العدد 3537 - الأحد 13 مايو 2012م الموافق 22 جمادى الآخرة 1433هـ

إلا الدَّم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما تطلَّب منا الموقف الأخلاقي أن نقِف إلى جانب الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد ودمويته، لم يمنعنا في ذلك شيء أمام هذه المسئولية. واليوم، وعندما يتطلَّب منا الموقف ذاته، أن نتخذه ونحن نرى الدَّم السوري البريء مسفوحًا في شوارع دمشق وطرقاتها، فإننا نقِف إلى جانبه أيضًا وإدانتنا للإرهاب الأعمى، دون تردُّد. فالقضية بالنسبة لنا، ليست مواقف سياسية، يتخذها المرء إرضاءً أو مخالفة لأحد، وإنما هي مبادئ إنسانية وأخلاقية عامة وثابتة، لا يمكن التنازل عنها في ظروف قاهرة تكون هي أحوج إليها، أو أمام عبث السياسة، وميكيافيلليتها الكريهة، التي لا تفهم أن هناك مشاعر، وأحاسيس ودماء مُتساوية، ومعادلات اجتماعية حقة.

لطالما كانت الثورة السورية، صاحبة مشروعية ثورية وأخلاقية وإنسانية، أمام نظام شمولي لا يرحم، تعرَّت أسمال وجهه أمام العالَم، لكن أن تتطفل على هذه الثورة المطلبية، جائِحَة الإرهاب، فتزاحمها على معركة نظيفة، هي بالأساس ليست لها، وليست من أجلها، فذلك أمر مرفوض، ومدعاة لأن يُدمِّرَ كل شيء، بلا حساب. فأكثر الأشياء خطأ لدى المعارضات السياسية في العالم الثالث، هو أن تتم الاستعانة بِغثِّ الناس، في معالجة أسمن الملفات، لأن النتيجة، ستكون تاليًا، اختلاط الصحيح بالسقيم، والحق بالباطل، وما يجب أن يكون، وما يجب ألاَّ يكون.

ربما لا يُدرك هؤلاء المعتوهين والإرهابيين، أن ما يفعلوه، يُفقد الثورة أمرين اثنين. الأول: تعاطف الناس معها، ومع أهدافها، نتيجة الخوف من المنعطفات الحادة للصراع، والثاني: تصحُّر النظام السياسي الدموي، والتقاطه أنفاسًا جديدة، لإدارة المعركة بشكل أكثر التواءً. هذا الأمر يجب أن يكون مفهومًا للجميع. وكل مَن تابع ردود الأفعال الإقليمية والعالمية والداخل السوري، رأى كيف استثمر النظام في دمشق هذا الأمر، وحوَّله لصالحه بشكل متسارع، وأظهر نفسه وكأنه ضحية، توجب الوقوف إلى جانبها، ضد هجمة إرهابية تتعرَّض لها، مساويًا بذلك نفسه مع المستهدفين. وهذا يعيد تأكيد، مدى سلبية الترحيب بغثِّ المعارضين، في أتون الثورات المطلبية.

لقد كان الإرهاب الذي ضرَبَ العالَم، من أقصاه إلى أقصاه، سببًا في أن تفقد المجتمعات، العديد من قضاياها السياسية والاجتماعية العادلة، لصالح الأنظمة، التي كانت في موضع التهمة، والمطالبة، بعدالة ومسئولية أكبر، تجاه شعوبها. فماذا فعلت الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، في مجازر مُروِّعة، أنسَت الجزائريين رغبتهم في استرجاع حقهم الانتخابي، الذي جاء بمن يريدون من الجولة الأولى في انتخابات العام 1991، عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بعد انقلاب العسكر على نتائجها، وإجبار الرئيس بن جديد على الاستقالة. لقد دفعت تلك الجرائم الجزائريين، أن لا يطمحوا إلاَّ في القضاء على الإرهاب وفعله.

في العالم الغربي، هناك نماذج مماثلة. فثمانية عشر عامًا قضتها الألوية الحمراء بإيطاليا في الإرهاب، فنفذت زهاء الخمسة وسبعين عملاً إرهابيًا، لكن الجميع بات مؤمنًا، أنها كانت سببًا في انحسار اليسار الإيطالي، التي كانت تدعي حمايته والدفاع عنه. أيضًا، نتساءل: هل انتفعت الشيوعية في ألمانيا الغربية، بالنشاط الدموي، الذي قامت بادرماينهوف؟ النتيجة كانت انتكاسة للشيوعية الألمانية في محيطها الرأسمالي. أيضًا، ماذا جنى اليسار في البيرو، جراء أعمال جماعات الدرب المضيء، التي قتلت أزيد من سبعين ألفًا من الناس. وماذا جنت الـ PCK في كمبوديا بزعامة بول بوت وخيو سامبان، بإبادتها مليوني إنسان بدعوى التنظيم الاجتماعي الأغراري للناس، فهل يترحَّم الكمبوديون والبيرويون اليوم على تلك التجارب في بلدانهم؟!

هذا الأمر يجب أن يكون واضحًا جدًا. فالشعوب لها حركتها الصحيحة، والطبيعية، وهي لا تحتمل أن تتحوَّل تلك الحركة إلى أخرى عرجاء دموية، بسبب معادلة «السَّيْر كيفما اتفق». وربما اليوم، يفهم قارئو التاريخ، كيف شكَّل عصر الرعب في فرنسا، على يد اليعاقبة مشكلة للثورة الفرنسية، سواء للداخل أو للخارج. وبسببهم كان على الديمقراطيين الراديكاليين حين حصلوا على مليوني صوت، أن يستوعبوا، أن الملكيين، قد نالوا ثلاثة ملايين صوت، وبالتالي، إعادة طرح الإشكال الفكري الليبرالي: أن الثورات الحمراء، تمثل خطرًا داهمًا على الشعوب، بالتالي، يمكن تلبية مطالب الناس الاقتصادية والمعيشية، بشكل مختلف، يكون أقل من التحرك الثوري.

فالقضية الثورية، ليست منفصلة الأجزاء، فأمامها يؤثر على ذيلها، وخصوصًا أن الثورة، تتميَّز عن غيرها من الحركات، أو العمليات الجراحية التي تجري في الأنظمة، أنها تقوم على انطباعات، ومشاعر جامحة، وجهود الأفراد المندفعة، وليس على المؤسسات الناظمة، لذلك، فهي تختلف كليًا عن الفترة الانتقالية، واستقرار الدولة، وبالتالي، فهي تصبح حساسة جدًا في مسألة المستقبل، وخصوصًا أنها تعتمد على موازين القدرة العضلية والنفسية للثوار، فهي تنكمش، عندما يصبح الهدف الثوري والوطني ضائعًا في قِبال العدمية السياسية وسوداوية أهدافها.

على المعارضة السورية، أن تعيد الإمساك بزمام المبادرة في نضالها الصحيح، وأن تتخلص من هكذا دُخلاء على الثورة، ممن يعتاشون على الدَّم، ومفاهيم الإلغاء، والسيطرة بالنار. وأن لا تترك مجالاً للنظام، أن يستفيد من أخطائها. وعليها أن تدرك أن الثورة، لا تحتاج إلى الجميع، وإنما تحتاج إلى جميع العقلاء فقط، أما المعتوهين، والبلهاء، فإنهم عالة عليها، وهم وبأعمالهم المجنونة، يتحوَّلون إلى أدوات، في أيدي الأنظمة دونما علم، ليرمي بهم وعليهم نِصاله، فيضيع كل شيء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3537 - الأحد 13 مايو 2012م الموافق 22 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:53 م

      الإرهاب ليس جديدا

      لم يكن الإرهاب وليد اليوم في سوريا من خلال التفجيرات الأخيرة، منذ بداية الثورة دخل الإرهاب على الخط بشعارات إبادة الطوائف وتفعيل الذبح والسحل على أرض الواقع تجاه مدنيين لا علاقة لهم بالنظام سوى أنهم من طائفة تشابه طائفة الرئيس! عشرات آلاف العوائل هجرت من حمص وريف دمشق للسبب ذاته.. مع حبنا للشعب السوري وتمنياتنا له أن يتخلص من الديكتاتورية قريبا وسريعا، لكن ما جرى في سوريا لم يكن (وردة مقابل رصاصة) كما يراد إيهام المتابعين، ما حصل ويحصل ليس أقل من حرب أهلية أجرم فيه النظام والمعارضة.

اقرأ ايضاً