العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ

الحقب اللغوية في حضارة دلمون

ذكرنا في فصل سابق أن اللهجة البحرانية هي أول لهجة عربية حضرية تكوّنت على أرض البحرين؛ وعليه تكون هذه اللهجة هي الوريثة الشرعية للغات الحضرية السامية التي سادت في البحرين منذ فجر الحضارة، وهي بالتالي تعتبر مرآة لتلك اللغات التي كانت سائدة. وتشير الدراسات المتخصصة في علم اللغة لوجود تأثيرات أكدية وآرامية ظاهرة في اللهجة البحرانية (مطر 1976، ص 75) و(Holes 2002 and Holes 2006)؛ ما يدل على سيادة تلك اللغات السامية في حقب تاريخية معيّنة من تاريخ البحرين؛ إلا أن الخريطة اللغوية للمجتمع البحريني القديم؛ أو ما يعرف بحضارة دلمون، مزالت غامضة؛ ما دعا بعض الباحثين، ومنهم جيوفري بيبي، إلى التساؤل عمّا إذا كان المجتمع الدلموني أمياً لا يعرف القراءة والكتابة؛ أم أن الدلمونيين قد كتبوا على مواد قابلة للفناء (السندي 1994م). ولذلك كانت أي خريطة لغوية يتم وضعها لتحديد الحقب اللغوية لمجتمع دلمون تعتبر مجرد نظريات قابلة لأن تكون صحيحة أو خاطئة. فإذا ما أردنا وضع خريطة لغوية للمجتمع البحريني بدءاً من حضارة دلمون حتى وقتنا الراهن فإنه يتوجب علينا تقسيم الحقب اللغوية ضمن تلك الخريطة إلى قسمين رئيسين: قسم يضم حقباً لغوية تعتبر نظريات قابلة للنقاش وقسم آخر يضم حقباً لغوية مسلماً بها في ضوء الحقائق العلمية الراهنة وهي حقب تبدأ من قرابة القرن الثالث قبل الميلاد، ويمكننا إجمال الحقب اللغوية كالآتي:

- حقبة اللغة السومرية (2200 ق. م - 2000 ق. م)

- حقبة اللغة السومرية - الأكدية (2000 ق. م - 1600 ق. م)

- حقبة اللغة الأكدية (1600 ق. م - 539 ق. م)

- حقبة اللغة الآرامية (539 ق. م - 300 ق. م)

- حقبة اللغة العربية الشمالية المتأثرة باللغة الآرامية واللغة العربية الجنوبية (300 ق. م - 200 م).

- حقبة اللغة العربية الشمالية - المتأثرة بالآرامية (200 م - 500 م)

- حقبة اللغة العربية الشمالية وبداية طور تكون اللهجة البحرانية.

يلي ذلك طور بلورة وتطوّر اللهجة البحرانية الذي يمتد حتى يومنا هذا، ويتخلله فترة ظهور لهجة العرب وتطورها منذ نهاية القرن السابع عشر تقريباً حتى الآن. وننوه هنا إلى أننا قد تناولنا التسلسل التاريخي لحضارة دلمون التي نشأت على أرض البحرين في سلسلة سابقة هي «ثقافة الطين»، ويمكن الرجوع إلى تلك السلسلة لمعرفة التسلسل الزمني بصورة مفصّلة مع المراجع، أما في هذا الفصل فسنتناول تسلسل الحقب اللغوية ونذكر بصورة مختصرة تسلسل الحقب التاريخية.

حقبة اللغة السومرية (2200 ق. م - 2000 ق. م)

عند الحديث عن دلمون أو «ثقافة دلمون» التي نشأت على أرض جزر البحرين وتطورت عليها والتي تحمل هوية حضارية خاصة بها، فإن المقصود بذلك الحقبة الزمنية الممتدة ما بين 2200 ق. م - 1600 ق. م، وهي الحقبة التي عرفت باسم «حقبة باربار» أو «ثقافة باربار» وهي التي اسماها هوجلاند «State of Dilmun» أي «دولة دلمون».

ويقسم هوجلاند حقبة «دولة دلمون» إلى ثلاث فترات وذلك في دراسته التي نشرها في العام 1989م وترجمة عنوانها «تكوين دولة دلمون والقبائل الأمورية» « The Formation of the Dilmun State and the Amorite Tribes». تلك الحقب هي حقبة تأسيس دلمون (2200 ق. م - 2000 ق. م) وحقبة ذروة حضارة دلمون (2000 ق. م - 1800 ق. م)، وحقبة أفول دلمون (1800 ق. م - 1600 ق. م) ((Hojland 1989) مقتبس ضمن (آل ثاني 1997، ص 260 - 261)).

وفي مرحلة تأسيس دلمون يؤكد هوجلاند أن حضارة وادي السند هي الأكثر تأثيراً في بداية نشأة «ثقافة باربار»؛ إلا أنه لا يبدو أن حضارة وادي السند سيطرت سياسياً على دلمون أونقلت ثقافتها بالقوة؛ لكن ما حدث هو تضمين ثقافتها بصورة سلمية على عكس حضارات وادي الرافدين التي، سيطرت سياسياً وطمست هوية باربار وفرضت هويتها هي وكأنها «خاضت حرباً لتغير الهوية المحلية». ويرى الباحث علي أكبر بوشهري أن سكان دلمون في بداية تأسيسها ربما تحدثت باللغة السومرية أو لغة شبيهة بها ولها علاقة بلغة وادي السند، وأن الدلمونيين اقتبسوا الرموز السومرية وبدأوا بتكوين كتابة خاصة بهم (Bushiri 199، pp. 105 - 106). وتجدر الملاحظة هنا أن حقبة تأسيس دلمون تتزامن بحقبة إعادة إحياء اللغة السومرية في حضارة وادي الرافدين؛ إذ أصبحت اللغة السومرية هي اللغة السائدة وذلك عندما سادت الأقوام السومرية في عهد سلالة أور الثالثة في الحقبة ما بين 2150 ق. م - 2000 ق. م (سليمان 2005، ص 35). وهناك بينة أخرى ربما تشير إلى استمرارية اللغة السومرية بين سكان دلمون حتى الحقبة الكاشية كما سنرى لا حقاً.

الأموريون واللغة الأكدية (2000 ق. م - 1600 ق. م)

تتزامن هذه الحقبة مع حقبة سيطرة الأموريين على الجنوب الرافدي. والأموريون هم جماعة من الساميين الغربيين الذين يتحدثون بلغة سامية غربية خاصة بهم، وقد كوّن الأموريون عدة إمارات في بلاد الرافدين والتي كان أعظمها جميعاً سلالة بابل التي برز منها حمورابي، وقد اقتبس الأموريون اللغة الأكدية وجعلوا منها اللغة الرسمية لهم؛ وبذلك اتسع استخدام اللغة الأكدية منذ بداية العصر البابلي القديم؛ أي الحقبة (2000 ق. م - 1600 ق. م) (سليمان 2005، ص 40). ويبدو أنه حدث تدفق للأموريين لشرق الجزيرة العربية وسيطروا سياسياً على جزر البحرين، ويبدو أنهم اندمجوا سلمياً مع الشعوب القديمة على جزر البحرين؛ إذ إن الثقافة المحلية لم تطمس؛ بل تطورت وأن ما حدث هو عملية تثقف من الخارج؛ إذ إن هوجلاند في دراسته السابقة الذكر لا يذكر شيئاً عن التأثير السندي في الحقبة ما بين (2000 ق. م - 1600 ق. م)؛ بل يشير إلى مدى التأثير الرافدي وخصوصاً التأثير الأموري من خلال ما ظهر من نقوشات الأختام الدلمونية ذات الطابع الأموري أو المتأثر به، كما يضاف إلى ذلك ما أكتشف من كتابات على أوانٍ ورُقُم طينية في ضمن حدود ثقافة باربار التي انتشرت في شرق الجزيرة العربية وجزيرة فيلكا ((Hojland 1989) مقتبس ضمن (آل ثاني 1997، ص 261).

ويبدو أن سكان دلمون قد تحدثوا أو تأثروا، على أقل تقدير، بالأكدية في هذه الحقبة حيث عثر على نقش مسماري كتب بلغة أكدية يرجع تاريخه لنهاية حقبة دلمون وبداية الحقبة الكاشية (أو الكشية) وهو النقش المشهور باسم نقش الكابتن ديوراند.

نقوشات المخزن الكاشي

في الفترة (1600 ق. م و1500 ق. م) أستطاع الكاشيون الذين سيطروا على جنوب بلاد الرافدين أن يسيطروا على دلمون أو ثقافة باربار، واستمرت سيطرتهم عليها حتى العام 1200 ق. م، وقد اقتبس الكاشيون اللغة الأكدية التي ظلت لغة البلاد الرسمية في فترة الاحتلال الكاشي لها (سليمان 2005، ص 40). ويعتقد أن لغة دلمون الرسمية في هذه الحقبة كانت اللغة الأكدية؛ إذ عثرت البعثة الفرنسية على في العامين 1995م و1996 في المبنى الكاشي في موقع قلعة البحرين على قرابة خمسين لوحاً نقشت عليها كتابة مسمارية باللغة الأكدية، ويعود تاريخها إلى قرابة العام 1450 ق. م، ومن ضمن هذه الألواح لوح احتوى على قائمة كلمات أكدية وما يقابلها باللغة السومرية، وهذه القائمة تعتبر بمثابة معجم أكدي سومري (Andre – Salvini 1999). يوجد أيضاً عدد بسيط من الألواح عثرت عليه البعثة الدنماركية وتعود أيضاً إلى نفس الحقبة الزمنية. يذكر، أنه يمكن تمييز أساليب مختلفة من الكتابة الأكدية على هذه الألواح؛ ما يدل على وجود أكثر من منطقة تم نقش هذه الألواح فيها بما في ذلك وجود مدرسة محلية في دلمون للكتابة الأكدية (Andre - Salvini 1999). هذه المعطيات تدل على وجود اللغة الأكدية وربما السومرية كذلك بين سكان دلمون.

والمرجّح أن اللغة الأكدية استمرت لغة سكان دلمون حتى العام 539 ق. م، ذلك أن اللغة الأكدية ظلت اللغة الرسمية في الجنوب الرافدي فقد كانت لغة بلاد آشور الرسمية وبعدها كانت لغة الدولة الكلدية أو البابلية الحديثة (636 ق. م - 539 ق. م)؛ غير أن تأثير اللغة الآرامية بدأ يظهر عليها تدريجياً وبدأ الخط الأبجدي الآرامي ينتشر تدريجياً (سليمان 2005، ص 41).

العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً