هكذا بدأ القاضي كلماته قبل النطق بالحكم على الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وحفنة من وزرائه وأعوانه وأبنائه، وقد سرد القاضي خطابا سياسيا طويلا قبل الاعلان عن أحكامه، حيث تكلّم عن سنوات الظلام التي عاشتها مصر في ظل حكم مبارك، ومن ثمّ بدأ محاكمته، وقد كانت المحاكمة ضعيفة لم تشف غليل الشعب المصري بل أثارت غضبه، حيث لاحظنا الغضب داخل المحكمة وخارجها من خلال تتبّع الأخبار على القنوات الفضائية.

اذ حكمت المحكمة بالمؤبّد على مبارك ووزير داخليته العادلي، وبرّأت جمال وعلاء ابني محمد حسني مبارك، وكذلك برّأت حفنة المساعدين من أي تهم بقتل المتظاهرين، فالأدلة لم تثبت تورّط الداخلية في ذلك! ونحن قد نعطي القاضي عذرا على الحكم، لأنّه التزم كما قال بالاثباتات الموجودة تحت يديه، وفي النهاية لا يستطيع الحكم بشكل شخصي وانّما بشكل فنّي. كما نحيط البعض علما بأنّ هذه أوّل محاكمة في تاريخ مصر لرئيس مصري، وأوّل حكم بالمؤبّد لهذا الرئيس، ولكن!

التضحيات التي قدّمها شباب الثورة والشعب المصري العظيم من أجل التخلّص من هذا الدكتاتور وأعوانه، كانت مدعاة الى من تحمّل عاتق الميزان أن يضعهم في الاعتبار، فلولا وقوف الشعب المصري ضد الفساد ولولا مواجهة رصاص الشرطة وسقوط الضحايا، لما استطاع المصريون استنشاق الحرّية، هذه الحرّية التي انتظروها الى ما يقارب 30 عاما.

كان لابد من دراسة ثورات الشعب، وكذلك كان من الأولى التأنّي أكثر قبل صدور الحكم، فأُسر شهداء ثورة 25 يناير وما بعدها، لا يستطيعون تحمّل هذا الحكم، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي هذه المرّة، لا حول لهم ولا قوّة، فلقد نهض المارد المصري بأسر الشهداء وجميع عموم الشعب، وأنّى له الخمود مرّة أخرى، لأنّ الأزمان تغيّرت، والنفوس تبدّلت، والخوف القابع الدفين تحوّل الى شراسة وغضب، لا نعلم متى يهدأ هذا الغضب.

ونعتقد بأنّ أوراق أحمد شفيق سوف تحرق بعد اليوم، لأنّ الحكم على بعض رؤوس النظام لا يعني الحكم على النظام، فهو في نظر الأغلبية باقٍ وآن الأوان الى أن تتخلّص مصر من جميع شوائبه. وما أحمد شفيق الاّ امتداد لحكم «سيادة الريّس»، فهل يقبل الشعب المصري بذلك؟!

اذا الشعبُ يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، وها قد استجاب القدر ولكن لم تستجب بعض النفوس، واننا نخشى على أرض الكنانة من المنازعات والاضطرابات والفتن اذا لم يكتمل نصاب الميزان، لأنّ الميزان هو الحاكم في النهاية، والقتل العمد يتبعه حكم الاعدام لا يتبعه حكم المؤبّد، فأيُ نفس قد تهدأ عندما ترى عزيزا لها قُتل أو عذّب، وأيُ نفس تستطيع نسيان ما حدث لها وما حدث لغيرها من أجل الحرّية، فلقد كان ثمنها غاليا وباهظا جدّا جدا!

أيّها الشعب المصري العظيم، يا من تحمّلتم الكثير، ويا من سُقيتم المرّ والذل لأزمان طويلة، لا تتنازلوا عن حقوقكم، ولا تستهينوا بأعدائكم، فأنتم لها، وأنتم الأقوى ما دمتم عصبة واحدة، وقد أتى اليوم الذي نشاهدكم تتحرّكون ونسمع أصواتكم عالية ضد من أفسد وفسد وبغى في أرضكم يا أهل الكنانة، فـ «أي حركة وأي صوت» لكم هو حقّكم الذي سُلِبَ منكم عهودا من الزمن! والأيادي تدعو لكم والقلوب معكم من أرض البحرين.