسمية التخلي عن مهمات إدارة الانتخابات لجهة مستقلة»، هذه المطالبات كانت ليست حكراً على الوفاق فقط، بل شاركتها في ذلك الكثير من الجمعيات الأخرى سواء داخل التحالف الرباعي المعارض أو خارجه.

خليل المرزوق الممسك بملف التصويت الإلكتروني في جمعية «الوفاق» وصف ما «صدر عن مسئول بالجهاز المركزي للمعلومات بشأن معارضة عدد من الجمعيات لاستخدام التصويت الإلكتروني ووصفهم «بالحفنة» من اجل التقليل من شأنهم واستصغارهم» بأنه «غير لائق». مفردة «حفنة» بدلالاتها الموسعة تجعل من «السواء السياسي» مجرد سفسطة سياسية، فالأمور بين المؤسسات المتحكمة في المعلوماتية في البلاد والصحف والجمعيات السياسية لا تجري على ما يرام البتة.

إساءة الاستخدام... هذا كل شيء

وكان المرزوق قد ألمح إلى أن الشركات المختصة بتشغيل الخدمات تعمل في حدود «مجالات محددة من العمل ما يعني أنه في حال التعاقد معها على تدقيق الجاهزية التقنية فقط، فهم غير ملتزمين بالتدقيق في الإشكالات التشغيلية أو إساءة الاستخدام، فكيف ستطمئن حينئذ المؤسسة الرسمية المرشحين والناخبين إلى إشراك الشركات العالمية بحيادية ما لم يتعرفوا على تفاصيل ومجال تكليف التدقيق هذا؟»!.

شدد المرزوق أيضاً على ضرورة «الفصل الإداري بين جهات التشغيل والرقابة على الانتخابات». ووصف العملية الانتخابية الإلكترونية بالـ «المجازفة الكبرى التي لن يقبل بها المرشحون ولا الناخبون، فكل المؤسسات التي تستخدم الانترنت في عملياتها تمر بمراحل معقدة من تطبيق للمعايير والفحوص والضوابط لمتابعة ما بعد العملية، في حين أننا نتحدث عن عملية تجري ليوم واحد فقط وهو يوم التصويت».

في المحصلة كان خطاب الجمعيات السياسية يصب في عدم القبول ولأكثر من سبب إدراج التصويت الإلكتروني في الانتخابات القادمة، ومنتهى المحصلة أن التجربة البحرينية تحتاج إلى مزيد من العمل والمزيد من التواصل الذي يؤدي إهماله لما نحن عليه من جدل سياسي بشأن أكثر من قضية.

الاختراقات الفنية ليست مزحة

تشير أهم الدراسات للتصويت الإلكتروني في الدول الغربية إلى أنه «في نظم التصويت الإلكتروني يستطيع أي أحد يمتلك أحقية برمجة الجهاز أن يستغل خاصية الدخول للإضافة أو الحذف»، هذا بحسب دراسة علمية ذهبت إلى بعض المخالفات التي قد تتم في التصويت الإلكتروني.

بمعنى، أن مبرمجي الخدمة يستطيعون مهما كان الأمر معقداً أن يصلوا إلى البيانات الداخلية التي قام الجهاز بجمعها وتحليلها، وأن يعملوا على زيادتها أو اختزالها لا فرق.

تذهب الدراسة أيضاً إلى أن «العداد الإلكتروني» يتسلم أصواتاً مجهولة بالنسبة إليه، فالعداد الذي يقوم بعملية الإحصاء وتوزيع الأصوات إلكترونيا لا يمتلك خاصية تقييم نوعية الأصوات ما إذا كانت بالأساس قانونية أم لا.

وتضيف دراسة أخرى أنه لا يمكن لأحد أن يكتشف عملية التزوير هذه إلا من خلال آلية واحدة، وهي التأكد من أن عدد الأصوات الموزعة مساوٍ لعدد المسجلين مبدئياً. وتذهب الدراسة نفسها إلى نقض هذه الفرضية بقولها «في الحقيقة لا يمكن التأكد من أن الأصوات الموزعة في العداد الإلكتروني مرة أخرى، بمعنى أن العملية «رقمية» لا «نوعية»، فالمدير الذي يمتلك الأحقية في الدخول على البرنامج الإحصائي يستطيع أن يتلاعب نوعياً بتوزيعات الأصوات لكنه لا يستطيع إضافة أصوات جديدة للمجموع العام»، وهذا ما يجعل من تقنيات التعرف على الناخب بالصوت والصورة غير مجدية، فقد يتعرف الجهاز على الناخب ويقبل تصويته من جهة، وأن يتم تزوير صوته عبر توجيهه لمرشح آخر من جهة أخرى.

الاتصال «مقطوع»... للمنع أو فسحة للتزوير

من جانب آخر قد تضيف الدراسات أن المشرفين على التصويت الإلكتروني يستطيعون إيقاف التصويت في أية لحظة تكون فيها النتائج لمصلحة مرشح ما، وذلك عبر الادعاء بأن شبكة الاتصال مقطوعة بسبب خلل فني، أو عبر تعطيلها - عمداً - في أية لحظة يختارها المشرفون أنفسهم. أضف إلى ذلك، انه لا يمكن التأكد أبداً من عدد الذين سجلوا في العداد الإلكتروني قبل التصويت، فيستطيع المتحكمون بالأجهزة الاتصالية ألا يقبلوا حفظ أي تصويت من دون أن يكون هذا الصوت الذي كان صوته بلا قيمة ذا تأثير على النتيجة. مثلاً: يستطيع الجهاز المشرف على الانتخابات الإلكترونية أن يقبل أصوات 1800 ناخب من أصل 1900 ناخب، بمعنى أن يقبل تصويت المئة ناخب في الظاهر على ألا يحتسبها في التسجيل، وبهذا يكون عدد الناخبين 1800 وعدد الأصوات المفروزة إلكترونيا 1800 من دون تزوير ما خلا المئة شخص الذين ذهبت أصواتهم في الهواء.

قد يعتقد البعض أن إحصاء الأعداد المشاركة في التصويت الإلكتروني عملية سهلة، وهذا صحيح بالنسبة إلى منطقة محدودة كقرية ريفية لا يزيد سكانها عن المئتين، لكنها عملية معقدة حين يكون العدد بالآلاف وعبر أكثر من مركز انتخابي وفي يوم واحد. أخيراً: أن تسقط بطاقة اقتراع على الأرض فهذه عملية سهلة، إلا أن إسقاط 100 صوت إلكتروني عملية أسهل، وكذلك إضافة 200، الأمر في الحقيقة لا يتطلب أكثر من ضغطة زر.

المراجع:

- Multiple Administrators for Electronic Voting` For Brandon William DuRette May 19، 1999

- SG, e-Voting Security Study, Issue 1.2, X/8833/4600/6/21، August 20

العدد 1462 - الأربعاء 06 سبتمبر 2006م الموافق 12 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً